ألقت قوات الأمن فجر أمس القبض على الداعية الإسلامي صفوت حجازي، في واحة سيوة (نحو 500 كيلومتر غرب القاهرة) خلال محاولته الهروب إلى ليبيا، وكان لافتا تهذيبه للحيته وصبغه شعره وارتداؤه الزي البدوي، حيث كان مختبئا بأحد الأماكن بصحبة محام، وذلك بعد أسبوع من فض اعتصامي أنصار الرئيس السابق المنتمي ل«الإخوان» محمد مرسي، في ساحتي رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة. وتحول حجازي من خطيب في المتظاهرين بميدان التحرير، رمز الثورة بالقاهرة إبان «ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011» إلى متهم بتحريض أنصار جماعة الإخوان المسلمين على الإرهاب والعنف في البلاد.. خاصة في الأحداث الدامية الأخيرة التي أوقعت المئات من القتلى والجرحى. ويعد حجازي أحد الموالين لجماعة الإخوان، وساند الرئيس المعزول مرسي خلال ترشحه لانتخابات الرئاسة في الجولة الأولى وجولة الإعادة ضد الفريق أحمد شفيق، ودافع بشدة عن الدستور المعطل الذي أعدته جماعة الإخوان المسلمين، رغم إعلانه أكثر من مرة أنه ليس إخوانيا. لكن مصدرا بجماعة الإخوان المسلمين قال ل«الشرق الأوسط» إن «حجازي كان من القيادات الرئيسية في الجماعة، التي كانت مكلفة بأعمال معينة خلال الفترة الماضية، لكن من دون إعلان أنه من قيادات الجماعة، مثله مثل الداعية محمد حسان». وعرف حجازي بدعمه الشديد للرئيس المعزول، كما تنازل عن خوض انتخابات الرئاسة، مرشحا عن حزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسي للجماعة الإسلامية، لكن مراقبين قالوا إن «الجماعة الإسلامية عقدت صفقة مع جماعة الإخوان لعدم ترشيح حجازي». ومنذ ذلك الوقت وحجازي يخوض معركة قوية لدعم مرسي، مستخدما فيها تصريحات الترغيب حينا والترهيب في أحيان كثيرة، لحشد أكبر عدد من المؤيدين للرئيس السابق، وتحولت هذه التصريحات لتكتسب صبغة وصفها البعض ب«الدموية»، التي تصاعدت حدتها مع دعوة حركة «تمرد» المناوئة ل«الإخوان» لسحب الشرعية من مرسي في 30 يونيو (حزيران) الماضي. وحصل حجازي على ليسانس آداب قسم مساحة وخرائط من جامعة الإسكندرية، وأنجز رسالة الدكتوراه في الدراسات الشرقية من جامعة ديغون بفرنسا بعنوان «الأنبياء والمرسلون». ويوصف أحيانا بأنه ممن جددوا دماء الدعوة السلفية خلال عام الثورة المصرية الأول، خاصة بعدما أعلن أكثر من مرة أنه داعية سلفي، فاقترب من الشباب والفتيات في ميدان التحرير ورصد مشكلاتهم وانشغل بما يشغلهم، ولعب دورا كبيرا في المرحلة الانتقالية إبان حكم المجلس العسكري عقب سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، من خلال عضويته في مجلس أمناء الثورة، وأيضا من خلال خطبه في أيام الجمع أمام ملايين المصريين، كما شارك ضمن دعاة آخرين في الحد من الفتنة الطائفية التي تجددت في مصر بين المسلمين والمسيحيين عقب ثورة 25 يناير. ولد حجازي (51 عاما) في قرية الوراق بمحافظة كفر الشيخ (160 كيلومترا شمال القاهرة)، وهو متزوج ولديه ثلاث بنات وولد. وبدأ رحلته مع العلم مبكرا، حيث نشأ فوجد أباه الشيخ حمودة حجازي الذي تخرج في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، مما كان لهم عظيم الأثر في تربيته ونشأته في بيت مسلم يتردد عليه علماء الأزهر الشريف، وحضر الكثير من مجالس العلم لمشاهير المشايخ في ذلك الوقت، مثل إسماعيل صادق العدوي وإبراهيم عزت ومحمد نجيب المطيعي. وواكب هذه الفترة