غيبت المنية، مساء أمس الاثنين، بالرباط، السياسي والمؤرخ عبد الكريم الفيلالي، صاحب الكتابات الغزيرة، ضمنها مؤلفه الذائع الصيت "التاريخ المفترى عليه" الذي لم يسلم بدوره من نقد شديد، على خلفية ما ورد فيه من أحكام ومواقف اعتبرها مؤرخون مغاربة، بعيدة عن الصواب والموضوعية. ومن بين الذين تصدوا للرد الموثق على كتاب الفيلالي، المؤرخ الراحل عبد السلام بنسودة. وتميز مسار الفيلالي، بمواقف جمعت بين الصدق والشجاعة والإثارة، ومعاكسة التيار السائد في كثير من الأحيان، لكنها لم تسلم من المبالغة بل قسوة غير مبررة على بعض الشخصيات الفكرية والسياسية المغربية. ولفت الفيلالي، الأنظار إليه في البرلمان الأول الذي عرفه المغرب بعد الانتخابات التشريعية التي جرت عام 1963. حيث فاز ممثلا لدائرة تافيلالت، التي ينحدر منها على قائمة "المحايدين" رافضا الانضمام إلى فريق حزبي في مجلس النواب. وبتلك الصفة اشتهرت تدخلاته الملتهبة في مجلس النواب في مناسبة تقديم أول ملتمس للرقابة بالمغرب، المقدم من طرف حزبي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، ضد الحكومة التي كان يرأسها الراحل أحمد أباحنيني، الذي قضى في أحداث الصخيرات. وفي تدخلاته كبرلماني محايد، تميز خطاب الفيلالي بتوجيه النقد إلى الحكومة والمعارضة على حد سواء في ذلك الوقت. ومن العبارات الشهيرة التي قالها من أعلى منبر مجلس النواب في صيف، 1964 في إطار انتقاده للتبذير المالي للحكومة، أنه يخجل من التصريح بالتعويض الذي يتقاضاه لقاء عضويته في مجلس النواب، بل إنه كشف عن المبلغ في تدخله المبثوث مباشرة على أمواج الإذاعة، وكان في حدود 4 ألاف درهم، بينما يشارف تعويض البرلمانيين حاليا، أربعين ألف درهم. وبعد تجربة البرلمان، بدأ "الفيلالي" رحلة الابتعاد التدريجي عن السياسة، مفضلا التعبير عن موقفه من خلال كتاباته التي أصدرها تباعا في مؤلفات. ويسجل في هذا الصدد مواظبة الراحل على حضور مؤتمرات اتحاد الكتاب في عقد السبعينيات بل إنه كان عضوا فاعلا ومناقشا في لجان المؤتمر، معبرا عن قناعاته بصوته الجهوري القوي واستماتته في الدفاع عن أرائه ومواقفه ولو كانت ضد التيار العام والآراء المتقاسمة بين غالبية الكتاب المؤتمرين، وأكثرهم من الأدباء الشباب. ويمكن القول إن الراحل الفيلالي، كان عصيا على التطويع والتموقع في خانات فكرية وسياسية معينة، بل طبع التمرد مواقفه عموما، لكن الذين عرفوه واحتكوا معه في معارك فكرية، يشهدون للرجل بالصدق والانسجام مع قناعاته، فلم يكن مجاملا أو محابيا بل يصدح بما يأمره به فكره وإيمانه ويمليه عليه ضميره، ولو أغضب الناس. وبرحيله، يفقد المشهد الثقافي المغربي، وجها أثار حوله غبارا كثيفا من الإعجاب والنقد في نفس الوقت، على صعيد المواقف الفكرية والسياسية، بينما اتسم طبعه الشخصي ومسلكه بروح مرحة ولطف في التعامل.