لم يكن المتظاهرون الغاضبون يتصورون في أي حلم من أحلامهم أن مظاهراتهم التي أصبحت اعتيادية سوف تؤدي إلي تنحي الرئيس حسني مبارك، ويوم 25 يناير كان أهم مطلب اقالة حبيب العادلي وزير الداخلية وعلي أقصي تقدير اقالة حكومة أحمد نظيف تلك الحكومة التي وصفت بأنها حكومة رجال الأعمال والبيزنس. ولكن أمام بطء مبارك العجوز في اتخاذ القرار وأستهتار الدائرة المقربة منه بتلك المظاهرات، ارتفعت الحناجر تطالب بتنحي مبارك عن سدة الحكم. أصيب النظام وقتها بالسكتة فقد كانت الثورة أكبر من قدرة اعصابه علي الاحتمال وكانت المفاجأة أن الحاكم المستبد الذي أمسك بمقاليد الدولة لمدة ثلاثين عاما انهار أمام مظاهرات 18 يوما فقط، تلك المفاجأة التي أذهلت دوائر الحكم وصنع القرار في مصر والعالم.ومنذ اللحظة الاولي للمظاهرات المليونية في شوارع مصر وميادينها كانت الأهرام في قلب هذا الحدث التاريخي حيث قامت بتجنيد كتيبة من الشباب لمتابعته فكان ملحق «شباب التحرير» الذى صدر بعيدا عن أي انحيازات غير نبض الشارع. فالأهرام دائما لاتنحاز إلا إلي هذا الشعب وتلك الدولة مهما كانت درجة قربها من الحاكم فهي في النهاية مؤسسة الشعب، وليست مؤسسة أي فرد أو حاكم مهما كان، ولعل ذلك ما كتب لها البقاء وسط عواصف وأنواء التقلبات السياسية التي شهدتها مصر ورصدتها الاهرام بدقة حتي أصبحت عن حق ديوان الحياة المعاصرة والمعبر عن الدولة المصرية ونبض الشعب وليس أي أحد آخر. ما الذى كان يحدث فى قصر الرئاسة قبل تنحى مبارك ، وكيف أدار الرئيس الأسبق ونجله معركة ما قبل الرحيل ، ومن ساعدهم فى ذلك ؟ ، وما دور السيدة سوزان مبارك فى هذه المعركة ؟ ، وكيف كان علاء يتابع مصير والده وهو يتهاوى ؟ .. كل هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها مصدر قريب من أسرة الرئيس يكشف خلالها دراما المعركة الأخيرة للأسرة قبل التنحى ، وننقل هنا بعض ما رواه لنا . بدأ الصراع داخل الأسرة الحاكمة منذ عام 1998 بين جناحى علاء وجمال عقب عودة الأخير من لندن واشتد الصراع بعد زواج جمال بخديجة الجمال التى بدأت تتعلم من الهانم كل شيء حتى طريقة المشى ، وكيف لا وهى تجهز نفسها لتكون السيدة الأولى ، علاء وزوجته هايدى وأصدقائه من أهل البزنس يكرهون السياسة ودهاليزها، وكان علاء كثير التوجس من تصرفات جمال وأصدقاءه بالرغم من انشغاله بالبزنس الخاص به وبالشراكة مع والد هايدى وكان دائم الكلام بهذا الشأن مع والده ووالدته ، لكن سوزان كانت تدافع عن جمال فى كل خطاياه . ويؤكد المصدر : لقد أعلن مبارك عن نيته الأكيدة فى ترك السلطة ثلاث مرات أولها عام 2000 بعد وعكة صحية المت به وعولج منها فى المانيا ، والثانية عام 2005 عقب تعديل المادة 76 من الدستور، وبعد أن عاد لتوه من علاج وعكة صحية ثانية والثالثة عقب وفاة حفيده محمد علاء 2010 متأثرا بالحزن عليه ، لكن فى الثلاث مرات كانت ضغوط الهانم حازمة فى تأجيل التنحى حتى تنضح ثمرة التوريث كما خططت لاتمامها فى سبتمبر 2011. ويروى المصدر قائلا : منذ اندلاع أحداث تونس أصبح مبارك عصبى وغير محتمل ، وسوزان منكسرة وعلاء الشاعرى الرومانسى لم يعد كذلك و جمال كان قاسى القلب كالعادة يمارس دورالرئيس بغرور، وبتعليمات من الحرس الجمهورى فى 16 يناير 2011 انتقلت الأسرة كلها مبارك وزوجته وعلاء وزوجته وجمال وزوجته وأولادهما للاقامة فى قصر العروبة تحت حماية الحرس