من حياة صفوت حجازي صحوة إسلامية في الجامعات والشارع المصري ابتداء من عام 1978، وكان ذلك مصاحبا للثورة الإيرانية، وزادت علاقته بأعلام الشخصيات الإسلامية خارج مصر في ذلك الوقت. كما لازم الشيخ الإخواني أحمد المحلاوي بمسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، والمفكر الإسلامي عبد الصبور شاهين بمسجد عمرو بن العاص بالقاهرة، مما أسهم في اطلاعه على هذه التيارات. وفي عام 1998 استطاع حجازي الحصول على الكثير من الإجازات في العديد من العلوم الشرعية، وبدأ في مزاولة نشاطه الدعوي بإلقاء الدروس في أكثر من مسجد، ثم ذاع صيته خاصة بعد إلقاء الدروس الدعوية بمسجد الاستقامة بالجيزة، ليبدأ بعدها في تقديم بعض الحلقات في القنوات التلفزيونية الفضائية. لكن ظهور حجازي المتكرر بشكل يومي على منصة رابعة العدوية (شرق القاهرة) منذ الإطاحة بمرسي في الثالث من الشهر الماضي، كان كفيلا بتحويله من أمين لمجلس أمناء ثورة 25 يناير، إلى عدو للانتفاضة الشعبية الكبرى في 30 يونيو الماضي، ما جعله يواجه لائحة اتهامات، من بينها تكوين تنظيم إرهابي وتعذيب مواطنين سلميين. وكان آخر ما لقب به حجازي «مأذون رابعة»، وقد أطلقه عليه مؤيدو مرسي، حيث كان يقوم بعقد قران شباب «الإخوان» من أعلى منصة رابعة، الذي ظل حريصا على اعتلائها بجانب محمد البلتاجي القيادي ب«الإخوان» المطلوب للعدالة أيضا. ويقول مراقبون إنه رغم أن حجازي أكد في تصريحات سابقة له «أن دماء المصريين غالية سواء كان إسلاميا أو غير إسلامي، ومن يحمل السلاح في وجه أخيه المصري، أو يحرض على قتل مصري فهو خائن لدينه ووطنه وللثورة»، فإنه حاليا متهم بالتحريض على قتل المتظاهرين. ويواجه حجازي اتهامات متعددة، فندها مصدر أمني، ل«الشرق الأوسط»، بالقول إن من بينها تهمة التحريض على اقتحام دار الحرس الجمهوري وقتل ضابط والشروع في قتل آخرين بدعوى تحرير مرسي، ودعوته لمسيرة طريق النصر التي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، وحرض على اشتباكات في منطقة بين السرايات القريبة من جامعة القاهرة بمحافظة الجيزة، وكذا يواجه تهما بالتحريض على القتل، وحرق منشأة حكومية وإتلاف أخرى، واحتجاز مواطنين من دون وجه حق وتعذيبهم في اعتصام رابعة العدوية.. وقال مقربون من حجازي إنه ينفي هذه التهم وإنها ملفقة من السلطات بسب الصراع السياسي، كونه من مؤيدي الرئيس السابق. ومن أشهر عبارات حجازي قوله مهددا مناوئي الرئيس السابق: «من يرش مرسي بالماء نرشه بالدم»، وقوله أيضا إن خروج الإسلاميين من السلطة «دونها الرقاب»، و«إنه سيموت شهيدا.. ولن يهرب من المعركة»، وهي من أكثر العبارات المتشددة التي كررها تعبيرا عن دعمه لمرسي. وألقي القبض على حجازي في أحد الأكمنة التابعة للقوات المسلحة المتمركزة قبل مدخل واحة سيوة التابعة لمحافظة مطروح (غرب البلاد)، وتحديدا قبل مدخل واحة سيوة بنحو 21 كيلومترا. واشتبه الكمين في السيارة، وبعد توقيفها لفحص هوية مستقليها تبين أن حجازي من بينهم. ويقول مراقبون إن «حجازي كان ينوي الانضمام إلى كتائب (الإخوان) الموجودة في ليبيا، ليدير الأحداث في القاهرة من هناك»، مشيرا إلى هشاشة الوضع الأمني في ليبيا خاصة من ناحية الشرق. وظهر حجازي بملامح مختلفة بعد أن صبغ شعره، وحلق ذقنه من الجانبين على الشكل المسمى «دوغلاس»، كما نقص وزنه قليلا، وكان يرتدي الزي البدوي حاملا معه حقيبة بها زي للمنتقبات.