هذه أحوال الطقس لهذا اليوم الأحد بالمملكة    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    وزير الخارجية الأمريكي يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    الجيش الباكستاني يعلن مقتل 16 جنديا و8 مسلحين في اشتباكات شمال غرب البلاد    "سبيس إكس" الأمريكية تطلق 30 قمرا صناعيا جديدا إلى الفضاء    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي        تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري            اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تبتعد مصر عن هاوية الحرب الأهلية؟
التحولات التي ستنعكس على كل منطقة الشرق الأوسط الكبير
نشر في العلم يوم 02 - 08 - 2013

ذكرت تقارير مصادر رصد غربية أن القيادات السياسية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وربما غيرها تلقت ليلة الجمعة السبت 26 و 27 يوليو 2013 تقديرات من أجهزتها كانت متطابقة إلى حد كبير عن الأحداث في مصر، مفادها أن الوضع يتجه للحسم لصالح التحالف الذي يضم القوات المسلحة المصرية والقوى المعارضة لحكم حركة الإخوان المسلمين وذراعهم السياسي حزب الحرية والعدالة. نفس الأجهزة الأمنية والاستخبارية الغربية استبعدت فرضية سقوط مصر في هاوية حرب أهلية وتدخلات خارجية كما يجري منذ أكثر من سنتين ونصف في سوريا، مشيرة إلى أن أعمال العنف قد تتواصل في مصر بوتائر متفاوتة الحدة حتى منتصف أو نهاية شهر سبتمبر 2013، وبعدها ستعود الأوضاع إلى الإستقرار، في وقت ستحاول السلطات الجديدة في القاهرة معالجة مشاكل البلاد الاقتصادية والأمنية لتثبت للشعب أن حكم الإخوان كان فاشلا وعاجزا وركز على تحويل الدولة إلى ملكية حزبية.
تقارير لمراكز بحث أو ما يصطلح علي تسميته غربيا بمؤسسات "مخازن العقول" أفادت أن فشل حركة الإخوان في مصر سينعكس على كل حركات الاسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط الكبير، وأنه من أجل تدارك ومنع إنهيار هذا الجناح السياسي في المنطقة العربية يجب عليه أن يسعى للتأقلم مع الوضع الجديد وينبذ العنف ليتجنب حظره عن ممارسة أي نشاط سياسي علني، وبالتالي يمكنه أن يواصل العمل في نطاق القوانين الجاري بها العمل ومتابعة السعي للإمساك بمقاليد الحكم مجددا في الستقبل.
بعض مراكز الأبحاث قدمت مثالا بما حدث في أنقرة عندما أبعد نجم الدين أربكان الذي تولى رئاسة حزب الرفاه ورئاسة وزراء تركيا من الفترة بين 1996 و1997 عن السلطة بعد تسعة أشهر من ممارستها. المحللون ركزوا على فارق أساسي ألا وهو أنه فيما يخص أربكان فإن إبعاده تم على يد الجيش التركي وحده، أما في مصر فإن الإبعاد تم بالجيش أيضا ولكن تحت ضغط غالبية الشعب الذي خرج 32 مليون متظاهر منه يوم 30 يونيو 2013 ثم حوالي 30 مليونا يوم 26 يوليو.
التفويض
كانت تقارير وكالات الأنباء الدولية عن أحداث يوم 26 يوليو متشابهة إلى حد كبير فقالت: لبى ملايين المصريين في كل مدن مصر، دعوة وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي للتظاهر في الشوارع والميادين كتعبير عن الموافقة على "تفويض" الجيش التعامل مع الإرهاب والعنف المحتملين.
وزاد من حماسة متظاهري "التفويض" صدور قرار القضاء المصري بحبس الرئيس المعزول محمد مرسي 15 يوما على ذمة التحقيق لاتهامه بالتخابر مع حركة حماس واقتحام السجون خلال أحداث 25 يناير 2011 والتخابر مع جهات أجنبية من ضمنها المخابرات التركية.
