في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي أعلن رجل الأعمال المصري شفيق جبر في مؤتمر كبير بقاعة أندرو ميلون بواشنطن عن مبادرة لتبادل الخبرات بين الشباب المصري والأميركي وتقديم مشروعات مشتركة لتضييق الفجوة في التواصل بين الشرق والغرب، واليوم يعود شفيق جبر مرة أخرى إلى واشنطن مصطحبا معه عشرين فتاه وشابا من المصريين والأميركيين ليعرضوا خبرتهم وتجاربهم والمشروعات التي خرجوا بها بعد تمضية أسبوعين في مصر وأسبوعين في الولاياتالمتحدة. «الشرق الأوسط» التقت المشتركين في حفل أقامه السفير المصري محمد توفيق قبل عرض تجارب الشباب في مؤتمر كبير على مجموعة من أساتذة الجامعات الأميركية ومنهم البروفسور دانيال شابيرو مدير برنامج المفاوضات الدولية بجامعة هارفارد والدكتور جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأميركي ورؤساء الشركات وكبار الإعلاميين ومنهم توماس فريدمان بصحيفة «نيويورك تايمز». ستة مشروعات قدمها الشباب في إطار برنامج مؤسسة شفيق جبر للحوار بين الشرق والغرب. فبعد اختيار المشاركين من بين مئات المتقدمين للبرنامج، كان الجزء الأول من البرنامج هو زيارة الأميركيين لمصر في يونيو (حزيران) الماضي شملت القاهرةوالإسكندرية والأقصر وأسوان، والجزء الثاني هو زيارة المصريين للولايات المتحدة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الحالي والتي شملت نيويورك وأتلانتا وفيرجينيا وواشنطن. وتعرف الشباب المصري والأميركي خلال الزيارتين على العادات والتقاليد والأديان والسياسات والقانون والفن وتواصلوا مع الشخصيات العامة ووسائل الإعلام. واكتسب الشباب في كلا البلدين فهما أكبر وأعمق للمجتمع الذي يزورونه لأول مرة. أقدمت مؤسسة شفيق جبر على تصميم هذا البرنامج ليس فقط لمعرفة التحديات التي تواجه الشباب في كل من مصر والولاياتالمتحدة، وإنما لإنشاء شبكة من القادة من البلدين الذين يمكنهم التواصل وتقديم صورة بناءة لمعالجة القضايا الوطنية والدولية، لذا كان من شروط البرنامج أن يقوم الشباب من البلدين بتقديم مشروعات مشتركة تهدف لتعميق التواصل والتقارب بين الشرق والغرب. في مشروع «مسافات مشتركة» Shared distance قدم كل من ألكس غولدمارك ونهى عيد محسن ومحمد مبارك وفيراندرا بارتالو مشروعا لشاشات كبيرة توضع أحدها في القاهرة والأخرى في نيويورك (على سبيل المثال) وتعطي فرصة التفاعل المباشر بين المواطنين المصريين من جانب، والمواطنين الأميركيين من جانب آخر. وتقول نهى عيد محسن التي تعمل مصممة غرافيك في جريدة «المصري اليوم» إنها قدمت مع مجموعة العمل هذا المشروع ليعمل كبوابة للاتصالات ويعرض الحياة اليومية للجانبين، حيث يتواصل المصري مع الأميركي ويتبادلان أفلام فيديو حول حياتهم ويعرضونها للآخرين مما يوسع دائرة التأثير لعدد كبير من الأشخاص. وتضيف أن الهدف هو خلق فهم مشترك وبناء جسر للتواصل بين الثقافتين. ويوضح غولدمارك الذي يعمل مذيعا بإحدى شبكات الراديو الأميركية أنه كان يتطلع لمعرفة المزيد عن مصر وعن منطقة الشرق الأوسط وأن برنامج مؤسسة شفيق جبر أعطاه الفرصة لزيارة مصر لأول مرة، واستطاع من خلال الزيارة فهم طبيعة المجتمع المصري والمنطقة بشكل أعمق من مجرد الأخبار التي تتعامل مع المنطقة، إضافة إلى لقاء المسؤولين المصريين