لم يكن فتح الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر وارداً، ولم يكن سريان مفعوله كل هذا الوقت مقبولاً. غير أن تداعيات خلافات الجارين وصلت الحد الذي لم يعد فيه التمييز قائماً بين الأضرار، إذ تصيب الشعوب أو تتطاير شظاياها على الأنظمة. فالشريط الحدودي شكل دائماً رمزية الوفاق أو القطيعة. فمنه يأتي التفاهم وإليه يعود الخصام. هي جولة جديدة من العتاب المتبادل. لم تكن في حاجة إلى تصريحات رئيس الوزراء الجزائري أحمد أو يحيى أو إلى ردود الخارجية المغربية، طالما أن الأزمة قائمة مع وجود تباين في المواقف أو من دونه. وعناوينها البارزة لا تخطئها العين. فالعتب يكون مستساغاً في علاقات عادية، أما عندما يتعلق الأمر بوضع متدهور أصلاً، يصبح العتب بلا جدوى. وقد لا يكون له أي مبرر سوى أن البلدين الجارين سيخوضان مباراة لكرة القدم، تكاد ترتدي طابع المواجهة المشحونة بالمشاعر. في التوقيت أن الرباطوالجزائر أقرتا خطة انفتاح شملت تبادل زيارات حكومية في قطاعات اقتصادية وتجارية. وبدا أن ما لم تستطعه السياسة يمكن أن يخترقه الاقتصاد، إذ يدور في مربع تبادل المصالح والمنافع. غير أن العودة سريعاً إلى مربع الصفر تعني أن الأزمة أكبر من الاحتواء. أو في أقل تقدير تتطلب بلورة درجة عالية من الإرادة السياسية التي تلغي ما عداها من مؤاخذات متبادلة. لم يحدث ذلك لأن البلدين على موعد مع أكثر من مواجهة ديبلوماسية، ليس أبعدها أن مفاوضات مانهاست حول الصحراء تفرض نفسها، إن لناحية انعكاس بعض الوفاق المغربي الجزائري الذي في إمكانه أن يدفع في اتجاه التقدم. أو لجهة استمرار المأزق الذي يدرك الجميع انه من دون التطبيع الإيجابي في علاقات البلدين يستحيل اختراق عقباته. لعل هذه المواجهة كانت سبباً في شطب الجهود التي بذلت من أجل تحقيق بعض الانفراج، وكي لا تبدو العملية وكأنها أقحمت عنوة في مسار أقل تفاؤلاً، كان اللجوء إلى التسريبات الإعلامية التي عرضت تورط السلطات الجزائرية في دعم نظام العقيد معمر القذافي، مع أن أي جهة رسمية مغربية لم تشر إلى هذا التورط. وإذا كان من حق الجزائر تصحيح صورتها بهذا الصدد، فإن ذلك لا يبرر اتهام المغرب ولا العودة إلى نقطة الصفر، طالما أن الاستحقاقات الأهم تفرض على البلدين نسيان خلافاتهما والبدء في تنفيذ خطوات بناء الثقة، والانصراف إلى القضايا الجوهرية التي تطاول البناء المغاربي ورأب الصدع وتنسيق المواقف إزاء الحرب على الإرهاب، وترتيب أجندة الإصلاحات الديموقراطية على هدير ربيع التحولات العاصفة. لعل الجزائريين هم الأكثر إيماناً بأن الحوار بين الدول لا يتم عبر الفضائيات ووسائل الإعلام، بل من خلال تفعيل القنوات الديبلوماسية وحشد المؤهلات، والأكيد أن حساسيتهم إزاء كل ما يصدر عن المغرب، بل كل ما لم يصدر عنه أيضاً تزيد إلى درجة انهم يطلبون الحوار الهادئ عبر الآليات التي تملك مقومات الصمود. فهل أن المغرب حين يلتزم سياسة اليد الممدودة من أجل معاودة فتح الحدود يمارس ضغطاً؟ وهل الجزائر حين ترهن ذلك بمعطيات شخصية تمارس الشيء نفسه؟ لا هذا ولا ذاك. فقد انتفت أسباب سريان مفعول إغلاق الحدود منذ سنوات عدة، وتحديداً منذ العام 2005 يوم أقر البلدان إلغاء نظام التأشيرة على المغاربة والجزائريين على حد سواء. كان ذلك مؤشراً مشجعاً، أقله لإنهاء حال الحذر إزاء الأسباب التي كانت وراء اتخاذ قرارات متسرعة من الطرفين. من المفيد استقراء مسار علاقات البلدين، وما هو إيجابي انهما جددا العمل بمعاهدة ترسيم الحدود وحسن الجوار. بل شكلا القاطرة التي قادت البناء المغاربي. حدث ذلك وقضية الصحراء قائمة. فما المانع الآن من معاودة إحياء تجارب الانفراج؟ وربما كان أجدى أن يلتزما معاً مزيداً من التعاون مع الأممالمتحدة لإنهاء النزاع، ولا ضرر في أن يبدأ ذلك التعاون من البحث في تعزيز فرص الأمن والسلاح والاستقرار في المنطقة المغاربية برمتها.