المشهد كان شديد الشبه بمشهد تظاهرات "30 يونيو"، عندما خرج الشعب المصري بالملايين الى الشوارع والميادين يطالبون بانهاء حكم الرئيس مرسي وجماعته للبلاد، ولم يختلف تقريبا الا في تفصيلة واحدة، حيث رفع المتظاهرون وللمرة الاولى، ومنذ اندلاع الثورة المصرية قبل أكثر من عامين صورة شخص ما "الفريق اول السيسي"، بهذه الكثافة الكبيرة، إلى جانب أعلام مصر في ميدان التحرير، وفي ميادين الثورة المختلفة في انحاء مصر، وذلك في ظاهرة هي الاولى من نوعها.
التظاهرات غلبت عليها الهتافات المناوئة للارهاب والمؤيدة للجيش في تحركه ضد "الارهاب"، والمطالبة بمحاكمة مرسي ورموز نظامه.
لم يكن هناك متسع لقدم فى الميدان والشوارع المحيطة به، خصوصاً كوبري قصر النيل.
ورفع المتظاهرون لافتات جديدة مكتوب عليها: "إرادة الشعب فوق الجميع"، "الجيش مفوض للقضاء على الإرهاب"، "الجيش والشعب ضد الإرهاب"، "الشعب يفوض السيسي والجيش في القضاء على الإرهابيين"، "الجيش مكلف بحماية الشعب من الإرهاب"، "مؤيدون للجيش"، "مؤيدون لموقف الجيش والشرطة للقضاء على الإرهاب"... الخ.
وشهد محيط قصر الاتحادية الرئاسي في مصر الجديدة مشهداً مماثلاً، حيث توافد مئات الآلاف من المتظاهرين للمشاركة فى مليونية "لا للإرهاب" لتفويض الجيش والشرطة لمكافحة الإرهاب.
من جهتها تعاونت قوات الجيش مع الشرطة ولجان التأمين الشعبية المنظمة من قبل المتظاهرين في عمليات تأمين الميدان، فقامت قوات الشرطة بنصب الكمائن على الطرق المؤدية إلى الميدان، في حين قامت اللجان الشعبية بدورها المعتاد في تفتيش المتوافدين على الميدان لمنع دخول السلاح والإطلاع على هويات تحقق الشخصية لتجنب تسرب غير المصريين.
طوافات القوات المسلحة المروحية من طراز "اباتشي" حلقت على ارتفاعات منخفظة فوق ميدان التحرير وألقت اعلام مصر على المتظاهرين في بداية التظاهرات، ومع ارتفاع الاعداد ألقت بطاقات بألوان علم مصر، وقد كتبت عليها عبارات شكر موجهة باسم الجيش "الى الشعب الذي وقف الى جانب جيشه".
وفي وقت الافطار امتزجت اجراس الكنائس باصوات الاذان بعد ان اعلنت الكنيسة المصرية صيام المسيحيين تضامنا مع المسلمين تكريسا للوحدة الوطنية ضد التطرف والارهاب، في اشارة الى الجماعات المؤيدة للرئيس المعزول.