الجمهورى حيث ترك علاء قصره فى القطامية وترك جمال شقة الزمالك ، وفى هذا اليوم رفض مبارك استقبال بن على فى مصر فذهب الى السعودية ، وأنشئ بالرئاسة غرفة عمليات من الأجهزة الأمنية أشرف عليها الرئيس وكان يقودها عمليا جمالوفي24 يناير بدا جمال فى هذا اليوم بمسحة اضطراب غير معهودة ومرتبك خوفا من تحركات شباب الأنترنت لعمل مظاهرات ، وبدا الخوف يسيطر على الهانم ، وفى 25 يناير كثرت التحركات من المستشارين ورئيس المكتب لكن عندما انتصف النهار دبت حركة مرتبكة و لم تكن الأسرة تتوقع فى أسوأ كوابيسها أن تكون الاحتجاجات بهذه الكثافة ، وفى يوم 26 ينايروصف زكريا عزمى ما يحدث بأنه تفاهات وتم عزل الرئيس تماما عن وسائل الاعلام بأمر من الهانم وجمال وزكريا عزمى بحجة أن مزاجه غير رائق وحفاظا على صحة الرئيس واستمر ذلك حتى يوم 28 يناير، وعلمت أن غرفة العمليات بقيادة جمال أصدرت تعليمات لرئيس الحكومة ولوزير الاتصالات بقطع الأنترنت والأتصالات فى أنحاء الجمهورية ولم يعلم مبارك عن هذا الأمر شيئا ، وقد سيطر الخوف على جميع ساكنى القصر الذين لم يتعودوا رؤية المظاهرات، وجمال لم يستطع أن يخفى ما يحدث لكنه – كالعادة - لم يقل كل شيء حتى لا يوبخه والده ولا يظهر بمظهر الفاشل ، والأحداث كانت أكبر منه ، وفى هذا اليوم أصدر مبارك أوامره بأن يكون فى الصورة فى كل شيئ لكن مسلسل تجاهله استمر خاصة من قبل جمال والهانم وزكريا عزمى الذين حاولوا اخفاء الكثير من الحقائق عنه وأبعدوه عن وسائل الاعلام وعن كثير من التقارير الأمنية . ولقد صاغ عماد أديب أول خطابات الرئيس أثناء هذه الأحداث الذى أقال فيه الحكومة و عين عمر سليمان نائبا و قدم كثيرا من التنازلات ، ولأول مرة فى هذا اليوم أصبح علاء داخل اللعبة لكن كمراقب و مستاء من جمال و مجموعته خاصة أنس الفقى وأحمد عز الذين رفضوا الخطاب وأرادوا قتل المتظاهرين لكن علاء و مبارك رفضا بشدة وسمعت من مصدرأمنى بالرئاسة أن العادلى أمر بأطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين لكن مديرالأمن المركزى رفض ، وأن الذى استخدم الرصاص الحى هم ضباط الأقسام وبعض المرتزقة من بين المتظاهرين ويضيف المصدر : سمعت أحد رجال الأمن يقول لجمال أن عناصرمسلحة وقناصة من حماس وحزب الله دخلت الى القاهرة وعددا من المحافظات بالتنسيق مع الاخوان من خلال الأنفاق مع غزة ، وبعد ذلك سمعت جمال يقول موافق على هذا الخطاب شاتما (حتى أتمكن من ولاد س د ) وأول مره نسمع جمال يشتم أمامنا بهذه الطريقة السوقية . وفى 29 يناير وبالرغم من تعيين عمر سليمان نائبا و اقالة وزارة أحمد نظيف ، وبسبب حدة المظاهرات سمعت عن مخطط يدبره العادلى وصفوت الشريف باستخدام (البلطجية) لطرد المتظاهرين من التحرير، لكن علاء صدم مما سمع و تكلم مع جمال بهذا الشأن الذى قال له نحن نعرف مصلحة البلد ، فأشعلت الكلمة حمم بركان علاء الهاديء وأصرعلى رفض ما يحدث وكان له ما أراد حيث رفض الرئيس وبشدة هذا المخطط . وفى يوم 1 فبراير خرجت فعلا مظاهرات مليونية وجاء للرئاسة خطاب كتبه مكرم محمد أحمد ، و رأيتهم - حتى الرئيس - يتعاملون معه بأهتمام بالغ والمحاورات تجرى بين علاء و جمال وأنس يتكلم ود زكريا مازال مشدوها من الصدمة والهانم ثائرة لأنه يلوح فى الأفق فشل سيناريو تمريرالكرسى لجمال . يقول المصدر : سمعت الخطاب فبكيت و تأثرت وكان لهذا الخطاب أثره يوم 2 فبراير فى تعاطف كثير من الناس الذين بدأوا ينفضوا من الميادين ، لكنى وجدت الرئيس مبارك غاضبا غضبا لم أره من قبل بسبب موقعة الجمل واصفا اياها بأنها مؤامرة عليه وعلى شرفه العسكرى ، وبدأ فى اجراء اتصالات وكيل الشتائم لكل المسؤلين . وهنا خرج علاء عن طوره و كان فى قمة غضبه بعد ما رأى أخر أمل فى البقاء أضاعه جمال ورفاقه بمنتهى الغباء . ويروى المصدر: فى 4 فبراير جمال يزيد الطين بلة وعلاء على وشك الأنفجار و خديجة مازالت مرعوبة والهانم غير مصدقة والمساعدون مرتبكون و الجيش على الحياد ، وفى يوم 5 فبرايرهز الرئيس وزلزله زلزالا شديدا تقرير فى الجارديان عن ثروة العائلة أنهى على البقية الباقية من المتعاطفين معه، و شهد يوم الخميس 10 فبراير الأنشقاقات الكبرى والتخبط الأعظم ، وبدأت مشاعرالأعياء وقلة النوم فى الظهورعلى الأسرة خاصة مبارك الذى لم يذق طعم النوم ثلاثة أيام متصلة وحتى اليوم وجمال مازال متحكما هو والهانم وزكريا واستمر علاء فى دور المعترض ، وخديجة أصبحت فى حالة نفسية صعبة ، أما رفض الجيش لمبارك و لعمر سليمان أصبح جليا، وعقد المجلس العسكرى الأعلى اجتماعا بدون الرئيس و بدون نائبه عمر سليمان، والذى أصدر بيانه الأول مما أعطى احساسا بالتنحى، وفى الساعات التى سبقت خطاب مبارك الأخير التى سميت دراما الرحيل ، دار صراع بين أجنحة الحكم ، فالخطاب الذى كان من المقرر أن يلقيه مبارك فى هذا اليوم، كان هو خطاب التنحى وقد كتبه السفير سليمان عواد ، وكان مبارك بعد كل هذا عازما على الخروج الليلة فى حماية الجيش وتفويض صلاحياته المدنية لعمر سليمان والعسكرية للجيش ، ووفقا للمعلومات فإن جمال مبارك وأنس الفقى وساندهما فى هذا الموقف فتحى سرور وكاتبى النسخة الثانية من الخطاب عبد اللطيف المناوى والصحفى الشاب رفضوا أن يكون الخطاب هو خطاب التنحى قائلين يكفى أن يشمل الخطاب التركيز على التعديلات الدستورية، و إجراء التحقيقات الخاصة بما حدث من إطلاق ناروبلطجة أدت إلى سقوط شهداء الثورة ، وتخيل الفقى وجمال والمناوى وصديقه أن التركيز على أن الرئيس لن يخضع للإملاءات الخارجية فى ترك الحكم ربما تنقل الجماهير الثائرة إلى رفض التدخل الخارجى فى شؤون مصرومساندة الرئيس . و يسرد المصدر قائلا : صمم علاء مبارك أن يعرف كل شيء بشأن التفاصيل الخاصة بوالده، وعرف بعدها بوجود خطاب مغاير تماما عن الخطاب الأول الذى أعده سليمان عواد وعما يبحث عنه إنقاذاً لوالده، موضحاً أن علاء تطاول على أخيه جمال بمقولات حادة وخشنة مثل (انتوا ضيعتونا.. انتوا نصابين) ولما علم علاء بما استقر عليه شقيقه وأنس الفقى ، انتفض غاضبا ووجه الشتائم لجمال واتهمه بأنه هو السبب فى كل ما جري، وتطور الأمر إلى الاعتداء عليه بالضرب، مصمما على أن يكون خطاب والده هو خطاب التنحى لإنهاء الأمر، وكانت السيدة سوزان قريبة من هذه التفاصيل، خاصة فيما يتعلق بالخلاف المحتدم بين ولديها ، ومع شدة الخلاف تعرضت للإغماء مرتين، لكنها أحجمت عن ترجيح الوجهة التى يجب أن يشملها خطاب (الخميس). وفى هذه الأجواء وعلى وقع الخلاف المحتدم بين جمال وعلاء، صرخ مبارك فى وجه الجميع: (كفاية.. كفاية.. إنتم ضيعتوا شرفى العسكري) وتطاول على جمال ببعض الشتائم بعصبية شديدة، ولم يغمى على الرئيس مرتين أثناء ذلك المشهد كما أشيع ، ولم يكن الدكتور زكريا عزمى رجل القصر القوى ، بعيدا عن هذه التفاصيل، وكان مشغولا