وأساتذة الجامعات. وحول مشروع مسافات مشتركة يقول غولدمارك إنه يوفر تفاعلا مباشرا بين المصريين والأميركيين، وعرض آرائهم حول الأخبار والقادة السياسيين والأحداث الجارية. ويقول محمد مبارك الحاصل على ماجستير هندسة معمارية من جامعة كارديف ببريطانيا إن الغربيين لا يعرفون عن مصر ومنطقة الشرق الأوسط إلا أبسط الأشياء لذا فإنه يشعر بالالتزام تجاه تعريف العالم بمصر والثقافة العربية ويأمل أن يحقق بمشروعه مسافات مشتركة هذا التواصل والتعريف. والمشروع الثاني هو تصميم لتطبيقات على الإنترنت كمحرك بحثي يمكن المستخدم من فهم أعمق من خلال تفاعله مع مستخدمين آخرين ويعمل التطبيق على جمع المعلومات المتعلقة بالموضوع الذي يناقشه مستخدمو التطبيق. وشارك فيه مريم إبراهيم وهبة صفوت وجيف والاس وبث يونغ. ويقول جيف والاس إن المشروع يهدف لمساعدة مستخدمي هذا التطبيق لرفع وعيهم حول كيفية تشكيل تصوراتهم حول الموضوع والحصول على كافة الآراء والتحليلات المقدمة من خلال وسائل الإعلام المختلفة. المشروع الثالث الذي قدمه هارون حبيب وعمرو إسماعيل وليزلي لانغ وأحمد ناجي، يهدف لخلق شبكة من العيادات الصحية الصغيرة ووضع حلول عملية للتحديات في مجال الصحة حيث يقوم مديرو المشروع من جامعة كنتاكي الأميركية بتدريب طلبة الطب بجامعة الإسكندرية الذين بدورهم يقومون بتشكيل فريق لإنشاء عيادة تقدم جلسات تعليمية حول الصحة وتقوم بإجراء الفحوص للمرضى. وتجمع تلك العيادات المعلومات حول المؤشرات الصحية الأكثر إلحاحا. ويتعلم المشاركون في المشروع تحليل التحديات الصحية وكيفية تقديم حلول لها من خلال المبادرات الاجتماعية ويتم مقارنة نتائج فريق الطلبة المصريين مع نظرائهم من جامعة بوسطن حول القيمة المضافة التي وفرتها تلك العيادات إلى المرضى وعائلاتهم ومجتمعهم. ومن خلال ذلك يجري تقييم مدى نجاح المشروع. المشروع الرابع يركز على مشروعات الطاقة المتجددة، وقدمه كريتينا فالون ومعتز حسين ومورغان وليامز ويهدف لبناء بنية تحتية قوية للطاقة في مصر. وجمع الخبراء من المصريين والأميركيين لوضع خطة لتطوير الحلول لمشكلة الطاقة. ويعتمد المشروع على استضافة مؤتمرين حول الطاقة يعقد الأول في مارس (آذار) 2014 ويجمع صانعي السياسات والخبراء، ويقدم ورقة عمل حول مشروعات الطاقة المتجددة في مصر، ويقدم المؤتمر الثاني فرصة للخبراء الدوليين لمناقشة مشروعات للطاقة يتشارك فيها القطاعان العام والخاص. أما المشروع الخامس الذي قدمه دانيال سوليفان ومهجة مرسي وبيكا داتون وريم سليمان فيركز على خلق قاعدة بيانية لاستطلاع للرأي على الإنترنت يجري من خلاله استطلاع آراء الأجيال الجديدة من الشباب المصري والأميركي من عمر 24 إلى 35 عاما، لفهم آرائهم حول الأحداث في بلادهم وآمالهم وتصوراتهم لحلول المشاكل التي تواجه بلادهم. ويقوم المشاركون بتقديم ورقة حول نتائج الاستطلاع تشمل الأولويات التي يهتم بها الشباب في كل دولة، ثم يتم بناء موقع على الإنترنت لوضع تلك النتائج وخلق حوار دائم بين الشباب وربطه مع «تويتر» و«هاشتاغ» القضايا الساخنة، والاستمرار في الحوار بين الشرق والغرب. وتقول مهجة أحمد مرسي التي تعمل محامية وتسعى للحصول على درجة الماجستير حول المشكلة القانونية لسد النهضة بين مصر وإثيوبيا إن المشروع يقدم فرصة للتفاعل بين