خطاب "الشرعية والشريعة"
على الجانب الآخر وفي ميدان رابعة العدوية بالقاهرة حيث أحتشد حوالي 100 الف من مناصري الرئيس السابق مرسي كانت الصورة مختلفة، وقد كتب صحفي عربي:
يتواتر على المنصة في ساحة "رابعة" عشرات المشايخ والداعمين ل "الشرعية والشريعة" اللتين تم استبدالهما ب شعارات كتبت بالانجليزية "مع الديموقوقراطية وضد الانقلاب" لزوم مخاطبة "الغرب الكافر". كل منهم يحاول شد أزر البسطاء المحتشدين الذين تحولت متعة إفطارهم الرمضاني المجمع وسحورهم الليلي الصاخب إلى خوف وهلع في أعقاب "ليلة التفويض". لم يتخيل أحد منهم أن تنزل هذه الجموع الغفيرة ميادين مصر وشوارعها رفضاً ل "رابعة" وما تمثله من "تهديد" بالنسبة إليهم: إما إعادة عقارب الساعة للوراء أو حرق الأخضر واليابس! مشايخ المنصات تحولت مهمتهم من حشوهم وشحنهم بحديث نصرة الإسلام ورفعة الشريعة ودعم مرسي في وجه الانقلابيين القافزين على الشرعية الهادمين للصندوق إلى حشوهم وشحنهم بحديث آخر عن نصرة إخوانهم المدافعين عن حدود "رابعة" في الصفوف الأمامية دفاعاً عمن في الداخل ضد القوات الغاشمة والداخلية المجرمة التي تريد الإجهاز عليهم. وتبدلت مفردات "ملائكة رابعة" التي تقف في وجه "شياطين الانقلاب" إلى "جنود رابعة" الرابضين في وجه "المجرمين". وبجرة قلم، حول رموز "رابعة" كل من هم خارجها إلى "بلطجية" يتربصون بالمعتصمين السلميين أو "انقلابيين" أنجزوا مجزرتين: مجزرة الساجدين عند الحرس الجمهوي ومجزرة الصائمين على طريق النصر.
وعلى رغم استمرار القائمين على العرض في الإشارة إلى البسطاء ليصفقوا ويهللوا ويكبروا، إلا أن الشعور بأنهم نزلوا من بيوتهم نصرة للإسلام ودعماً للشريعة لم يعد بالقوة والثقة نفسها. صحيح أن مصادرهم المعلوماتية ومنابعهم المعرفية لا تخرج عن إطار ما تبثه منصة "رابعة" وما تكتبه جريدة "الحرية والعدالة" وما يذاع على القنوات العربية الداعمة الراغبة في استمرار حكم الجماعات الدينية في مصر، إلا أن من يخرج منهم إلى خارج موقع الاعتصام تعتريه مشاعر مغايرة وتصل إلى مسامعه معلومات مختلفة. ورغم أن مشايخ المنصة يؤكدون دوما أن كل ما عدا المعلومات والأخبار الصادرة عن المنصة هي تضليل وكذب وتدليس من الإعلام الكافر الداعر المحارب لدين الله، إلا أن كل ما ينطق به الشارع في أعقاب "ليلة التفويض" ينطق بحقائق مغايرة.
بقايا الليلة الحافلة في كل مكان، لافتات دعم الجيش والشرطة، صور الفريق الأول عبدالفتاح السيسي، عبارات الانتقاد اللاذع لقادة أميركا وتركيا وقطر تملأ كل مكان، وآثار الاحتفالات في كل مكان: ألعاب نارية، أعلام مصرية، علب حلويات لزوم التحلية بعد الإفطار. وكلها علامات تقف على طرف نقيض من تلك الظاهرة في "رابعة" بعد موقعة ليلة دامية.
المواجهة الحتمية
وكالة أنباء "رويترز" أفادت أن جهاد الحداد المتحدث باسم جماعة الإخوان وتعقيبا على الاتهامات الموجه إلى الرئيس السابق مرسي قال "في نهاية المطاف نعلم أن كل هذه الاتهامات ليست نابعة سوى من وحي خيال قلة من قادة الجيش ودكتاتورية عسكرية... سنواصل احتجاجاتنا في الشوارع".
من جانبه صرح القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي مخاطبا المحتشدين في ساحة "رابعة العدوية" مقر الاحتجاج الرئيسي لمؤيدي مرسي بالعاصمة "نحن موجودن هنا حتى النصر على الانقلاب وإما الشهادة".
شهود عيان ذكروا إن طائرات هليكوبتر تابعة للجيش أسقطت منشورات على اعتصام مؤيدي مرسي تدعوهم فيها إلى الامتناع عن العنف.
إلا أنه ورغم ذلك تبدو المواجهة حتمية بعد اشتباكات على مدى شهر قتل خلالها ما يقرب من 200 شخص. ويخشى كثيرون في مصر من الأسوأ خاصة وأن الاخوان يعتقدون أنها الفرصة الأخيرة لهم ربما لعقود لإسترداد الحكم.
