فوت الأداء الصحافي السيئ والفوضوي، على المشاهدين المغاربة في الداخل والخارج، متعة الإصغاء لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، خلال اللقاء غير المباشر الذي بثته القناتان الأولى والثانية، مساء أمس الأحد في ذروة المشاهدة، والذي جمع ثلاثة صحافيين من الصحافة المكتوبة وصحافيين من القناة الأولى والثانية، لاذ أحدهما بالصمت المطبق (جامع كولحسن) وهو يتابع مذهولا، أشواط المبارزة الكلامية غير المسبوقة بين زملائه ورئيس الحكومة؛ وربما قارن في قرارة نفسه بين ما يجري في برنامجه الأسبوعي "مباشرة معكم" من نقاش ساخن، ينجح معده في التحكم في مجرياته في غالب الأحيان، ولو كلفه ذلك مشقة وأزمات صغيرة، تبقى مبررة، كون الحوار الساخن يجري بين أطراف،هم في الأساس فاعلون سياسيون وحقوقيون، تتباين آراؤهم ومواقفهم حيال الشأن العام في المغرب. وبصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف، مع رئيس الحكومة بخصوص ما ورد على لسانه من تبرير ودفاع عن الصيغة المعدلة لحكومته، فإن النقد واللوم يجب أن يوجه إلى أداء بعض الصحافيين المشاركين في اللقاء التواصلي،لما اتسم به، من حدة ونرفزة غير مبررة وما رافقها من تسابق على الكلام ومقاطعة رئيس الحكومة أكثر من مرة وهو يجيب على أسئلة، افتقدت العمق واللباقة والطرح الهادئ مع الإلمام بتعقيدات وملابسات المشهد السياسي في المغرب. وجد النظارة ورئيس الحكومة، أنفسهم أمام أسئلة، لا تعدو في مبناها ومعناها" أن تكون مجرد " نميمة سياسية " وتكرار إشاعات متداولة بين الناس، على نطاق واسع تركزت على فاعلين حزبيين معينين. وما يؤسف له أن "بنكيران "وقع في شرك الأسئلة وانساق بدوره إلى فخ أوقعه في مستوى خطاب ما كان حريا أن يظهر به أمام الرأي العام في الداخل والخارج، في أول ظهور إعلامي له بعد التعديل الحكومي الأخير. ومن المفارقات، أنه في خضم "الفوضى" غير الخلاقة التي هيمنت على أجزاء كبيرة من الحوار، فإن رئيس الحكومة أدلى بأفكار ومعطيات سياسية مثيرة ، لو التقطها المحاورون بذكاء، لكان الحوار زاخرا بالإفادات والتوضيحات السياسية وبالمواجهة المنتجة التي يتطلع إليها الرأي العام المغربي، من رئيس الجهاز التنفيذي. خلف البرنامج انطباعات أغلبها سلبي، لدى النظارة، ما يوضح أن الإعداد له لم يكن جيدا،تم في عجالة، أكدت أن رئيس الحكومة لا يتوفر على فريق مستشارين في الاتصال، مهمتهم ترتيب أي لقاء مع صحافيين مغاربة أو أجانب بحيث يتم الاتفاق المسبق على هندسة اللقاء وأرضيته، وخاصة إذا كان مرئيا ومترقبا، مع توقع السيناريوهات المحتملة والتوترات التي يمكن أن تحدث أثناء النقاش، دون مصادرة حق الصحافيين في مفاجأة محاورهم بأسئلة قد لا يرضى عنها شكلا ولكنه مجبر على الإجابة عنها بما يراه ويعتقد أنه صواب مقنع ؛ ويبقى من حق السائل وضع أسئلة أكثر إحراجا وربما استفزازية، للحصول من رئيس الحكومة أو غيره، على ما يبغيه من معطيات وإشارات ورسائل ينتظرها الرأي العام. وفي جميع الأحوال يجب أن يجري كل ذلك في إطار تعامل مؤدب بين السائل والمسؤول ؛ عكس ما أذهل النظارة مساء أمس الأحد وكأنهم يتفرجون على مباراة غير ودية، غاب عنها الحكم، فخرجت عن آداب الحوار وقواعد الديمقراطية وأخلاقيات مهنة الصحافة. أخطر ما يوحي به الحوار التلفزيوني الأخير مع رئيس الحكومة المغربية، أنه أعطى الانطباع وكأن بنكيران استدرج من طرف جهة غامضة نصبت له كمينا،لتثير أعصابه وتفرج الناس عليه، ما يضعف صورته وإظهاره بالمغلوب على أمره.ولربما انتبه، بكيران، إلى هذه "الحصلة" مقدما أكثر من دليل على أنه يمارس صلاحياته الدستورية كاملة غير منقوصة ولا توجد جهة تملي عليه قرارات لا تنسجم وقناعاته الأخلاقية والسياسية، مشددا على أن التناغم والانسجام تامان وكاملان بينه وبين ملك البلاد. بهذا الخصوص، افلح بنكيران، في تقديم نفسه كرئيس حكومة حازم واع بحدود مسؤولياته وإكراهات المنصب، متقبل للحوار مهما اتسم به من سخونة واشتباك لفظي. ورغم كل المآخذ المهنية المسجلة على الحوار، فإنه، اتسم بالتلقائية والعفوية، يعود الفضل فيهما إلى بنكيران نفسه. إذ لو كان غيره في محله لأوقف "الماتش " في بداياته لتذكير المحاورين أنهم ليسوا عفاريت وتماسيح طالما تحدث عنها في أحاديثه.