في الوقت الذي كانت فيه دول الجوار الجزائري تشهد اضطرابات وتهاوي أنظمة دكتاتورية، ومظاهرات شعبية مطالبة بالديمقراطية، ودينامية سياسية غير مسبوقة، وتحولات كبيرة على مستوى المشهد السياسي، وتغيرا في موازين القوى، كان الوضع في الجزائر يبدو أكثر هدوءا. فبالرغم من تشابه الأوضاع بينها وبين باقي الدول العربية التي كانت تعرف ما اعتبرته آنذاك العديد من النخب الفكرية والإعلامية والسياسية، "موجة الديمقراطية" التي حلت ببلاد العرب، ولو متأخرة بعض الشيء، تماما مثل ما عرفته عدد من البلدان في شرق أوروبا وحتى غربها وأقطار أمريكا اللاتينية قبل سنوات، ظلت الجزائر "على هامش الربيع العربي" كما قال الصحفي الجزائري أكرم بلقايد، في مقال منشور على موقع جريدة "يومية وهران" الجزائرية الفرانكفونية. بالجزائر أيضا لا يوجد نظام ديمقراطي رغم إقرار تعددية حزبية منذ أواخر الثمانينات لم تستطع كسر احتكار التيار الوطني على المشهد الحزبي ولا ضمان تداول حقيقي على السلطة. كما تسود بالبلاد حالة من عدم الرضى الشعبي على الأوضاع الاجتماعية بين أوساط الكثيرين من أبناء الشعب بالرغم من توفر الجزائر على موارد مالية مهمة من عائدات النفط والغاز، ولا تبدو أوضاع الحريات والحقوق المدنية والسياسية والثقافية في وضع مثالي مقارنة بما قد تصبو إليه النخب المثقفة والأجيال الشابة بالبلاد. مع ذلك، كان الوضع في الجزائر مقارنة بكل ما قطعته دول الجوار من أشواط في طريق التغيير السياسي "وكأن شيئا لم يحدث" كما كتبت قبل أكثر من سنة يومية "لوموند" الفرنسية الشهيرة. فأول "اختبار انتخابي في الجزائر في ظل موجة الربيع العربي أفرزت صناديق الاقتراع "تقريبا نفس نتائج انتخابات 2007"، حيث حافظت جبهة التحرير الوطني "التي تهيمن على المشهد السياسي منذ الاستقلال" على سيطرتها على المجلس الوطني الشعبي مما جعل الجزائر "منيعة عل رياح التغيير التي هبت على العالم العربي". " الجزائريون في غالبيتهم متشككون بخصوص الثورات في تونس ومصر دون نسيان معارضتهم القوية للتدخل العسكري الأجنبي في ليبيا وسوريا"، يقول الصحفي أكرم بلقايد. اليوم، بعد مرور أكثر من سنتين ونصف على بداية الثورات والحراك العربي تخللها نكوص واضح عن مسار الإصلاح وفشل ذريع في تحقيق توافق مجتمعي على قواعد الديمقراطية وعدم قدرة واضحة على بناء مؤسسات قوية وانزياح نحو حرب أهلية مدمرة مما جعل من الربيع خريفا قاحلا، سماته انعدام الأمن وتدهور الاقتصاد وغياب الاستقرار الاجتماعي، أصبحت الجزائر وكأنها عصية أكثر على التغيير السياسي. ما حصل مؤخرا في مصر بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي وما أعقبه من عمليات قتل طالت مناصريه، وشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، مما أدى إلى زيادة الاحتقان داخل البلاد فضلا عن تطورات الوضع في سوريا في ظل احتمال توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، كل هذا "عضد هذا العداء" تجاه الربيع من قبل الجزائريين، وكأن لسان حالهم يقول "الديمقراطية لا تصلح لنا". ويشير كاتب المقال، إلى أن "كل يوم يمر في سوريا وحتى في مصر أو تونس يقوي فكرة أن المطالبة بالتغيير السياسي قد يفتح الطريق أمام اضطرابات خطيرة أو الأخطر من ذلك التدخل الأجنبي الذي ينتظر سوى مثل هذه الفرصة للانقضاض على الجزائر ومواردها". فالإشاعة الرائجة اليوم في البلاد، تقول أن الجزائر "هي المقبلة" على لائحة البلدان التي تسعى الدول الأجنبية إلى التدخل فيها مما يفرض "عدم تغيير الوضع الحالي وبالخصوص عدم محاولة القيام بأي شيء ضده". "في ظل هذه المعادلة تبدو الظرفية الدولية أفضل حليف لحكام الجزائر" الذين يعون جيدا أن "الآثار العميقة للحرب الأهلية" في سنوات التسعينات إضافة إلى "الاضطراب الحاصل في مصر وليبيا ومنطقة الساحل"، تقول "لوموند" كلها عوامل استقرار بالنسبة للنظام حيث يعتبر أنه مهما كان الحكم غير عادل فإن "البحث عن تغيير قد يؤذي إلى اندلاع الفوضى أو نشوب حرب أهلية" أمر مخيف يكتب الصحفي بلقايد. ويرى الكاتب الجزائري ،أن "هذا الوضع قد يطول. ففي هذه الأوقات التي يسود فيها العنف بالقاهرة ودمشق مرورا المنامة وبغداد يبدو الحفاظ على السلم المدني حجة قوية لتبرير الجمود". هذا الجمود قد يجد تمظهراته بالتأكيد على مستوى هرم السلطة والأجهزة الحزبية التي تدور في فلكها، وقد ظهر جليا كيف استمرت الرئاسة الجزائرية على حالها بالرغم من الوضع الصحي المتدهور للرئيس عبد العزيز بوتفليقة دون أن يكون لحكام البلاد النية في اللجوء إلى الدستور لتغيير وضع لا يرضي لا النخب ولا الرأي العام الجزائري الذي تعود مؤخرا على غياب بوتفليقة عن واجهة الأحداث، اللهم بعض الصور التي يبثها التلفزيون الجزائري بين فينة وأخرى للرئيس، وهو يستقبل أحد المسؤولين الكبار للتدليل دون أدنى قدرة على الإقناع على أن القاطن بقصر المرادية بصحة جيدة. مع اندلاع شرارة الربيع العربي الذي يعتبر العديدون أنها بدأت في الجزائر عقب مظاهرات مطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية قبل انتقال العدوى إلى الجارة تونس، كان بإمكان السلطات الجزائرية امتصاص الغضب الشعبي عبر تقديم منح مباشرة للسكان مستفيدة من عائدات البلاد من النفط. غير أن السؤال الذي يطرحه الصحفي أكرم بلقايد، هو ما الذي سيحصل في حال تغير المعادلة البترولية وتراجع احتياط البلاد من العملة الصعبة وهو ما بدأت بوادره تظهر، فهل تبقى الجزائر بعد ذلك بمنأى عن الاضطرابات أو عصية على التغيير السياسي؟