تقارير أمنية عدة أشارت إلى أن فرص شن الإخوان لحرب داخلية أو إنشاء جيش مصر الحر تضاءلت كثيرا بعد كشف جزء كبير من الترسانة العسكرية التي هربت إلى مصر خلال الأشهر العشرين الأخيرة، وكذلك بعد شروع الجيش في مطاردة حوالي 3000 مسلح منتشرين في بعض أرجاء سيناء. ويقول خبراء غربيون أن طبيعة الأرض المصرية المنبسطة والمتاخمة لنهر النيل حيث يعيش معظم السكان تقلص فرص من يريد شن حرب عصابات ضد النظام خاصة إذا كان المسلحون لا يتمتعون بدعم السكان.
يذكر أن محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين هدد بظهور الجيش المصري الحر الذي سيحارب لإعادة الشرعية الدستورية قريبا، مشيرا إلى أن مؤيدي الرئيس مصريون ومن حقهم فرض منطقهم في إعادة رئيسهم المنتخب، وأكد أن مصر لن تهدأ ولن تتوقف الإحتجاجات والمظاهرات حتى يتحقق الهدف.
بعض المصادر تقدر إن التصعيد الذي تقوم به جماعة الإخوان وحلفاؤها، يأتي في إطار خطة الجماعة إن لم يكن استعادة السلطة فورا فهو ضمان الخروج الآمن للرئيس المعزول وعدد من قيادات الجماعة من دون محاكمة، مشيرة إلى التزامن مع دعوة واشنطن والأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، القاهرة إلى إطلاق سراح مرسي.
في مواجهة هذه التهديدات بجر البلاد إلى هاوية الحرب الداخلية، قال رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور إن تظاهرات 26 يوليو تؤكد أن المصريين أصبحوا في حالة من الوعي السياسي، مشدداً على أن الأيام المقبلة ستشهد انحساراً لأعمال العنف والإرهاب. وتابع، في مداخلة تلفزيونية، "أقول لكل المتواجدين في رابعة وميدان النهضة إن الشعب قال أن لا عودة إلى الوراء ولا تخشوا إطلاقاً من أحد وعودوا إلى بيوتكم وأعمالكم ولن يلاحقكم أحد وهذا تعهد مني شخصياً".
وزير الداخلية محمد إبراهيم أكد إن تظاهرات "الإخوان" ستفض "قريباً"، وذلك بشكل قانوني. وأضاف أن هناك أخباراً سارة خلال الأيام المقبلة في ما يتعلق بسيناء، مضيفاً "لن نسمح بوجود الإرهاب على أرضنا".
يشار إلى أن نائب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أحمد عبد الحفيظ تحدث عما سماه الموقف الملتبس لمعتصمي رابعة العدوية، حيث لا توجد لائحة لحقوق الإنسان تؤكد حق الاعتصامات السلمية بشكل دائم أو شبه دائم في مناطق سكنية تتكرر فيها محاولات الخروج لقطع الطرق الرئيسية.
أسرار الصندوق الأسود
يقول مراقبون أن تدخل الجيش وإن جاء تلبية لإرادة غالبية الشعب، فإنه أنقذ مصر من أخطار محدقة كانت تهدد أمنها القومي ووحدتها الترابية، وذلك نابع من أن حركة الإخوان تتبع سياسة تقوم على مبدأ الأممية قبل الوطن.
نشرت وكالة "أسوشييتد برس"، يوم الجمعة 26 يوليو، تفاصيل خضوع مرسي للتحقيق خلال الأسابيع الثلاثة لاعتقاله، مبينة أنه من المرجح أن يكون إعلان بدء التحقيق معه، يوم الجمعة 26 يوليو 2013، بداية لخطوات قانونية أوسع.
وأوضحت أن التحقيق يعد "الخطوة الأولى نحو لائحة اتهام ومحاكمة محتملة على الاتهامات التي يعاقب عليها بالإعدام".