بترتيبات ما بعد الرحيل، وتمت فى هذه الفترة تأمين معظم أموال أسرة مبارك فى الخارج فى أماكن أمنة من خلال وسطاء أوربيين . ولم ينفع (كود) التدخل الخارجي، فى اقناع الجماهير الثائرة، فخرجت متوجهة إلى القصر، وصمم الجيش على التمسك بموقفه بعدم التعرض لهذه المظاهرات الزاحفة، ورفض أيضا اقتراحا بنزول الأمن المركزى فى حمايته لمواجهة هدير الثورة ، وهنا احتد علاء على جمال وقال له أنت السبب بخروج أبانا بهذه الطريقة المهينة ، أنت شخص فاشل وعديم المسئولية ، وبعد ذلك بدأ ضغط الجيش على الرئيس وخاصة صباح يوم الجمعة 11 فبراير ، وانضم نائب الرئيس اللواء عمر سليمان إلى صفوف المسؤولين فى الجيش فى وقت متأخرمن الخميس وواجهوا مبارك بإنذار أخير ( تنحى طوعاً أو ستجبرعلى ذلك ) ، ووافق الرجل ثم وهو يكتب قرارالتنحى أراد جمال أن يتدخل فنهره علاء بشدة بل وقام بدفعه بعيدا ولم يكتب مبارك هذا القراروطلب تأمينه للذهاب الى شرم الشيخ أولا وأن يسافر ابنه جمال الى لندن بدون اعتراضه ، فاستجاب الجيش وكانت الأسرة كلها فى حالة يرثى لها . ووفقا للمعلومات تم حسم قرار التنحى مساء الخميس ، بعد المظاهرات التى زحفت إلى قصر العروبة، لكن القرار تم تأجيله إلى يوم الجمعة للنظرواقعيا إلى حجم المظاهرات المتوقعة فى هذا اليوم، ومع صبيحته انتهى الأمر تماما بين أطراف القصر، ورفض مبارك تسجيل الخطاب ، وأحال الأمر إلى عمر سليمان، وقبل الرحيل كانت حرائق كبيرة تشب فى ملفات وأوراق فى القصر بأوامرمن زكريا عزمى ، لا يعرف أحد مدى طبيعتها، وما تحتويه من أسرار، وما إذا كانت خاصة بالعائلة أو بأمور سياسية سارت عليها الدولة طوال ثلاثين عاما مضت من عمر مصر. وقد اجتمع عقب صلاة الجمعة مباشرة المشير حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعمر سليمان نائب الرئيس، والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء وقتها، وصاغوا بيان التنحى الذى قرأه عمر سليمان للرئيس عبر التليفون وقبل مبارك بيان التنحى أو التخلى عن الحكم تليفونياً بعد أن استقر فى شرم الشيخ بدون أى مناقشة، ولم يطلب سوى تعديل كلمة تنحيه الى تخليه، وعرض ثلاثتهم على مبارك السفر خارج مصر لأى بلد يختارها فرفض بشدة قائلا سأدفن فى تراب بلدى الذي دافعت عنه ، فعرضوا عليه حصانة من الملاحقة القضائية فرفض قائلا ليس لدى ما أخفيه أو اتهرب منه ومستعد للمسائلة ، فقد خدمت البلد ستون عاما . و تم تسجيل البيان عصرا بصوت عمر سليمان بعد أن تبين صعوبة إرسال وفد إذاعى فنى لشرم الشيخ لتسجيله بصوت الرئيس السابق، وحمل اللواء إسماعيل عثمان الشريط الذى يتضمن تسجيل إعلان تنحى مبارك أو تخليه عن الحكم إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون فى ماسبيرو، لإذاعته فور تلقيه تعليمات بذلك من المشير شخصياً . وفى الرابعة مساءا سافرت سوزان مبارك على طائرة خاصة متجهة الى شرم الشيخ وقبل ركوبها الطائرة أصيبت بإغماءة مفاجئة فى المطار، واحتاج الأمر لبعض الوقت لإسعافها ، وطلب مبارك تأجيل الإعلان عن هذا القرار بعض الوقت حتى يطمئن على أسرته ووصلت سوزان إلى شرم الشيخ قبيل السادسة مساء وسط حراسة مشددة ، لتصدر الأوامر من قبل المشير إلى اللواء إسماعيل عثمان مدير الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة بإذاعة بيان التنحى الساعة السادسة مساء يوم الجمعة 11 فبراير من التليفزيون .