الأكيد أن الإعلام سلاح قوي يهابه الجميع لا سيما السياسيون، وخاصة في الدول التي لم تعانق بعد الديمقراطية. لذلك كلما اعتلى احدهم السلطة كان أول اهتمامه كيف يخضع الإعلام أو كيف يصنع ما يعبر عنه بالإعلام البديل الذي يكون بمثابة المدافع عن الانجازات الوهمية والمتحدث الرسمي في كل المناسبات. وفي تونس نعيش على وقع هذه الصورة اليوم، فبعد إصرار الإعلاميين على عدم التفريط في عبق الحرية التي حصلوا عليه، تم الإعلان عن ميلاد ما يعبر عنه بالإعلام البديل. ولك أن تتساءل عن مخاض هذا المولود ولماذا نلقبه بالبديل؟ الأمر أن الحزب الحاكم في تونس انتبه إلى انه لا جدوى من سياسة الترهيب فشجع مريديه على التوجه للاستثمار في الإعلام ومن هنا بدأت الرحلة. حيث نجحت في بناء ترسانة إعلامية مرئية نذكرها تباعا قناة ‘المتوسط' التي يشرف عليها نور الدين العويديدي. ولن تجد عناء يذكر في اكتشاف أن القناة التي تعمل تحت غطاء الثورية مخلصة للأجندة النهضوية منذ الوهلة الأولى التي تتابع فيه برامجها وأخبارها. قناة ‘الزيتونة ‘ أولى القنوات النهضوية وهي لصاحبها عضو مجلس شورى الحركة و نجل وزير التعليم العالي أسامة بن سالم.فقناتي ‘القلم' و ‘الإنسان' ذوات التوجه السلفي العلمي المناصر لحركة النهضة والأخيرة يشرف عليها الشيخ بشير بن حسن. والثالثة في طريقها إلى البث و هي قناة ‘الزيتونة هداية' ويملكها صاحب قناة الزيتونة أسامة بن سالم. ثم نجد ‘شبكة تونس الإخبارية'TNN' ‘ولئن حاولت هذه القناة مرارا نفي كل التهم الموجهة إليها بكونها تابعة لحركة النهضة، إلا أن كل العارفين بالمشرفين على تسييرها يقولون أنها قناة نهضوية بامتياز يديرها أحد النهضوين المخلصين وهو المخرج الوثائقي جمال دلالي. وإن كانت تحاول من خلال محتواها الاعتماد على حد ادني من الموضوعية في تناول الأخبار و حتى البرامج الحوارية. وما يمكن أن يلاحظه المشاهد التونسي اليوم أن أغلب هذه القنوات التلفزية ذات ميولات للحزب الحاكم أو بالأحرى ممولة من السلطة لذلك نجدها تدافع بشراسة على ‘الشرعية' دون التفطن لأخلاقيات المهنة والدور الهام للإعلام في هذه المرحلة بالذات.وطبعا تجد الأوفياء من أبناء الحركة وهم يتبجحون بهذه القنوات وهم يطلقون عليها اسم البديل عما يسمونه إعلام العار الذي يستهدف بالنقد الحكومة الحالية. سقوط الترسانة الاعلامية ولكن هذه الترسانة الإعلامية قد سقطت منذ اللحظة الأولى في خندق الاستقلالية التي ينشدها التونسي بعد عهود من هيمنة هذا النمط من الإعلام. المواطن البسيط لم يكن بحاجة إلى الكثير من الوقت ليكتشف ميول هذه المؤسسات الإعلامية دون التعمق في خطابها والانتماءات السياسية للقائمين عليها. ولعل السحر انقلب على الساحر فالحملة الإعلامية الكبيرة التي تقف وراءها صفحات حركة النهضة على مواقع التواصل الاجتماعي في دعمها للمؤسسات الإعلامية السالف ذكرها والإيهام باستقلاليتهم، وتوزيع قصاصات تحت عنوان ‘قنوات الحق'، يظهر فيها شعار و تردد كلّ من ‘شبكة تونس الإخبارية'TNN وقناة ‘المتوسط' وقناة ‘الزيتونة' و قناة ‘الإنسان' و قناة ‘القلم'، ما سواها قنوات الباطل. كانت كلها عوامل رفعت الستار عن الوجه الحقيقي للإعلام البديل كما يحلو لهم تسميته. وطبعا غياب الاستقلالية ووعي المواطن جعلها تخسر رهان النجاعة المنتظرة من أية مؤسسة إعلامية ناشطة. إذ لم تنجح هذه القنوات حتى اليوم في التأثير في الرأي العام المحلي و الدولي.