إذا كان من فضيلة سياسية تحسب لحركة 20 فبراير المغربية فهي أنها سرعت بالإصلاحات المؤسساتية غير المسبوقة التي أعلنها العاهل المغربي الملك محمد السادس، وفاجأ بها الرأي العام في الداخل والخارج وكذا الطبقة الحزبية التي طالما نادت بإصلاحات محتشمة وتدريجية في منظومة الحكم بالمغرب، فإذا بالملك يتجاوز بمسافات ما ناضلت من أجله عقودا من الزمن في ظل والده الملك الراحل؛ ما يعني بكل بساطة وموضوعية أيضا، أن ملك المغرب كان يفكر في تلك الإصلاحات الهامة ومنشغلا بها منذ توليه الحكم، بدليل القرارات الجريئة التي اتخذها منذ ارتقائه العرش ولم ينتبه إليها بل لم يصدقها إلا قليلون، وأنكر مغزاها ودلالتها كثيرون لم يتخلصوا من رواسب تفكير الماضي. لم تشكل حركة 20 فبراير، وهي صدى واستنساخ، بصورة من الصور، لما حدث في تونس ومصر خلال تلك الشهور الأولى العصيبة من العام 2011؛ تهديدا للنظام والاستقرار في المغرب في أية لحظة. لم تكن البلاد ببساطة منغلقة على نفسها،على غرار، ما كانت عليه الحال والأوضاع في تونس ومصر. في البلد الأول بلغت عبادة الشخص وانسداد الأفق مداها، وفي الثانية استشرى الفساد السياسي والاقتصادي وأصبح نظام حسني مبارك، لمن عرف ومن لم يعرف، في ذلك الوقت، مشرعا على كافة الاحتمالات الدراماتيكية. ولم يكن المغرب بطبيعة الحال مشابها للنظامين السابقين، اللذين سهل الانقضاض عليهما من طرف قوى غامضة خرجت من كهوف في الداخل مدعومة من الخارج لأسباب ما تزال غامضة ستكشف عنها الوثائق التاريخية حينما يرفع السر عنها، بعد استيفاء أجال الأقدمية. الحركة التي رفعت شعارات رومانسية وشبابية في عدد من ساحات المدن المغربية، عبرت في بعدها المثالي عن توق الشباب المغربي إلى الإصلاح والعدالة الاجتماعية، متأثرين ومنفعلين بالأفكار والمشاعر التي يتداولونها في أندية التواصل الاجتماعي؛ وذلك حقهم الطبيعي مثلما صدحت الأجيال التي سبقتهم بما بدا لها في حينه فكرا تقدميا منسجما مع العصر والحراك السياسي الذي ساد مشرقا ومغربا. اليوم الموافق لاسم الحركة الشبابية، ينسحب هادئا، لا تكسر سكينته سوى أصوات هنا أو هناك يشدها الحنين الجارف إلى الماضي الثوري. لم يبق لها من وسيلة تسلي بها النفس سوى البكاء على الأطلال. لقيت حركة 20 فبراير، نفس المصير الذي آلت إليه نظيراتها، فيما يسمى "بالربيع العربي" كونها اتسمت بالعفوية والتلقائية بل العذرية السياسية، لذلك سهل الانقضاض عليها من طرف الفئات المدربة على الدجل والرياء السياسي والقدرة على حشد الأنصار وجرهم إلى الشارع ليشعلوا نار الاحتجاج، ومؤججو الفتنة يتفرجون على المشهد ويحسبون كيف سيصرفونه في بورصة العمل السياسي. لو لم تلتف حول الحركة التنظيمات الإسلامية واليساريون الجذريون والعاطلون عن العمل والفوضويون وأصحاب الهوى الانفصالي والعرقي، مضافا إلى كل ذلك شباب بعض الأحزاب الغاضب على عجز قياداتهم، لولا ذلك الحطب المستجلب من غابات مختلفة، لما اندلعت تلك النيران في شوارع بعض المدن المغربية. وحينما فكت الحركات الداعمة لشباب الحركة ارتباطها بهم لأسباب سيجلوها