الشباب، ويقدم فيديوهات ومقالات ويستضيف أساتذة وخبراء للحديث عن المشاكل السياسية. وأضافت أنها استفادت من البرنامج في تطوير مهاراتها وتوسيع مداركها حول الولاياتالمتحدة. أما ريم سليمان (بكالوريوس فنون جميلة) فهي العنصر الفني في المجموعة حيث تتمتع بعدة مواهب منها الغناء والتمثيل والرسم وإخراج الأفلام القصيرة، وتبدي اهتماما خاصا بالغناء في الشوارع. وتشير ريم إلى أنها ستنشئ موقعا على الإنترنت يعرض الموسيقى الأميركية التي يتم عزفها في الشوارع وفي محطات المترو، ومثيلاتها في مصر. وتقول: «كنت أرى الولاياتالمتحدة من خلال سياساتها الخارجية فقط، لكن البرنامج وفر لي فرصة للتعرف على الشعب الأميركي وثقافته وزاد من ثقتي في نفسي، واقتناعي بأنني أملك مواهب بنفس مستوى الأميركيين، لكننا لا نعرف كيف نروج لثقافتنا». أما المشروع السادس الذي قدمه أحمد الحبيبي وإليزابيث كارتير وعمرو إسماعيل ودانيال لاندزبرغ رودريغز، فيستند إلى إقبال الناس على الكتب الفكاهية ويقدم شرحا مبسطا وكاريكاتيريا حول أعقد القضايا السياسية مثل شرح مواد الدستور. ويقدم شرحا حول صياغة الدستور الأميركي وشرحا لصياغة الدستور المصري من خلال صور فكاهية حول الجوانب المتشابهة والتحديات والنجاحات في كل بلد. ويقول أحمد الحبيبي (بكالوريوس هندسة قسم عمارة): «إن القصص المصورة والكتب الفكاهية لها شعبية كبيرة في الولاياتالمتحدة وحدثت في مصر بعد ثورة 25 يناير طفرة كبيرة في فن الغرافيتي ولدينا بعض السمات المشتركة، لذا جاءت الفكرة في توضيح القصص وراء كل دستور ونضال المرأة في كل من مصر والولاياتالمتحدة ونفكر في تطوير الفكرة لتكون موقعا على الإنترنت أيضا». وتوضح إليزابيث كارتير التي تعمل باحثة بأحد المراكز البحثية الأميركية أن البرنامج وفر لها فرصة رؤية بلد كانت تكتب عنها تحليلات دون أن تراها وأكدت أنها تعرف اليوم المزيد عن مصر وتاريخها وثقافتها، وتوضح ذلك لزملائها. وترغب كارتير في زيارة بقية بلدان الشرق الأوسط. وتقول: «الأميركيون يريدون معرفة المزيد عن منطقة الشرق الأوسط، ومثل هذه البرامج والمبادرات تجعلنا نفهم بشكل أعمق ونكتب ونحلل من واقع رؤية، وإدراك واقعي». ويؤكد دانيال لاندزبرغ رودريغز الذي يعمل باحثا قانونيا ويكتب مقالات لمجلة «فورين بوليسي» أنه يتمنى أن يرى تكرارا لحركة تمرد المصرية في بلده الأصلي فنزويلا، ويقول: «كنت أقرا التاريخ وأقوم بالتدريس حول مصر، لكن زيارتي لمصر ومقابلتي للمسؤولين والسياسيين والفنانين وشباب حركة تمرد جعلتاني أشعر أنني لم أكن أعرف إلا أقل القليل». وأضاف: «تأثرت بما حققته حركة تمرد من تغيير في مصر وأتمنى أن تولد حركة تمرد في كراكاس» ويوضح أن مشروع التناول الفكاهي للقضايا السياسية هو مجال جديد لتوفير المعلومات بشكل جذاب ومبسط. يقول عمرو إسماعيل، الذي يعمل ناشطا في مجال الحقوق المدنية إن البرنامج هو محاولة لسد الفجوة في الفهم بين المصريين والأميركيين، مشيرا إلى اختلافات تصور الأميركيين عن مصر واختلاف نظرة المصريين للولايات المتحدة. وقال: «وفر لنا البرنامج فرصة للقاء المسؤولين والسياسيين وأعضاء الكونغرس وأساتذة الجامعات في الولاياتالمتحدة، وإجراء نقاشات وعرض رؤيتنا للأحداث السياسية في مصر وتوضيح الصورة الحقيقية للثورة وتطلع المصريين للديمقراطية».