ولم تحقق الحد الأدنى من نسب المشاهدة. قد كشف أخر تقرير لمؤسسة ‘سيغما كونساي' المختصة في استطلاعات الرأي والإحصاء أن هذه الترسانة لم ترتق بعد إلى تطلعات المشاهد التونسي ولم تنجح في تحقيق نسبة مشاهدة تصل إلى 1 بالمائة. حرب مفتوحة بين التلفزات المتابع للمشهد السمعي البصري في تونس يسترعي اهتمامه الحرب الشرسة تخوضها القنوات التلفزية من أجل تقاسم العائدات الاشهارية التي تشكل أحد اكبر سبل استمرارية المؤسسة الإعلامية من عدمها. فيسترعي اهتمامك منذ الوهلة الأولى مشهد غاية في التعقيد والتنوع طبعا التنوع يبقى محل تساؤل ما إذا كان ظاهرة صحية أو العكس ما بين سعي القنوات فيما بينها من اجل كسب رهان الإعلاميين النجوم، وبين تسابق من أجل تقديم منابر حوارية تتحول غالبا إلى حلبة صراع بين مختلف القيادات الحزبية والحكومية وطبعا كل ما احتد الصراع كلما زادت نسبة المشاهدة. زد على ذلك ولادة ما يسمى بالتلفزات الحزبية التي تخوض معركتها بهدوء تارة وبحدة تارة لتجد لنفسها طريقا وسط زحم الكبار. هذه الصورة التي تميز القطاع السمعي البصري اليوم أخذت تدريجيا تتحول من مجرد منافسة روتينية بين وسائل الإعلام بفعل المتغيرات السياسية والمشهد عموما في تونس، إلى حرب مفتوحة لا بين التلفزات فقط بل وبين الفاعلين السياسيين على الساحة اليوم. فنحن ندرك جيدا فعل القنوات التلفزية وقوة تأثيرها مقارنة بالإعلام المسموع والمكتوب لا سيما فيما يتعلق بخلق وتشكيل الرأي العام وأحيانا توجيهه. الاعلام المرئي يقلب موازين القوى السياسية هذا الدور الهام الموكول على ذمة الإعلام المرئي تم استغلاله وفق أجندات خفية ارتبطت بتقلب موازين القوى السياسية ومكوناتها. وطبعا الرهان في نهاية المطاف هو كسب رهان السيطرة على أعلى نسبة مشاهدة وهذه الغاية تبرر العديد من الممارسات التي تتوخاها المحطات التلفزية. على غرار استغلال قناة نسمة الفراغ الذي مرت به قناة التونسية أثناء دخول المنتج سامي الفهري السجن ومحاولاتها المتكررة لاستقطاب الوجوه الإعلامية اللامعة بالقناة ونذكر خاصة جهودها الحثيثة من أجل الفوز بخدمات الإعلاميين معز بن غربية مقدم ومنتج البرنامج السياسي ‘التاسعة مساء' الذي حقق نجاحا هاما خلال الموسم الفارط بتسجيله لنسب مشاهدة عالية، وتمكنه من استضافة أغلب الوجوه السياسية من اليمين إلى اليسار لعل أهمها استضافة الجنرال رشيد عمار التي شكلت حدثا سياسيا وإعلاميا متميزا. ونوفل الورتاني صاحب برنامج و'لاباس′ وما أحدثه ذلك من جدل واسع في الساحة الإعلامية عموما. ولكن هيئة قناة التونسية تداركت الأمر وحافظت على وجوهها المعروفة بل وانضاف إلى رصيد الإعلامي معز بن غربية برنامج'التاسعة سبور'الذي حاز منذ حلقته الأولى على 42 بالمائة من نسبة المشاهدة. وطبعا ليس الإشهار هو السبب الوحيد الذي حمل الساهرين على قناة نسمة على خوض هذه الحرب الفاشلة، بل لأن هذه الأخيرة تواجه تحديا كبيرا بعد أن فقد برنامجها السياسي ‘ناس نسمة' الكثير من بريقه بعد موجة الاستقالات التي طالت الأسماء الكبيرة التي كانت تحقق الإضافة الحقيقية لهذا البرنامج ونعني كل من حمزة البلومي وسفيان بن فرحات في مرحلة أولى سفيان بن حميدة وزياد الهاني ولينا بن مهني ومريم كادة في مرحلة ثانية. زد على ذلك تراجع تأثيرها الإعلامي بسبب مقاطعة بعض الأحزاب السياسية مقاطعة برامجها على غرار حزب حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية. وطبعا لأن استقطاب الضيف المناسب في الوقت المناسب وللحدث المناسب هو أحد أبرز التحديات الكبرى بالنسبة للبرامج الحوارية ولدى تغطيتهم لأي حدث. وطبعا القناة الوطنية ليست بمنأى عن هذا المشهد حيث اختارت ايمان بحرون الرئيسة المديرة العامة للقناة بتزكية من حركة النهضة الزيادة في الوجبات السياسية على شاشة الوطنية في محاولة منها لمجاراة المد الكاسح للقنوات الخاصة لا سيما قناة التونسية. ولكن رغم ارتفاع تكاليف إنتاج هذه البرامج والامتيازات التي تحظى بها القناة الوطنية من حيث طاقمها الصحافي وامتدادها ووحداتها التقنية والإعلامية في مختلف جهات الجمهورية ما قد يؤهلها – طبيعيا- للنجاح بسهولة. ولكن هذا المرفق العمومي لم يصل بعد إلى تحقيق النجاح المطلوب والمنشود، ولم تتجاوز نسبة المشاهدة في مختلف البرامج السياسية التي تعرض خلال الأسبوع عتبة ال25 بالمائة. القناة الوطنية تكسب رهان الاخبار وإن نجحت القناة الوطنية في المقابل في كسب رهان قطاع الأخبار، وتتصدر فيه نسب المشاهدة يوميا وربما يعود ذلك لما لنشرة الثامنة مساء من أهمية بالنسبة للمواطن التونسي الذي تعود على متابعة أخبار الثامنة داخل البيت. طبعا مع ضخامة الطاقم الصحافي العامل في قسم الأخبار الذي يقارب عدده 82 صحافيا زد على ذلك المعدات التقنية العالية الموضوعة على ذمة هذا القسم. وقد يعود هذا النجاح أيضا لعدم وجود منافسين حقيقيين على مستوى قسم الأخبار أمام عدم انطلاق قناة التونسية في تقديم الأخبار،وخروج قناة حنبعل عن دائرة المنافسة وعدم قدرتها على جلب المشاهدين الأمر الذي اثأر استغراب الجميع سيما وأنها أول قناة تلفزيونية خاصة في تونس، واعتماد قناة نسمة اللهجة الدارجة في تقديم الأخبار الأمر الذي لم يتقبله غالبية التونسيين. والحقيقة أن هذا المشهد الإعلامي السالف ذكره يتحرك وفق تداعيات سياسية واقتحام بعض رجالاتها جوهر القرار داخل القنوات التلفزية. والأمثلة عن ذلك كثيرة قد نذكر السياسي سليم الرياحي رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر، الذي توجه نحو الاستثمار في الإعلام بعد فشله في الانتخابات. ولا يخفى على أحد أن اقتحام الرياحي للإعلام وشرائه ذبذبات قناة التونسية ليست فقط من أجل التجارة بقدر ما هي وسيلة جديدة للنجاح في مسيرته السياسية. وهذا التداخل كان السبب الرئيسي في خسارة قناة نسمة للفريق السالف ذكره. ذلك أن هذه القناة ربطت الصلة بعدد من رجال الأعمال الذين سيكون لهم انتماءاتهم السياسية التي ستؤثر في تقرير توجه القناة لاحقا. وكما يتفنن مختلف الفاعلين السياسين في وضع يدهم على القطاع السمعي البصري، سواء بالاستثمار فيه أو بالتعيينات الموالية للتحكم بالأساس في الرأي العام، فان القنوات التلفزيونية تتفنن في المقابل في شد مشاهديها عبر عديد التقنيات. مستثمرون بنمط سمعي بصري جديد كواليس لحروب خفية ومعلنة، هي حرب وجود للبعض، والتي تتطلب ضرورة مجاراة الوضع السياسي والفاعل السياسي للبقاء كعنصر أساسي في المنظومة الإعلامية، وحرب افتكاك موقع للتأثير في المشاهد التونسي على غرار موجة الإعلام البديل. فيما يؤكد بعض المستثمرين الجدد أنهم دخلوا على الخط لفرض نمط سمعي بصري جديد بمواصفات بعيدة عن الأطباق التقليدية التي سادت الساحة سابقا. وتجدر الإشارة أن هذا المشهد بكل عناته خلق حالة من التنافس الحاد بين أربع قنوات – وإن كانت قناة حنبعل تكاد تكون خارج السباق- من أجل تحقيق أعلى نسب مشاهدة. وهي القناة الوطنية، قناة نسمة والتونسية وحنبعل والفوز. وطبع الارقام تعود لمكتب سيغما إذ حصدت القناة الوطنية الأولى أعلى نسبة مشاهدة في النصف الثاني من نوفمبر ب35,9 ‘ تليها قناة نسمة ب 30 ‘ ثم قناة التونسية ب 22,3 ‘ فقناة حنبعل ب 14 ‘.