وكانت السلطات المصرية قد قررت حبس مرسي 15 يوما على ذمة التحقيق، بعد أن وجهت له تهمة "التخابر" مع حركة حماس للقيام بأعمال عدائية في البلاد والهجوم على المنشآت الشرطية والضباط والجنود واقتحام السجون المصرية وتخريب مبانيها وإشعال النيران عمدا في سجن وادي النطرون وتمكين السجناء من الهرب وهروبه شخصيا من السجن".
وأضافت أن الاتهامات تضمنت أيضا "إتلاف الدفاتر والسجلات الخاصة بالسجون واقتحام أقسام الشرطة وتخريب المباني العامة والأملاك وقتل بعض السجناء والضباط والجنود عمدا مع سبق الإصرار واختطاف بعض الضباط والجنود". وكشفت مصادر عسكرية للوكالة أنه يتم التحقيق مع مرسي مرة على الأقل في اليوم، وأحيانا لمدة تصل إلى خمس ساعات، حيث تم في بعض الأحيان تقديم تسجيلات صوتية للرئيس لاستجوابه بشأنها. وذكرت "أسوشييتد برس" في تقريرها: "إن مرسي وضع في الحبس الانفرادي منذ إصدار وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي قرار تنحيته من الرئاسة". كما ذكرت الوكالة التي تحدثت مع ستة مسؤولين أمنيين وعسكريين، من بينهم اثنان في المخابرات العسكرية، رفضوا الكشف عن هوياتهم، أن استجواب المخابرات العسكرية لمرسي تم على نطاق واسع حول تصرفاته كرئيس.
ونقلت عن المسؤولين قولهم إن من بين المواضيع التي تم التحقيق فيها المناقشات التي أجراها الرئيس مع القادة الأجانب خلال رحلاته إلى الخارج، ومع حكام حماس في غزة.
وبينت المصادر ذاتها أن النقطة الرئيسة التي تمحور حولها التحقيق، هي ما إذا كان مرسي قد منح معلومات "حساسة" للحلفاء الإسلاميين في الخارج أو إلى جماعة الإخوان. ومن الأسئلة الرئيسة الأخرى التي طرحت في التحقيق هي الشؤون المالية السرية لجماعة الإخوان وقنوات التمويل في الخارج.
كما طرحت على الرئيس أسئلة بخصوص العفو عن عشرات من "المتشددين المسجونين"، الذين اعتقلوا مرة أخرى، حيث يعتقد المسؤولون العسكريون أن عددا منهم تحول إلى سيناء للانضمام إلى خلايا "جهادية" بها عناصر أجنبية.
وفضلا عن ذلك، طرح المحققون العسكريون أسئلة على مرسي بشأن محاولته وقف حملة الجيش لمتابعة المسلحين الذين قتلوا 16 جنديا في سيناء، بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، منذ ما يقرب من عام. وتحدث مصدر عسكري لوكالة "أسوشييتد برس" أيضا عن واقعة تدل على درجة التنسيق بين "الإخوان" والرئيس، ملخصها أن مرسي استدعى بعد تنصيبه 19 من قيادات "الإخوان" للاستماع إلى إيجاز يقدمه مدير المخابرات السابق مراد موافي.
وعندما أبدى موافي احتجاجه على حضور قادة "الإخوان"، قال له مرسي: "لا عليك أيها الجنرال، لا يوجد أغراب بيننا"، فما كان من موافي إلا أن قدم إيجازه دون ذكر المعلومات الحساسة.
وأضاف المصدر أن موافي دفع ثمنا لهذا التصرف، عندما قام مرسي بعزله بعد أسابيع. وبينت المصادر ذاتها أن مرسي وبعد اعتقاله تنقل ثلاث مرات على الأقل بين مرافق وزارة الدفاع في عربات مدرعة تحت حراسة مشددة، مشيرة إلى أنه يقبع حاليا في منشأة خارج القاهرة. وقالت وكالة "أسوشييتد برس" في تقريرها إن الجيش يبدو أنه لم يقرر بعد ما يجب القيام به تجاه ما تم جمعه من معلومات، إثر التحقيقات مع مرسي.