الزمن، وجد الفتيان أنفسهم بدون غطاء أو حاضن، فولوا الأدبار نحو بيوتهم بل إن بعض رموزهم انتكسوا إلى الوراء حتى حسب البعض أنهم كانوا مدسوسين في الحركة. ليس المغرب بلدا جامدا، ولم يكن نزول الشباب إلى الشارع، حاملين شعارات الإصلاح، أمرا مستغربا أو مثيرا، بل إن الطلاب والتلاميذ المغاربة، ظلوا إلى وقت قريب القوة الحاضرة في المشهد السياسي والاجتماعي بالمغرب؛ تطورت وتقوت مع انتشار الوعي والتعليم وفتح جامعات في عدد من الجهات. وحينما جاءت حركة 20 فبراير، انقسمت الآراء والأحكام بشأنها. هناك من رآها استمرارا وتجديدا للحراك الطلابي الذي ميز العقود الماضية، مع فارق أن 20 فبراير، استفادت من منجزات العصر التكنولوجية التي سهل سبل التواصل واستقدام الأنصار والاستفادة من خبرات الغير. وفي المقابل نظر إليها آخرون على أنها ثورة هلامية، مستنسخة عن أوضاع لا تشبه المغرب في شيء إلا في السطح؛ وبالتالي فقد توقعوا موتها بسرعة وشككوا في مصداقية ونجاعة أي ثورة لا تستند على الفكر والممارسة الناضجة وتفتقد التحالفات المجدية. وإذ نقف الآن على مسافة زمنية قصيرة،عما حدث، قبل ثلاث سنوات يصح القول بمعنى من المعاني أن الطرفين: المرحبين والمنتقدين، كانوا على صواب نسبي. وعلى نفس المنوال نعتقد أنه لا ينبغي بحال من الأحوال "شيطنة" "الحركة" واتهامها بما لم تكن قادرة عليه، وفي نفس الوقت يلزم تجنب الإفراط في كيل المدائح لها وإحاطتها بطقوس القداسة الثورية؛ فما انفكت كتابات تربط، بتعسف، بين الحركة وما تم في المغرب من ثورة هادئة. هو تفكير ميكانيكي بل منافق، تحركه في الغالب أحقاد وثأر سياسي، وفي أحسن الأحوال نوايا طيبة غير قادرة على التمييز بين الحلال والحرام. ليس من العدل كذلك تجريد الحركة، من كل الفضائل، فقد عبرت عن بعض القيم الراسخة في المجتمع المغربي، يعكسها الصبر على المكروه السياسي إلى أن يأتي الفرج في وقته بأقل قدر من الخسائر والتضحيات. انتبهت النخب المعرفية والسياسية والحقوقية إلى جملة الأعطاب التي تعوق انطلاقة المغرب نحو مراتب التقدم والازدهار، فراجعت اساليب تفكيرها وطرق تعاملها مع الواقع وفهمها له، ما افرز حركية فكرية غير مسبوقة ونقاشا عارما وجرأة في الجهر بالرأي واقتراح الحلول، والحركية ما زالت مستمرة ولم تفصح عن كل مفاجآتها. أكيد أن الشباب الصادقين الذين التقوا على غير موعد يوم 20 فبراير عام 2011، يقومون من جانبهم بمراجعاتهم ونقدهم الذاتي. فيهم من أكمل تعليمه الثانوي وولج الجامعة، وفيهم من تخرج منها ووجد شغلا وأسس أسرة؛ وبينهم من يكدون ويجتهدون في التحصيل إلى يومنا هذا. كانت حركة 20 فبراير، عبارة عن مسلسل غزل سياسي جارف، تسابق أبطاله نحو معشوقة سراب، تتوارى عن الانظار بسرعة كلما أحست باقتراب العشاق منها وتزاحمهم على الظفر بها. استمتع المغاربة بالمشاهدة وربما صدقوا في لحظة أنهم يعيشون أحداث قصة واقعية. كذلك هي الثورات في كل زمان ومكان، تحول الأحلام إلى واقع. فإما أن تنتصر او تستخلص منها العبر. وكذلك "عشرون فبراير". عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.