أحكمت وزارة الثقافة قبضتها على قطاع نشر الكتاب، كنشاط فكري واقتصادي، حسب ما جاء في مشروع قانون يتعلق بأنشطة وسوق الكتاب، الذي تملك "الخبر" نسخة منه، ويهدف في ظاهره إلى تنظيم القطاع، لكن تفاصيله تبين ممارسة الوزارة سلطتها في الرقابة والضبط وحتى فرض غرامات مالية، خاصة فيما يتعلق بالترخيص لنشر الكتب واستيرادها والسماح بتنظيم النشاطات الثقافية المتعلقة بالكتاب. تمارس وزارة الثقافة مختلف صلاحياتها في الرقابة والضبط، وحتى فرض عقوبات مالية، حسب مشروع قانون يتعلق بأنشطة وسوق الكتاب، من خلال هياكل ينصّ نفس القانون على إنشائها، منها مركز وطني للكتاب ومركز للتقييم ومقر للتفكير ومخبر للدراسة وأداة للاقتراح لتشجيع ودعم سياسة الكتاب. وتستحوذ وزارة الثقافة على جزء كبير من نشاط الكتاب، من خلال "صندوق إعانة ترقية الفنون والآداب وتطويرها "الذي تطمح من خلالها إلى تشجيع الكتابة والإبداع الأدبي ودعم النشر، بالإضافة إلى وضع شبكة للمكتبات تابعة لوزارة الثقافة من المقرر أن تصل إلى 464 مكتبة مطلع العام المقبل. قانون يكرّس احتكار الدولة جاء مشروع القانون الذي يضم خمسة فصول وأربعة أبواب و60 مادة، مبهما في بعض مواده التي اتسمت بالعموم وليس التخصيص، فالمادة السابعة في الباب الأول التي تتحدث عن نشاط النشر، لم تحدد من هو الناشر ولا دفتر الشروط المتعلق بدور النشر. لكن القانون تحدث في المادة التاسعة (9) عن الجوانب التي على الناشر احترامها وجاء فيها "تمارس الأنشطة الخاصة بنشر الكتاب وطبعه وتسويقه في إطار احترام ما يأتي: الدستور وقوانين الجمهورية، الدين الإسلامي والديانات الأخرى، السيادة والوحدة الوطنيتين، متطلبات الأمن والدفاع الوطني، متطلبات النظام العام، كرامة الإنسان والحريات الفردية والجماعية"، وكل هذا في إطار عام، إذ لم تفصل مواد القانون مثلا أي ديانات يجب احترامها هل كل الديانات أو الديانات السماوية فقط وعن أي إطار عام. كما نص المشروع في نفس المادة على "يجب ألا يتضمن الكتاب تمجيدا للاستعمار والإرهاب والجريمة والعنصرية، وينبغي ألا يتضمن الكتاب الموجه للأطفال والمراهقين أي كتابة أو رسم من شأنهما المساس بصحتهم النفسية أو بحساسيتهم". مشروع للتضييق على الحريات فرض القانون إجراءات صارمة احتكرت وزارة الثقافة، من خلالها، كل أنواع النشاط، وأحكمت قبضتها الحديدية على قطاع الكتاب، حيث تؤكد المادة العاشرة في الباب الثاني من القانون على أن "تخضع الأنشطة الخاصة بنشر الكتاب وطبعه وتسويقه لتصريح مسبق لممارسة النشاط لدى الوزارة المكلفة بالوزارة"، وتضيف المادة أنه "تحدد كيفيات تطبيق الفقرة الأولى من هذه المادة عن طريق التنظيم الذي قد يحدد على أي أساس يقدم التصريح، وما هي مدته، وما الإجراءات المتخذة لذلك والأسباب التي تؤدي إلى عدم منح الترخيص ومن هو الناشر الذي نمنح له الترخيص، وهل هو تصريح دائم لممارسة النشاط أو تصريح محدد المدة". ولا تمارس الوزارة رقابتها على النشاط فقط، بل حتى على ممارسة النشاط