اكتسب الجيش المصري، يوم أمس، دعماً شعبياً غير مسبوق، بعدما استجابت الملايين لنداء وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بمنح القوات المسلحة «تفويضاً»، أو «أمراً»، بضرب «الإرهاب»، وذلك بعد أكثر ثلاثة أسابيع على عزل الرئيس «الإخواني» محمد مرسي، الذي يواصل مؤيدوه تأجيج التوتر في الشارع، وتعميق الأزمة السياسية في البلاد من خلال رفضهم الانخراط في «خريطة الطريق» التي حددتها «ثورة 30 يوليو»، وفي وقت تشهد فيه شبه جزيرة سيناء انفلاتاً أمنياً غير مسبوق، يتمثل في الهجمات اليومية ضد الجيش والشرطة والمدنيين. وبدا أن التظاهرات المليونية التي عمّت مصر أمس قد استهدفت أيضاً تعزيز صورة «العهد الجديد» المنبثق من «ثورة 30 يوليو» أمام الرأي العام العالمي، في ظل ترويج وسائل الإعلام الغربية، وبعض وسائل الإعلام العربية القريبة من «الإخوان»، لتصوير ما حدث بين الثلاثين من حزيران والثالث من تموز، على أنه «انقلاب عسكري» وليس «ثورة شعبية»، فيما برز تحوّل في الموقف الأميركي، تزامن مع بدء الحشد، حيث أعلن مسؤول في إدارة الرئيس باراك أوباما أن واشنطن لن تتسرع في وصف عزل مرسي بأنه «انقلاب»، مشيراً إلى أن موقفاً كهذا قد يضر بمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة. وكان لافتاً يوم أمس، أن انطلاق تظاهرات «التفويض» للجيش المصري، استبقت بصدور قرار قضائي بحبس مرسي 15 يوماً بعد مواجهته بأدلّة تفيد بتخابره مع حركة حماس لاقتحام السجون وتخريب المرافق العامة خلال «ثورة 25 يناير»، وهي تهمة تجعله يواجه عقوبة الإعدام. تظاهرات التفويض ومع انطلاق أذان المغرب يوم أمس، غصت ميادين مصر وشوارعها الرئيسية بملايين المصريين، الذين لبوا دعوة السيسي، في خطابه يوم الأربعاء الماضي، للتظاهر تعبيراً عن الموافقة على «تفويض» الجيش المصري التعامل مع الإرهاب والعنف. وبدا مشهد تظاهرات «تفويض الجيش» مشابهاً لمشهد «30 يونيو»، حين خرج المصريون في تظاهرات غير مسبوقة في حجمها للمطالبة بإنهاء حكم «الإخوان المسلمين». لكن المختلف في تظاهرات أمس، كان الانتشار الكثيف لصور الفريق أول السيسي في ميادين الثورة المختلفة، في ظاهرة هي الأولى من نوعها. واتسمت تظاهرات «التفويض» بأجواء احتفالية، وشهدت تحليقاً للطوافات العسكرية على ارتفاعات منخفضة فوق الحشود، حيث ألقت أعلاماً مصرية وبطاقات بلون العلم الوطني تضمنت عبارات شكر إلى «الشعب الذي وقف الى جانب جيشه». وكانت الأجواء الاحتفالية تلك في حاجة إلى لمسة رمزية فارقة، ومن هنا جاءت مبادرة الكنائس المصرية الثلاث بدعوة المسيحيين كافة للصيام مع المسلمين، وأن يفطروا سوياً في ميادين الثورة. هذه الدعوة، التي أرادت بها الكنائس المصرية تعبيراً عن تكاتف المجتمع المصري حول أهداف الثورة، وصفها متحدثون باسم جماعة «الإخوان المسلمين» بأنها «تهديد للوحدة الوطنية». لكن الغروب حمل معه المشهد «الرمزي» الدال، فبينما أذان يُرفع من المساجد بدأت أجراس الكنائس تدق في مشهد وصفه الكثيرون بأنه «يحدث للمرة الأولى في تاريخ مصر». وكان قرع أجراس الكنائس إيذانا بانتهاء صيام المسيحيين الذي قررته الكنائس المصرية تحت شعار «من أجل مصر»، لتشهد ميادين الثورة إفطارات جماعية شارك فيها قساوسة وشيوخ من الأزهر. «الإخوان» على المقلب الثاني، واصل آلاف المتظاهرين المؤيدين لمرسي اعتصامهم في تقاطع إشارات رابعة العدوية في مدينة نصر، فيما نظم التحالف الإسلامي الذي تقوده «الإخوان» مسيرات متفرقة في بعض مناطق القاهرة والمدن الرئيسية، بدت ضئيلة بحجمها، خلافاً لما حاولت وسائل الإعلام «الإخوانية» على شبكة الانترنت تصويره. وكان مؤيدو مرسي قد توعّدوا ب«رد مزلزل» على ما يصفونه ب«الانقلاب العسكري» في «جمعة الفرقان»، يوم أمس، والتي اختاروا أن تكون في السابع عشر من رمضان، ذكرى غزوة بدر الكبرى. ومن غير المعروف مصير اعتصامات «الإخوان المسلمين» بعد تظاهرات «تفويض الجيش»، لكنّ مصادر مطلعة أكدت ل«السفير» أن «الجيش سيلجأ إلى أساليب مبتكرة بدءًا من السبت لفض اعتصام الإخوان في رابعة العدوية، من دون أن يشمل ذلك صداماً مباشراً مع المعتصمين». وقال وزير الداخلية محمد إبراهيم إن تظاهرات «الإخوان» ستفض «قريباً»، وذلك بشكل قانوني. وأكد إبراهيم، في تصريحات صحافية أن هناك أخباراً سارة خلال الأيام المقبلة في ما يتعلق بسيناء، مضيفاً «لن نسمح بوجود الإرهاب على أرضنا». من جهته، قال رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور إن تظاهرات الأمس تؤكد أن المصريين أصبحوا في حالة من الوعي السياسي، مشدداً على أن الأيام المقبلة ستشهد انحساراً لأعمال العنف والإرهاب. وتابع، في مداخلة تلفزيونية، «أقول لكل المتواجدين في رابعة وميدان النهضة إن الشعب قال أن لا عودة إلى الوراء ولا تخشوا إطلاقاً من أحد وعودوا إلى بيوتكم وأعمالكم ولن يلاحقكم أحد وهذا تعهد مني شخصياً». ولم يخل يوم امس من مواجهات دامية في القاهرةوالاسكندرية، وإن ظلت محصورة، ومخالفة للتوقعات باندلاع «حرب أهلية» وهو ما دأب المتحدثون باسم التيار الإسلامي على التحذير منه منذ خطاب السيسي في الأكاديمية العسكرية في الاسكندرية يوم الأربعاء الماضي حيث قُتل خمسة أشخاص وأصيب 72 آخرون بجروح في اشتباكات بين مؤيدين لمرسي ومعارضين له في مدينة الاسكندرية، فيما أصيب 16 شخصاً بجروح جراء إطلاق ثلاثة مجهولين الخرطوش على مسيرة متجهة من المرج (شمال القاهرة) الى ميدان التحرير، فيما شهدت منطقة شبرا في القاهرة مناوشات بين مؤيدي مرسي ومعارضيه أدت إلى إصابة نحو 10 أشخاص، واعتقال 15 من مناصري «الإخوان»، فيما أصيب 10 أشخاص في مواجهات مماثلة في دمياط. مرسي وفي تطور آخر، ذكرت وكالة «أنباء الشرق الاوسط» صباح أمس أن قاضي التحقيق حسن سمير أصدر قرارا بحبس الرئيس السابق محمد مرسي لمدة 15 يوما احتياطيا على ذمة التحقيقات الجارية معه بتهم «التخابر مع حركة حماس للقيام بأعمال عدائية في البلاد والهجوم على المنشآت الشرطية والضباط والجنود واقتحام السجون المصرية وتخريب مبانيها وإشعال النيران عمدا في سجن وادي النطرون وتمكين السجناء من الهرب وهروبه شخصيا من السجن» خلال «ثورة 25 يناير». ويتكون ملف القضية، المعروفة إعلامياً باسم «قضية وادي النطرون»، من أربعة آلاف ورقة ومستند عبارة عن قرار إحالة النائب العام لملف القضية إلى قاضي التحقيقات، وحيثيات الحكم الصادر من محكمة مستأنف الإسماعيلية وأدلة الإثبات، وهي عبارة عن 13 أسطوانة مدمجة لبعض مشاهد اقتحام سجن وادي النطرون وطرق الهروب والتلفيات التي لحقت بالسجن والمداخلة الشهيرة لمرسي مع قناة «الجزيرة» في 29 كانون الثاني 2011، والتي أكد فيها هروبه من السجن مع زملائه المساجين. كما يتضمن ملف القضية شهادات عدد من قيادات جهاز المخابرات ووزارة الداخلية وشهادات سرية لضباط جهاز أمن الدولة، فضلا عن تحريات الأمن الوطني، وتحقيقات نيابة الإسماعيلية مع 76 متهماً هارباً من سجن وادي النطرون، و126 صورة فوتوغرافية للتلفيات التي لحقت بالسجن، ويتضمّن أخيرا كشفاً بأسماء الهاربين الجنائيين والسياسيين. واعتبر المتحدث باسم جماعة «الإخوان المسلمين» جهاد الحداد ان الاتهامات الموجهة إلى مرسي «تبدو كأنها انتقام من قبل النظام السابق وتدل على أنه يعود بقوة»، فيما اعتبرت حركة حماس أن القرار يشكل «تطوراً خطيراً يؤكد أن السلطة القائمة في مصر باتت تتنصل من القضايا القومية بل وتتقاطع مع أطراف اخرى للإساءة اليها وفي مقدمتها قضية فلسطين». واشنطن وفي تحوّل لافت في موقف الولاياتالمتحدة، أعلن مسؤول أميركي أن واشنطن لن تتخذ موقفاً بشأن الأحداث في مصر، وما اذا كان عزل الجيش للرئيس محمد مرسي يعد «انقلابا عسكريا»، وذلك تجنبا لوقف مساعدتها العسكرية لهذا البلد. وقال هذا المسؤول ان «القانون لا يشترط علينا أن نحدد رسميا ما اذا كان ما حدث انقلاباً، واتخاذ هذا الموقف ليس في مصلحتنا القومية». يذكر ان الرئيس الأميركي باراك وأوباما كان قد صرح بعد عزل مرسي في الثالث من تموز الحالي أن إدارته «ستبحث التبعات القانونية المتعلقة بمساعدتنا للحكومة المصرية».