لم تصدر اية إشارات سياسية كاشفة عن طبيعة المحادثات التي أجراها في مخيمات تندوف (جنوب غربي الجزائر) خلال يومي الأربعاء والخميس الأخيرين، مبعوث الأمين العام إلى الصحراء" كريستوفر روس". ووفقا لما نشرته اجهزة الإعلام التابعة لجبهة البوليساريو، فإن الدبلوماسي الأميركي، عقد لقاءين سياسيين، أولهما مع الفريق المفاوض مع المغرب برعاية الأممالمتحدة، اما الاجتماع الثاني فكان بين "كريستوفر" و محمد عبد العزيز، أمين عام الجبهة، واقتصر على نفس الاشخاص الذين شاركوا في الاجتماع الأول، مع إضافة مساعدين لعبد العزيز، وصفا بأنهما يشتغلان فيما يسمى "رئاسة الجمهورية ". وعلى غرار الاجتماع الأول، لم يصدر ما يفيد بأن زيارة، كريستوفر، حققت تقدما أو أثمرت نتائج مخالفة لما تم إنجازه في الجولات والزيارات السابقة وهي، للعلم "لاشيء" ما جعل الوسيط الأممي يفكر في عرض أفكار جديدة لتقريب شقة الخلاف المتباعدة بين طرفي النزاع أي المغرب وجبهة البوليساريو، مع استبعاد الجزائر وموريتانيا، من حضور جلسات التفاوض المباشر باعتبارهما ملاحظين، ما قد يمكنهما من التقدم في المفاوضات حسب خطة "كريستوفر". ويستنتج من خلال القصاصة الخبرية التي بثتها اليوم وكالة أخبار، البولساريو، فإن عبد العزيز، كرر نفس الكلمات والمقولات التي طالما سمعها منه المبعوثون الأمميون السابقون والذين قبلهم، ومفادها التأكيد على أجراء استفتاء حر ونزيه وشفاف لتقرير مصير الشعب الصحراوي . ما يعني بجلاء أن الأممالمتحدة من خلال ألية الوساطة، التي يقوم بها كريستوفر، تبحث عن الصيغ المرنة الكفيلة بتحريك الملف، بينما تتشبث جبهة البوليساريو، بنفس عبارات القاموس السياسي الذي يعود إلى ما قبل أربعين سنة خلت. وتعكس "البرودة" التي استقبل بها روس سواء في العاصمة الجزائرية أو في مخيمات تندوف، رفضا أو عدم تحمس، ظاهر او مضمر، لخطته، وبالتالي فإن زيارته المقبلة لكل من الرباط ونواكشوط، ستكون محض بروتوكولية لا أقل ولا أكثر، ما دام أي موقف تتخذه الرباط، يعتمد بالدرجة الأولى على مدى تعاون الطرف الآخر أي البوليساريو وحليفتها الجزائر؛ مع فارق وميزة أن المغرب يعرض مشروع الجهوية الموسعة كأرضية قابلة للتطوير والإغناء إلى حد يقربها من نظام الحكم الذاتي الكلاسيكي، في إطار السيادة الوطنية. وباستعراض إجمالي للمواقف المغربية سواء من خلال المباحثات التي جرت مع جبهة البوليساريو،أو تعاطيه الإيجابي مع المساعي التي بذلتها العديد من الأطراف، فالمؤكد إنه وجد تعاطفا وتفهما لدى عدد من القوى السياسية الأجنبية. وفي هذا الإطار تعتبر التعيينات الأخيرة على رأس العمالات والمحفظات الجنوبية إشارة قوية على أن الرباط ماضية في تمكين النخب الصحراوية من تدبير شؤونهم المحلية، دون أي اشتراط في ممثلي السلطة المركزية في الصحراء، سوى خدمة السكان بتفان وإخلاص، وإنجاح مشاريع التنمية في الاقاليم الجنوبية ما يعود بالنفع عليها وعلى البلاد برمتها. هناك احتمال يجب أخذه بعين الاعتبار، وهو أن جولة،كريستوفر، الحالية ربما اقتصرت على الاستماع إلى الملاحظات ووجهات نظر كل طرف، على أن يتولى بعد عودته صياغة الخطة التي يراها مناسبة ويضمن لها مساندة الأممالمتحدة ومجموعة دول أصدقاء الصحراء، ثم يعرضها في صورة خارطة طريق جديدة يدعمها عند الاقتضاء مجلس الأمن، ويلزم الأطراف بتطبيقها. لتكون محاولته الأخيرة التي يقوم بها قبل المغادرة. وعلى أي، فإن الدبلوماسية ذات وجهين إن لم تكن أوجها، فما يطبخ تحت الأرض لا يظهر على سطحها بنفس الصورة التي عليها في المطبخ العميق. وفي هذا السياق صدرت إشارة تهدئة غامضة من الجزائر حيال المغرب، وردت على لسان وزير الخارجية رمطان العمامرة، في حديث، أجرته معه بداية الأسبوع،صحيفة كويتية، تضمن كلاما معتدلا. ومن الصعب التكهن بنوايا الوزير الجزائري، وما إن كان معبرا عن راي متقاسم بين اركان ومفاصل النظام في جارة المغرب الشرقية،أم أن تصريحه المهادن حيال المغرب، لت يتعدى مجاملة الصحيفة الكويتية لا أقل ولا أكثر. هذا إذا لم يعكس الصراعات الداخلية في الجزائر، جراء الوضع الصحي للرئيس والسباق المحموم على الرئاسة بين القوى الفاعلة في منظومة الحكم. ومن هذا المنطلق يجوز اعتبار جولة "روس" الحالية، في المنطقة بمثابة انعطافة هادئة، في مسار نزاع الصحراء، قد يتلوها ما سياتي بعدها.