بعدها، حيث تخضع كل الكتب المستوردة إلى الرقابة المسبقة لوزارة الثقافة. وتنصّ المادة 24 من الفصل الثاني القسم الأول على أنه "يخضع استيراد الكتاب لإيداع قبل التوزيع قائمة العناوين المزمع استيرادها لدى الوزارة المكلفة بالثقافة.. يمكن أن تكون عناوين من القائمة المذكورة أعلاه محل مراقبة المحتوى من طرف المركز الوطني للكتاب". وإثرها يمكن للوزارة أن تمنع توزيع أي كتاب، وفق قرار قابل للطعن، كما جاء في نفس المادة "يمكن أن تتخذ الوزارة المكلفة بالثقافة قرار منع التوزيع بقرار مبرر قابل للطعن". وفصل القانون، من جانب آخر، في الكتاب المدرسي الذي يخضع نشره وطبعه وتسويقه لوزارة التربية، نفس الشيء بالنسبة للكتاب الديني حسب المادة 25 "يخضع استيراد الكتاب الديني لترخيص مسبق من الوزارة المكلفة بالشؤون الدينية". فراغ قانوني واحتكار للمشهد الثقافي ما يُسجل على القانون أنه لم يتطرق إلى قضية شراء الحقوق وإلى أي إجراءات يخضع الكتاب الذي تشتري دور النشر حقوق نشره، ومن أي جهة يأخذ تصريح شراء الحقوق، وهل تتدخل الوزارة في اختيار الكتب التي يمكن لأي دار نشر شراء حقوقها، أو تتدخل بعد أن تشتري دور النشر الحقوق وتطبعها فتتدخل لمنعها، وفي هذا إضرار للناشر، ومزيد من التضييق على الحريات.. ومن هنا فالقانون في شقه الخاص بالاستيراد والنشر يعاني من فراغ. وتحكم وزارة الثقافة، من جانب آخر، قبضتها على المشهد الثقافي المتعلق بالكتاب، حيث تنصّ المادة 45 من الفصل الخامس على ضرورة أن "يخضع تنظيم المهرجانات والصالونات والمعارض والتظاهرات حول الكتاب لترخيص مسبق من الوزارة المكلفة بالثقافة في إطار احترام التشريع والتنظيم المعمول بهما". ويتساءل الكثيرون في هذا المجال كيف لوزارة ثقافة في دولة تنادي بالديمقراطية أن تحتكر النشاط الثقافي وبالتالي تقتل المبادرة الخاصة وتخنق أكثر المشهد الثقافي، وتساءل البعض هل نضطر إلى طلب الترخيص من أجل تقديم كتاب أو بيع بالإهداء. وأورد القانون في بابه الثالث المواد (56،57،58،59،60) مختلف الأحكام الجزائية المترتبة عن مخالفة مواد القانون، أعلاها نتلك المتعلقة بمخالفة أحكام المادة التاسعة، ويترتب عنها عقوبة بغرامة مالية تتراوح بين 500 ألف دينار "50 مليون سنتيم" إلى 1 مليون دينار "مائة مليون سنتيم"، بينما تتراوح الأحكام الباقية من 100 ألف دينار إلى 40 ألف دينار. ويخضع القانون كل الكتب التي تستوردها الممثليات الدبلوماسية المعتمدة والمراكز الثقافية الأجنبية والمنظمات الدولية، لموافقة مسبقة من وزارة الثقافة، حيث جاء في المادة 13 الباب الثاني "تخضع الكتب التي تستوردها الهيئات الأجنبية والممثليات الدبلوماسية المعتمدة والمراكز الثقافية الأجنبية والمنظمات الدولية، والموجهة للجمهور قصد المطالعة، لموافقة مسبقة من الوزارة المكلفة بالثقافة ونفس الشيء ينطبق على الكتب التي تقدم كهبات من طرف نفس الجهات وتقدم طلبات الموافقة المسبقة إلى الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية.