من القذافي الى الدولة الفاشلة. شكراً للولايات المتحدة الأميركية. ماذا تفعل بالضبط هذه الولاياتالمتحدةالأمريكية في بلادنا؟ تحارب الإرهاب أم تعينه؟ فإذا كانت تظن فعلا أنها تحاربه فإنها لم تجد وسيلة أفضل مما تقوم به حالياً لكي تجعل منه المسيطر الفعلي على الارض وعلى البلاد التي تتحول شيئا فشيئا الى دول فاشلة. قبل اسبوعين تماماً قامت ‘مجموعات مسلحة' بخطف رئيس الوزراء الليبي علي زيدان قبل أن تطلق سراحه على خلفية اختطاف ‘مجموعات مسلحة' أخرى ‘غير محددة الهوية' لأبو أنس الليبي. بعد اسبوع تقريباً انفجرت سيارة مفخخة بالقرب من سفارتي السويد وفنلندا. وذلك بعد أسبوع على قيام الروس بإجلاء سفارتهم جراء قيام ‘مجموعات مسلحة' بانتهاك حرمتها الدبلوماسية. ليست المرة الاولى بالطبع التي يجري فيها التعرض لممثليات الدول في ليبيا ما بعد الثورة الديمقراطية التي نجحت في اسقاط الإستبداد. أهم هذه التحرشات كان بلا شك منذ حوالي السنة تعرض السفارة الأميركية نفسها، راعية الثورة، لاعتداء أدى الى مقتل السفير وثلاثة من مساعديه الكبار. الحكومة المركزية وهي كلمة كبيرة جدا في ليبيا اليوم لا تمركز شيئا يذكر بحسب كافة المعلومات القادمة من هناك. الميليشيات القبلية تتحكم هي بكل مفاصل الجغرافيا الليبية. في شباط الماضي اضطرت مثلا الحكومة المركزية وتحت ضغط ‘المجموعات المسلحة' الى نقل اجتماعها من البرلمان الى مكان عام وتحت خيم نصبت خصيصا لعقد الاجتماع الحكومي. أفراد الشرطة والأمن والقضاة وممثلو الدولة وممثلو ‘المجتمع المدني' كلهم عرضة اليوم للإعتداءات. هذه الفوضى- ولا أدري الحقيقة إن كانت خلاقة أم لا ولمن ؟ لم تقتصر على تدهور الحالة الأمنية فحسب بل امتدت لتطال القطاعات الإقتصادية النفطية الجوهرية بالنسبة للبلد. فليبيا التي يحوي باطنها على أكبر مخزون من احتياطيات النفط في افريقيا توقف الاستخراج النفطي فيها بشكل شبه كلي. وبنتيجة هذه الفوضى تم اللجوء، ولأول مرة منذ عقود، الى استيراد المنتجات النفطية لتلبية الاحتياجات الأولية للبلد ولا سيما لتغذية معامل انتاج الكهرباء بالوقود اللازم. طرابلس نفسها مهددة بقطع المياه عنها لا سيما بعد الإعتداء في سبتمبر الماضي على خطوط امدادها بهذه المادة الحيوية. التدهور لم يقتصر إذن على الوضع الأمني فحسب بل هو آخذ بالتمدد الى حقول أخرى لا تقل أهمية. فالبلد الذي كان يستقبل الآلاف من العمال القادمين من الدول العربية وافريقيا للعمل فيه بدأ يتحول الى مصدر لليد العاملة الهاربة من الجحيم. البواخر الغارقة على شواطىء اوروبا تشي بالكثير في هذا المجال. إن طفلا صغيراً يعرف، وبدون جهود جهابذة الجيو-ستارتيجيا، أن اسقاط القذافي في ليبيا، في ظل تمدد الحركات الجهادية في المنطقة، يعني وبشكل آلي فتح صندوق باندورا في شمال أفريقيا وفي دول الساحل. فلماذا قام الغرب بفتح الصندوق وبهذه الطريقة ؟ يقول وزير الداخلية التونسي في تصريح صريح له مؤخرا أن ليبيا اليوم تشكل خزان الجهاديين في كل دول افريقيا الشمالية. يذكر بالمناسبة أن ليبيا وبواسطة ‘الجماعة الليبية المقاتلة' تصدراليوم أيضاً مقاتلين الى سوريا. لماذا تركت فرنسا إذن، هي وحليفتها الولاياتالمتحدةالأميركية، الطوارق والجهاديين التكفيريين يحتلون شمال مالي بهذه السهولة ؟ هل فعلا فاجأ الطوارق والجهاديون الأجهزة الفرنسية التي تعمل ليل نهار في مالي ولأسباب لا يجهلها جاهل؟ إن الدور الذي لعبته ‘الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة' التنظيم الذي يديره بلحاج مع القوى الغربية في اسقاط نظام القذافي لم يعد مجهولا لأحد من المراقبين. وهو دور ينزع كل براءة وعفوية عن الحراك. الملفت في هذا السياق هو التناقض بين ‘القلق' الغربي من التمدد الإسلاموي في شمال أفريقيا وفي بلاد مثل مالي والنيجر والصومال وكينيا وبين هذا التحالف في ليبيا. فكيف يمكن تبرير التحالف هنا والقلق هناك؟ القلق حليف التحالف أحياناً. إن تصاعد الموجة الجهادية والإرهابية في تلك المنطقة لا يمكن أن يكون منعزلا عن الصراع الذي تشهده هذه المنطقة بين الصين والدول الغربية. فالثروات'والمواد الأولية التي تختزنها اثمن وأهم من أن تترك للصدف. لم يغب حتما عن بال الأمريكي النجاح الإقتصادي الكبير الذي سجلته الصين في القارة الافريقية إجمالا. وليس يمكن في هذه الحالة إلا توقع رد فعل معين يتيح للغربيين العودة مباشرة وعسكريا الى منابع ومصادر ما صاروا يعتبرونه ملكهم الشخصي. في عام 2006 عقد الصينيون مؤتمرا للتعاون الإقتصادي حضره اكثر من 45 رئيس دولة افريقية. بعد أقل من شهر على عقد هذا المؤتمر أعلن بوش عن قيام مجموعة ‘افريقوم' للتعاون العسكري بين الولاياتالمتحدة الأميركية ودول افريقيا والتي سرعان ما رأينا تدخلها في ليبيا ومالي بالتحديد. ‘افريقوم' تعمل اليوم في 49 دولة افريقية من أصل 54 دولة افريقية هي عموم دول افريقيا. أضف إلى ذلك عشر قواعد عسكرية دائمة في عشر دول افريقية على أقل تعديل. فإذا عجزت الدول الغربية عن مواجهة الصين والدول الصاعدة في المجال الإقتصادي فإن زندها العسكري وبعض التحالفات ضد الطبيعة هي ما تبقى لها في هذه المواجهة. فيما يستمر الصراع على كافة الجبهات صار من المؤكد اليوم أن الديمقراطية لم تأت الى ليبيا لا على ظهر دبابة الأمريكي ولا على حمار ‘الجماعة الاسلامية المقاتلة'. والمؤكد أن ليبيا كدولة طارت وصارت فاشلة حتى اشعار آخر. لكن إذا صح استخدام الولاياتالمتحدةالأمريكية، في حربها الإقتصادية مع الدول الصاعدة، لورقة الجهاديين في شمالي أفريقيا، وغير شمالها، فهل يمكن ان تكون بمنأى عن استخدام هذه الورقة في المشرق؟ "القدس العربي"