الرباط "مغارب كم ": محمد بوخزار يستمع المغاربة مساء اليوم الجمعة ابتداء من التاسعة مساء إلى عاهلهم وهو يعلن الوصول بسلام إلى محطة مفصلية في عهده منذ تقلده الملك عام 1999 على اثر وفاة والده الملك الراحل الحسن الثاني. ومن المتوقع أن يحدد الملك محمد السادس في خطابه موعد الاستفتاء على الدستور الجديد، بعد ما تم الانتهاء من صياغة النص النهائي الذي سيقول المغاربة فيه رأيهم بكل حرية وشفافية مطلع الشهر المقبل طبقا لسائر التوقعات. ونجحت الإرادات الطيبة وتغليب المصلحة العليا في إطار التوافق الإيجابي بين كافة الأطراف في التغلب في السعات الأخيرة على بعض البنود الخلافية التي تضمنها مشروع الدستور وخاصة ما يتعلق بالهوية الثقافية والدينية واللغوية ومكوناتها ومرجعياتها.حيث تم التوصل إلى صيغ أكثر مرونة واقل صدما لقوى سياسية ودينية رأت فيها اجتهادا ونزوعا حداثيا متطرفا على ما تعتبره ثوابت الأمة من قبيل التنصيص على الدين الإسلامي وجعله مصدرا للتشريع واعتبار اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد مع واجب المحافظة عليها وتطويرها ، إلى جانب اللغة الأمازيغية التي اعتمدها الدستور الجديد لغة رسمية إلى جانب العربية على اعتبار أنها تراث مشترك بين جميع المغاربة وليست مقصورة على فئة اجتماعية دون أخرى. ويتضح من نص الدستور المتداول في عدد من المواقع الالكترونية بينها "مغارب كم" أن التعامل بالأمازيغية كلغة رسمية تلزمه خطوات مرحلية وإجراءات سيتم التنصيص عليها في قوانين تنظيمية لاحقا. وبهذا الحل التوافقي، يكون الدستور قد جنب البلاد الوقوع في مشاكل ليست في الوضع الراهن مستعدة لها خاصة وأن بعض المدافعين على الدسترة الكلية والشاملة والفورية للأمازيغية طالبوا بتنزيلها إلى أرض الواقع بمجرد المصادقة على الدستور. ومن القضايا الخلافية المبعدة التنصيص في المسودة قبل النهائية على البعد العبري كجزء من مكونات الهوية المغربية ، وهو توجه عارضته قوى سياسية إيمانا منها أن اليهود لا يشكلون فئة سكانية ذات ثقل عددي كما أن اليهود المغاربة أنفسهم لم يطالبوا بدسترة انتمائهم الهوياتي. وأدمجت الإشارة إلى المكون العبري في ديباجة الدستور إلى جانب المكونات الأخرى الأفريقية والأندلسية والمتوسطية مع تبويئ الانتماء إلى الإسلام. وكما رشح من قبل عن التوجهات الديمقراطية التي تهيمن على الوثيقة الأسمى التي سيحكم المغاربة بموجبها في العقود المقبلة، وانسجاما مع ما أعلنه العاهل المغربي يوم التاسع من مارس الماضي، فإن الدستور المغربي الجديد يلبي أغلب المطالب ويتجاوب بشكل كبير وعميق مع انتظارات الأحزاب السياسية والنقابات وهيئات المجتمع المدني والحقوقي. ويمكن القول دون الخوض في تفاصيل الفصول التي يتألف منه الدستور، ن إرادة العاهل المغربي واضحة ومتجلية بخصوص سعيه نحو ترسيخ دولة المؤسسات واحترام القانون والمساواة بين الجميع. وفي هذا السياق، تخلى الملك طواعية عن كثير من الصلاحيات التي كانت موكولة إليه في الدستور القديم الذي ورثه عن والده، لصالح الحكومة التي أصبحت مسؤولة أمام سلطة الشعب الممثلة في البرلمان تمارس كل الصلاحيات التنفيذية وتعتبر الإدارة الأداة المنفذة لسياسة الحكومة التي يرأسها رئيس بدل وزير أول، يحق له تسمية المسؤولين في كبار المناصب أما البرلمان ، فقد توسعت صلاحياته بشكل كبير، بحيث يمكن القول إنه أصبح المصدر الرئيس للتشريع ووضع القوانين إلى جانب مراقبة السياسات العامة. إلى ذلك احتفظ الملك بكثير من السلطات الفعلية والرمزية وخاصة على القوات المسلحة الملكية التي يعود إليه تعيين قادتها؛ كما يمارس الملك صلاحيات أخرى من خلال آلية المجلس الوزاري الذي يرأسه أو يخول ذلك إلى رئيس الحكومة تبعا لجدول الأعمال والقضايا المعروضة، ما يعني أن الملفات الكبرى والدقيقة لا يمكن البت فيها واتخاذ قرار بصددها دون موافقة الملك، كما أن هناك آلية دستورية أخرى أبقت للملك صلاحيات مهمة وهي المجلس الأعلى للأمن، إضافة إلى إشرافه على الحقل الديني في إطار إمارة المؤمنين. ويمكن القول إجمالا إن الدستور الجديد يتسم بتوازن كبير في توزيع السلطة بين مكونات الدولة، فقد تخلى الملك عن الصفة التنفيذية واحتفظ بدور المراقب الذي يمارس التحكيم وفق آليات دستورية مضبوطة تمنع الشطط في استعمال السلطة. وفي هذا السياق، فإن الفصل 19 في الدستور القديم جرت إعادة صياغته بما يتماشى مع المفهوم الجديد للسلطة والحكامة الجيدة وبالتالي أصبح شخص الملك جديرا بالاحترام والتوقير ولا تنتهك حرمته. وفي باب الجديد حقا الذي أتى به الدستور ما يتعلق بتطهير المجال السياسي من مظاهر الفساد التي تحكمت فيه عقودا من الزمن ، وهكذا منع الترحال السياسي بين أعضاء البرلمان بمقتضى الدستور. وكل من غير اللون الحزبي الذي انتخب في البرلمان على أساسه، يفقد تلقائيا عضويته في مجلسي البرلمان وتعلن المحكمة الدستورية بطلان عضويته. ومن جهة أخرى نص الدستور على الالتزام ببناء الاتحاد المغاربي وتأكيد انتماء المغرب إلى الأمة العربية والإسلامية التي يجب توطيد التعاون معها إلى جانب باقي دول العالم وخاصة الواقعة في الفضاء الإفريقي والمتوسطي بحكم صلة الجغرافيا.