تثير زيارة رئيس الدبلوماسية الأمريكية جون كيري إلى الجزائر، قراءات متعددة، رغم أنها كانت مبرمجة في نوفمبر الماضي وتأجلت على خلفية تنظيم الندوة الدولية حول النووي الإيراني، كما أنها تندرج في سياق زيارة إلى المنطقة وفقا للمقاربة الإستراتيجية الأمريكية الشاملة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسيكون الهاجس الأمني أبرز الملفات بعيدا عن الرهانات الظرفية المتصلة بالانتخابات الرئاسية في الجزائر، وإن كانت واشنطن ستركز على ضمانات الشفافية والاستقرار لما بعد الرئاسيات. وفقا لمصادر مقربة من ملف العلاقات الأمريكيةالجزائريةوالأمريكية المغاربية، فإن زيارة كاتب الدولة الأمريكي للخارجية جون كيري وتركيبة الوفد المرافق له والذي يطغى عليه الجانب الأمني، يكشف عن التوجهات العامة للسياسة الأمريكية حيال المنطقة ككل، والجزائر تبقى ضمن نطاق النظام الفرعي الإقليمي الشرق الأوسطي، الذي يعرف تقلبات كبيرة، والإفريقي أيضا، لاسيما منطقة الساحل، وعليه فإن الزيارة ليست تحديدا للجزائر، بقدر ما تخص المنطقة، وهي بالتالي لا علاقة بصورة مباشرة بالانتخابات الرئاسية في الجزائر المرتقبة في 17 أفريل المقبل، وإن كانت الإدارة الأمريكية ستوجه رسائل محددة في هذا الشأن، من بينها ضرورة الانتقال إلى مرحلة فعلية من الإصلاحات واحترام قواعد الشفافية الفعلية في الانتخابات وضمان الاستقرار لما بعد الرئاسيات. وتبدي واشنطن قلقا من التطورات المسجلة في المنطقة ككل، والتي يمكن أن تكون لها تداعيات أخطر في حالة دخول الجزائر في مرحلة عدم استقرار أمني داخلي لعجز النظام السياسي في التكيف مع المتغيرات المحلية والإقليمية. وقد كشف تقرير كتابة الدولة الخاص بحقوق الإنسان والصادر في مارس، عن عدد من الملاحظات الأمريكية والتي تقاطعت مع التقرير الصادر عن الاتحاد الأوروبي أيضا الذي ركز على غياب تقدم محسوس في الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وتراجع في ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير وضرورة دعم المجتمع المدني، وهي المسائل التي سيتم التطرق إليها خلال الدورة الثانية للحوار الاستراتيجي الذي انطلق في 2012. وتفيد قراءات المصادر نفسها أن الاختراقات الأمنية الكبيرة التي تعرفها المنطقة، تدفع الإدارة الأمريكية إلى الارتكاز على قوة جهوية حيوية في مجال مكافحة الإرهاب، وضمان حد أدنى من الاستقرار، وإن قبلت بمفهوم النزاعات ذات النطاق المحدود في بعض الأحيان، قبل اعتماد الترتيبات اللازمة وإعادة الاصطفاف بما يخدم السياسات الأمريكية الإقليمية. ولكن الملاحظ أن تطور الأحداث في منطقة الساحل وعدم فعالية عملية سيرفال التي قام بها الجيش الفرنسي في شمال مالي، ثم عودة ما بات يصطلح عليه في الأدبيات الأمنية الأمريكية بالتنظيمات المتطرفة العنيفة "في أي أو"، على رأسها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وتحالف الموقعون بالدماء لمختار بلمختار مع حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا في الساحل. زيادة على كل ذلك، تسجل مخاطر تفكك ليبيا وسيادة الميليشيات على أنقاض الدولة المركزية، وانتشار الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، دفع واشنطن إلى التحرك سريعا، موازاة مع إعادة صياغة استراتيجية أمنية جزائرية تم الكشف عنها من خلال تعليمات الرئيس بوتفليقة لنائب دفاعه، بضرورة التنسيق في المسائل الأمنية مع مصلحة التنسيق العملياتي للاستعلام ومكافحة الإرهاب، وهو مؤشر يكشف عن خطورة الوضع في المنطقة، خاصة وأن الاختراق الأمني قائم على الحدود الليبية، حيث تفيد تقارير متخصصة بتواجد عشرات الميليشيات والمجموعات غير النظامية تتحكم في طول الحدود الجزائرية الليبية بمعدل مجموعة في كل 100 إلى 200 كلم. هذا الوضع جعل مصالح الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، تركز على هذا الجانب المرتبط بالوضع في الساحل. وإلى جانب ملفات الأمن المباشرة في الساحل وليبيا، هناك قضية الصحراء الغربية، بما أن الزيارة تشمل الجزائر والمغرب، حيث لا ترغب واشنطن في بروز بؤرة توتر جديدة على الجبهة الجنوبية الغربية، وبالتالي تشكّل ثغرة أمنية إضافية، يضاف إلى ذلك ملفات سوريا ومصر، وحتى تركيا والسعودية.