تمسك رئيس الوزراء التونسي علي العريض ببقاء حكومته، متغافلا عن دعوات المعارضة لحلها، في أول خطاب بعد احتجاجات وعصيان مدني أعقب اغتيال النائب اليساري محمد البراهمي. لكن العريض اقترح في المقابل إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وإتمام مشروع الدستور خلال أغسطس (آب) المقبل، على أن يعرض على المجلس التأسيسي في يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) للتصديق عليه. وخلال مؤتمر صحافي عقده بقصر الحكومة بالعاصمة، انتقد العريض بشدة ما سماه ب«محاولة الانقضاض على مؤسسات الدولة واستغلال المأساة الوطنية لاعتبارات شخصية أو حزبية»، من قبل المعارضة. وقال إن العلاقة بين الحكومة والمعارضة «لا يمكن أن تنجح بإعلان العصيان المدني والاعتصام في الشوارع أو عبر العنف والإكراه، بل عبر الحوار المفتوح مع كل الأطراف». وأوضح العريض أن «الشعب عرف مطامع المغامرين والانتهازيين ولن يذهب معهم، ولن يجاريهم في التحريض والدعوة إلى العصيان المدني الذي لن يؤدي إلا إلى الفراغ والعدم». وربط العريض في خطاب مطول بين الاغتيالات السياسية الحاصلة وبين محاربة الإرهاب، وقال إن «المنطقة بأكملها تمر بالكثير من الاضطراب، ويتداول عبر أراضيها الكثير من السلاح». وقال إن الحكومة سخرت الكثير من الكوادر الأمنية المختصة لملاحقة الجماعات الإرهابية وهو ما مكنها من الإعلان بعد 24 ساعة عن اسم منفذ عملية اغتيال محمد البراهمي. وقال العريض إن الحكومة ليست عاجزة عن طلب الحماية من الشعب، وإن بإمكانها إنزال الآلاف إلى الشارع لمجابهة العصيان المدني، لكنها نأت عن هذا الأمر حفاظا على السلم الأهلي وحقنا لدماء التونسيين. وتابع أن الحكومة الحالية ستواصل أداء واجبها، وهي ليست حريصة على البقاء في السلطة، وملتزمة بتوفير ظروف انتخابات حرة ونزيهة عبر توفير كل أشكال المراقبة الدولية التي تضفي عليها المصداقية الضرورية. وفي تقييمه لما جاء في خطاب علي العريض، قال محسن مرزوق القيادي في حركة نداء تونس المعارضة إن الخطاب كان «مخيبا للآمال ولا يبقى منه شيء في الذاكرة» على حد تعبيره. وقال إن أهم نقطة لم يذكرها العريض هي اعترافه الضروري والحاسم بفشل الحكومة، وعوضا عن تقديم استقالته راح يلوح بالتهديد والوعيد. واعتبر مرزوق أن الحوار الذي دعا إليه العريض في هذا الخطاب لا يمكن الذهاب إليه في مثل هذه الظروف. وعن العلاقة المستقبلية بين الحكومة والمعارضة، قال مرزوق إن هذا الخطاب سيدفع البلاد نحو المجهول. وقال إن متابعة مسيرة العريض كوزير للداخلية وكرئيس للحكومة تدعوه إلى الاستقالة، ليس بعد اغتيال محمد البراهمي في الخامس والعشرين من الشهر الحالي بل قبل ذلك بأشهر طويلة. وفي هذا الإطار، دعا حزب التكتل المشارك في الحكومة الائتلافية التونسية التي يقودها حزب النهضة الإسلامي إلى حل الحكومة لتفادي أزمة سياسية متفاقمة. وقالت لبنى الجريبي، القيادية في «التكتل»، إن حزبها دعا لحل الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل أوسع توافق ممكن «وفي حالة رفض (النهضة) لمقترحنا سننسحب من الحكومة». وارتفع أمس عدد النواب المنسحبين من المجلس الوطني التأسيسي في تونس إلى 73 نائبا لينضموا إلى اعتصام مفتوح أمام مقر المجلس للمطالبة بحله. وأعلن كل من صالح شعيب ومحمد علوش، النائبين في المجلس التأسيسي عن حزب الخيار الثالث، انسحابهما، ليرتفع بذلك عدد النواب المنسحبين إلى 73 نائبا من بين 217 العدد الإجمالي للنواب. والانسحابات قد لا تؤدي حتى الآن إلى حل المجلس لكنها ستسهم في تعطيل أعماله. من جهته، حذر نور الدين البحيري، الوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة، في تصريح عقب جلسة طارئة للحكومة أمس، من خطر «الخراب والدمار والتقاتل والعنف» في تونس إذا تم حل المجلس التأسيسي (البرلمان) والحكومة المنبثقة عنه مثلما تطالب المعارضة العلمانية. وقال البحيري، وهو قيادي في حركة النهضة «ما البدائل عن المجلس التأسيسي؟ وما هي البدائل لحكومة منتخبة؟ وما هي البدائل عن صندوق الاقتراع؟ ليس هناك أي بديل إلا الخراب والدمار والتقاتل والعنف». ودعا البحيري المعارضة إلى الحوار قائلا «نحن أحوج ما نكون للوحدة». وأضاف «بالحوار يمكننا أن نحل كل المشاكل المستعصية». وانتقد المظاهرات التي تقودها المعارضة في ولايات عدة قائلا «ما يحدث في الشارع هو نوع من الإرباك للأمن وتعجيز له عن القيام بواجبه». وعقد أعضاء مجلس الأمن القومي في قصر قرطاج الرئاسي، أمس، اجتماعا طارئا، بحضور الرئيس منصف المرزوقي، ورئيس الوزراء علي العريض، بهدف وضع خطط ومقترحات للخروج من الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ اغتيال البراهمي. وكانت أنباء أشارت أمس إلى أن اجتماع الحكومة ستخرج عنه قرارات مهمة، وقال البحيري إن الوزراء رفضوا دعوات الفوضى، قائلا إن كل الآراء التي تم تبادلها أجمعت على رفض الفوضى حقنا لدماء التونسيين وللمحافظة على المسار الديمقراطي «الذي يتحرك ببطء ولكن بثبات نحو تحقيق أهداف الثورة التونسية». وقدم أكثر من طرف سياسي تونسي أمس مبادرات ترمي إلى حلحلة الوضع السياسي المتأزم، من بينها تشكيل هيئة حكماء أو هيئة توافق وطني، وتوالت الاجتماعات الطارئة بين الأحزاب السياسية والمنظمة العمالية ومنظمة الأعراف إلى جانب اجتماع المجلس الوطني للأمن الذي يضم الرؤساء الثلاثة ووزراء الدفاع والداخلية والعدل. وعبر مجلس الوزراء التونسي المنعقد صباح أمس بمقر الحكومة بالعاصمة التونسية عن رفض الدعوات إلى الفوضى وشجب كل الأساليب المؤدية إلى الحكم بالقوة وبغير صناديق الاقتراع. كما دافع المجلس عن الدولة وأكد على أن الحكومة لن تقدم استقالتها مع إمكانية إجراء تعديل على الوزارات التي لم تحقق أهدافها. وفي مقابل ذلك تلتزم الحكومة بتسريع المسار الانتقالي في اتجاه إنهائه في تاريخ 23 أكتوبر المقبل، مع التشديد على أنه عن طريق التوافق يمكن الانتهاء من الدستور في أجل أقصاه منتصف أغسطس المقبل، مع التأكيد على أن ما يحصل الآن لا يمكن توصيفه إلا ب«المحاولة الانقلابية». وبشأن موقف الحكومة من العصيان المدني السلمي الذي دعت إليه المعارضة، قال البحيري إن الوصول إلى السلطة لا يمكن أن يتم إلا عبر الانتخابات «وعلى طالبي الحكم الانتظار قليلا واستكمال العملية الانتقالية التي تعيش ربع ساعتها الأخير». ونفى البحيري خبر استقالة أي من وزراء الحكومة الحالية، وقال إن جميعهم حضروا الاجتماع». وكانت أنباء عن استقالة سالم الأبيض، وزير التربية، قد انتشرت بعيد تعرض محمد البراهمي إلى الاغتيال. في غضون ذلك، دعا عبد الجليل التميمي، مدير مركز التميمي للدراسات والبحوث، إلى تشكيل هيئة وطنية كمجلس حكماء على رأسها مصطفى الفيلالي وأحمد المستيري (قيادات سياسية تاريخية في تونس) وقال ل«الشرق الأوسط» إنها ستمثل حلا مشرفا لكل الأطراف. وأضاف أن مجلس الحكماء ستعهد له دراسة وضع تونس الحالي وتقترح خطة طريق لإنقاذ البلاد. وعدد التميمي أربعة أخطاء على الأقل قال إن الائتلاف الثلاثي الحاكم بقيادة حركة النهضة قد ارتكبتها، أولها عدم الالتزام بموعد السنة لإعداد نص الدستور، وهو ما ترتب عليه تعميق التجاذبات التي أفضت إلى قطيعة كاملة بين المعارضة وقيادة الترويكا ومن ثم الدعوة لإلغاء المجلس التأسيسي وحل الحكومة. أما الخطأ الثاني فهو تنامي الظاهرة السلفية التي ولدت العنف ثم الاغتيال السياسي. أما الخطأ الثالث بحسب التميمي فهو «تغول» وهيمنة الائتلاف الحاكم عبر التعيينات الإدارية في دواليب ومفاصل الدولة. ويتمثل الخطأ الرابع في شطط وتعد في التصريحات غير المنطقية والمرفوضة الداعية حينا إلى العنف وأحيانا أخرى إلى القتل. وطالب محمد الحامدي، رئيس التحالف الديمقراطي المعارض، في ندوة صحافية عقدها أمس بالعاصمة التونسية، باستقالة الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية من شخصيات مستقلة تتوافق بشأنها كل الأطراف السياسية والوطنية تجنب البلاد خطر الانزلاق إلى العنف وتؤمن تواصل المسار الانتقالي والمضي إلى انتخابات حقيقية قبل انتهاء السنة. واقترح تشكيل هيئة توافق وطني مشكلة من رؤساء المنظمات الوطنية ورؤساء الأحزاب تكون سندا لتلك الحكومة وإطارا للتوافق الوطني الملزم للخروج من المأزق الحالي. ودعا كل الأطراف الممثلة في المجلس إلى الالتزام بتحديد أجل أقصاه 23 أكتوبر المقبل لإنهاء أعمال المجلس الوطني التأسيسي وحصرها في المصادقة على الدستور، وطالب بحل روابط حماية الثورة وكل «الميليشيات» مهما كان مأتاها ومحاسبة كل من يمارس العنف والإرهاب. واعتبر الحامدي أن هذه المبادرة من شأنها «إيقاف منطق الصراع المكشوف والاحتراب» بين الفرقاء السياسيين وتخطي المرحلة العصيبة التي مر بها تونس على حد تعبيره. وفي خطوة اعتبرتها وزارة الداخلية حاسمة للتفريق بين المتظاهرين من الجانبين، أغلقت قوات الأمن كل المنافذ المؤدية إلى ساحة باردو المقابلة للمجلس التأسيسي (البرلمان) وطوقت مكان الاعتصام بالأسلاك الشائكة ومنعت مرور كل وسائل النقل. وقالت مصادر أمنية على عين المكان ل«الشرق الأوسط» إن هذا الإجراء اتخذ لتفادي الاحتكاك بين الطرفين، واعتبر أنه الطريقة المثلى لتأمين سلامة كل من مؤيدي الاعتصام وحل المجلس وإسقاط الحكومة من جهة، ومناصري الشرعية ودعم الائتلاف الثلاثي الحاكم من ناحية أخرى.