السيد علي زيدان ابن الأربعة والستين عاما والنشأة الدينية والمحيط الصحراوي بسكونه و غموضه في منطقة ودان. الرجل الذي تصدر المشهد السياسي الليبي فجأة منذ أسابيع الثورة الأولى كدبلوماسي محنك عاش طويلا في ألمانيا ما يزيد عن ثلاثين عاما . لم يكن من المعارضين البارزين لنظام معمر القذافي و لم يكن ينتمي لتيارات المعارضة الليبية المعروفة في تلك الفترة .بل اختار لنفسه مجال حقوق الإنسان ليكون منطلقه في معارضة النظام السابق دون أن يكون محسوبا على تيار بعينه. استغل علي زيدان الضعف الدبلوماسي للذين تصدروا المشهد السياسي بعد 17 شباط /فبراير وقلة خبراتهم في التعاطي مع الشأن الدولي، و تقديم أنفسهم للعالم كثوار و أصحاب حقوق ، ليتقدم زيدان الصفوف مستغلاً علاقته مع السيد برنار ليفي الفرنسي اليهودي ذي العلاقات الواسعة مع شاغلي الإليزيه و غيرهم في دوائر السياسة الأوروبية والإسرائيلية ، الذي كان يصف زيدان بالصديق نظراً لرصيد سابق من العلاقات بينهما، ما أكده ليفي في كتابه المعنون ‘الحرب التي لا نحبها ‘ الذي خصه لأحداث الثورة في ليبيا . دبلوماسي محنك ظهر زيدان أمام الشاشات كدبلوماسي ليبي له علاقات واسعة مع سياسيين بارزين في أوروبا هو دائم التباهي بذلك والتذكير به .و ساعده ذلك في الظهور بدور مميز في الاتصالات الأولى لمسؤولي المجلس الوطني الانتقالي والمكتب التنفيذي وقادة الثوار قليلي الخبرة في التعاطي مع السياسة ودهاليزها ..رتب زيدان بمساعدة صديقه برنار ليفي لقاء فاصلا فارقاً مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي استقبل في الأسابيع الأولى للثورة وفدا من المجلس الانتقالي الليبي الذي لم يكن يعرفه أحد ولايعترف به أحد ليفاجأ الوفد بما لم يكن في حسبانهم،وهو الاعتراف من قبل فرنسا بالمجلس الانتقالي الليبي . ما اعتبر جهدا بارزاً من السيد ليفي كما ذكر في كتابه وبالتالي ما حسب لصالح السيد علي زيدان . في شهر نيسان / إبريل اصطحب زيدان اللواء المنشق عن القذافي عبد الفتاح يونس الذي كلف برئاسة أركان الجيش الليبي بعد الثورة وعدداً من قادة الثوار منهم إسماعيل الساقزلي من محاربي الجبهات ورئيس هيئة شؤون المحاربين الآن و رتب لهم لقاء مع الرئيس ساركوزي لأجل الحصول على مزيد من الأسلحة . استمر في لعب أدوار مهمة على الساحة الدولية لتقديم الثوار الجدد للعالم . في أول انتخابات المؤتمر الوطني في 2012 تنافس علي زيدان كمرشح لكتلة التحالف الوطني ذات الأغلبية في المؤتمر الوطني الذي يترأسها محمود جبريل ذو التوجه الليبرالي، والسيد محمد المقريف مرشح الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا ذات الميول الإسلامية التي عرفت بمعارضتها المسلحة للقذافي عبر سنوات طويلة . تمكن المقريف من انتزاع رئاسة المؤتمر بفارق أصوات قليلة من منافسه زيدان. لم ييأس علي زيدان الذي قدّم نفسه مرشحا ذا قدرات تشريعية و قانونية تؤهله لقيادة المؤتمر، ليعود هو و كتلة التحالف ليتنافس من جديد على موقع تنفيذي و هو ‘رئيس الحكومة ‘ و يكون له ما أراد بعد أن أطاح المؤتمر الوطني بحكومة السيد أبو شاقور'مرشح الإسلاميين ‘ و رفضه لمقترحي تشكيل حكومة مرتين متتاليتين . وكان أبو شاقور قد فاز بمنصب رئيس الحكومة بفارق صوتين فقط عن منافسه رئيس التحالف الوطني د.محمود جبريل. انتخب المؤتمر الوطني السيد علي زيدان رئيساً للحكومة في تشرين الاول / أكتوبر 2012 م بعد فوزه بفارق ثمانية أصوات على منافسه الإسلامي محمد الحراري. كر وفر بين زيدان و خصومه استطاع زيدان أن يتحصل على شعبية عريضة في الشارع الليبي خاصة بعد حكومة عبد الرحمن الكيب التي بدت هزيلة ،بل عاجزة عن اتخاذ قرارات مهمة في مرحلة فاصلة من تاريخ ليبيا . و أعيب على الكيب حينها أن جل وزرائه من خارج ليبيا مما جعل بعض الليبيين يصفها بحكومة المستوردين. وتمكن من الفوز بمنصب رئيس الحكومة على الرغم من اللغط الكبير الذي صاحب ذلك من خصومه و اتهامه بأنه لا يحمل الجنسية الليبية كونه تحصل على الجنسية الألمانية التي لم يتنازل عنها و ظلت هذه التهمة تلاحقه منذ البداية حتى ان مختطفيه وبحسب تصريحه أول سؤال سألوه له هل أنت ليبي أم ألماني؟ و إن أنكر الرجل ذلك مرارا لكن رحيله إلى ألمانيا بعد الإطاحة بحكومته سيعزز ما روجه عنه خصومه كثيرا. بدا زيدان في أيامه الأولى قوياً حازما و أبدى صلابة في أول لقاء له مع عدد من قادة الثوار فتفاءل الليبيون خيرا به .لكن الأمور سرعان ما تغيرت و يرى مراقبو ن أن ذلك بدأ منذ اختطاف مدير مكتب زيدان و قريبه ففهم الرجل الرسالة و دخل في لعبة التوازنات بينه و الكتل المتمترسة داخل المؤتمر الوطني خاصة الكتلة الإسلامية ومن يدور في فلكها التي لم تتوقف عن محاربته بحسب ما يردده زيدان في كل مناسبة. فضيحة الرشوة تكررت جولات الصراع بين زيدان و بين الإسلاميين داخل المؤتمر الوطني. إلا أن بعض الجولات في الفترة الأخيرة كانت في صالح الإسلاميين ، خاصةً الخطأ الفادح الذي ارتكبه رئيس الحكومة السابق بدفع مبالغ كرشوة للمسلحين المسيطرين على موانيء النفط . و حين فضحه أمام الشاشات هؤلاء المسلحون ارتبك واختلق مبررات كثيرة لم يكن أي منها مقنعا و تردد حينها أن الذين قبضوا على زيدان هم جهاز مكافحو الجريمة بسبب تهمة دفع رشاوى للمسلحين من المال العام ، إلا أن الرواية سرعان ما تغيرت و انقلبت. كان السيد زيدان يحاول من آن لآخر أن يرد لكمات الإسلاميين ومن يدور في فلكهم ، كان يفلح أحيانا في تفادي بعض اللكمات بطرق أصبح الشارع الليبي يرفضها منها إقدامه على دفع ما يقارب 900 مليون دينار لكتائب غير شرعية . واحتسبت هذه أيضا من أخطائه القاتلة. هرب زيدان للأمام و صعد موقفه العدائي من الإسلاميين الذين استنكروا ما قام به المشير السيسي في مصر و اعتبروه انقلابا و عملا ضد الشرعية ، فسارع إلى القاهرة و التقى المشير السيسي و التقط الصور التذكارية معه . كان ذلك تصعيدا خطيرا من زيدان ضد خصومه لم يحسب عاقبته ،خاصة ً أن هناك أصواتاً بأت في الظهور من داخل كلة التحالف التي منحته أصواتها تتهمه بالتسلط بالقرار و خرج وزراء يرددون الكلام نفسه .و ذهب خصومه إلى أبعد من ذلك حين اتهموه بأنا يستقوى بالغرب ضدهم مستغلا علاقاته السابقة ببعض الدوائر الغربية . لم يتوقف الصراع و لم تتوقف محاولات كل طرف الإطاحة بالخصم.على الرغم من خروج الشارع الليبي بأعداد كبيرة ضد المؤتمر الوطني و اعتباره مؤتمرا منتهي الصلاحية بعد 7 شباط / فبراير ، حتى وصل الأمر إلى اقتحام مقر المؤتمر في العاصمة الليبية طرابلس و طرد الأعضاء و الاعتداء بالضرب على بعضهم ،و بدت الأمور و كأنها تمضي في صالح زيدان و ضد المؤتمر و الإسلاميين ، إلا أن خصوم زيدان كانوا أكثر دربة منه و أكثر حنكة سياسية و لم يستطع الدبلوماسي المحنك الذي عاش أكثر من نصف عمره بين الألمان و احتك بالآلة الألمانية المتفردة صديق اليهودي الفرنسي المطلع على خبايا السياسة الدولية و ذي الشبكة العنكبوتية من العلاقات مع رؤساء و مخابرات و مؤسسات عالمية،لم يستطع زيدان أن يصمد طويلاً و إن بدا متماسكا في بعض الجولات ،لكن الفوز كان حليف خصومه ليس بعدد الجولات بل بالقاضية التي قصمت ظهره حين بدا عاجزا عن فعل أي شيء حيال انتهاك ناقلة كورية للمياه الإقليمية لبلاده. في خضم الأحداث الجسام التي تكاد تعصف بالبلاد لم يغفل الخصوم عن خصمه زيدان و دبروا له مكيدة داخل أروقة المؤتمر جعلت بعض الأعضاء يخرجون و يصرخون لقد تم تزوير إرادتنا و التصويت على سحب الثقة من الحكومة ليس قانونيا . انتهى علي زيدان لم يستطع الغرب و لا الأمريكان الذين حرص على زيارتهم و التفاخر بعلاقاته المتميزة معهم لم يستطيعوا أن ينقذوه، إلا بمنحه ربما فرصة الهروب من مذكرة اعتقال كانت جاهزة لإلقائه في السجن ليكون عبرة لكل من يتجرأ على مجابهة خصوم بكل هذه الإمكانات المرئية و غير المرئية.