يشار إلى أنه منذ سنوات تم الكشف عن خطة ليكون جزء من شبه جزيرة سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين خاصة هؤلاء الموجودين في غزة.
أخطاء "الإخوان"
أحمد فهمي المحلل والباحث العربي المتخصص في شؤون الإسلام السياسي كتب تحت عنوان أخطاء "الإخوان" في فهم "30 يونيو" وتوابعها:
أعقد جوانب الأزمة الحالية في مصر هو طريقة فهم "الإخوان" وكيفية إدارتهم لها، ويتجلى ذلك في ثلاثة مستويات تبدأ من توصيفهم ما جرى يومي 30 يونيو و3 يوليو، مرورا بالخلط بين الديني والسياسي، وصولا إلى المستوى المزمن وهو رؤية جماعة الإخوان لنفسها ولعلاقتها بمصر: الدولة والوطن.
المشترك بين مستويات الأزمة المصرية أن الأزمة في كل مراحلها تتغذى على عدة عوامل محفزة للصدام، وهي: (1) حالة الاستقطاب المتنامية في المجتمع منذ استفتاء 19 مارس 2011. (2) وجود شعور بأن هناك طرفا خاسرا وطرفا فائزا، ما يزيد مشاعر المرارة مقابل مشاعر الفرح. (3) تنامي مشاعر العداء مع تصاعد المواجهات وسقوط قتلى وجرحى، خاصة مع إصرار "الإخوان" على نشر الفوضى كوسيلة لتعطيل أي تقدم في خريطة المستقبل، ما وضعهم في مواجهة مباشرة مع المجتمع وليس الدولة وحدها. (4) صعوبة الالتفات في وسط هذا الجو إلى دعوات للمصالحة، ما يزيد الجماعة تشددا لا يتفق مع معطيات واقعها المنهك.
وتنبع أزمة التوصيف عند جماعة الإخوان، من اعتقادها أنها هي من دخل قصر الرئاسة في مصر، وليس الدكتور محمد مرسي وحده، ومن ثم فهي من خرج بعزله وليس هو، لذا بدت منذ اللحظة الأولى عاجزة عن فهم حقيقة ما يجري. وبينما كانت الملايين من الشعب المصري تهلل وترقص في الشوارع والميادين فرحا بثمرة ثورتها في 30 يونيو، فقد اعتبرت الجماعة ما جرى نوعا من الخيانة. وفي البداية حملت جماعة الإخوان الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع منفردا مسؤولية عزل مرسي، في محاولة لشق صفوف القوات المسلحة، ثم ما لبثت أن أدركت عجزها عن تحقيق ذلك، خاصة بعد حادثة الحرس الجمهوري، فبدأت تصف ما جرى بالانقلاب العسكري. وصارت تخاطب الداخل بذلك، بينما كانت تخاطب به الخارج الغربي منذ اللحظة الأولى من دون أن تتوقف عن طلب المساندة. وربما تكون الجماعة قد نجحت في تصدير هذا الوصف لفئات محدودة من الشعب، ممن يرفضون أي دور للجيش في السياسة، لكن غالبية المصريين لم يتعاطفوا معها بأي قدر، إذ يرون أنهم بثورتهم ضد مرسي في 30 يونيو استعادوا دولتهم. وكان الخطأ القاتل الذي سقط فيه الإخوان هو أنهم واجهوا الشعب والدولة بنشر الفوضى، لكن رد الفعل لم يكن أبدا في صالحهم، فكلما زادت ممارستهم للفوضى، قويت العلاقة بين الشعب والقوات المسلحة خوفا على الدولة من الانجراف إلى النموذج السوري.
خطاب استعلائي
على المستوى الثاني شحنت جماعة الإخوان قواعدها كالعادة بالدين في ميدان السياسة، وزادت خطابها الاستعلائي تهديدا مع توسع "حركة تمرد" في جمع التوقيعات، معتبرة أن ما يحدث صراع بين الإسلام وأعداء الإسلام، في حين حرصت "تمرد" على تمسكها بالسياسة. ومع تعقد التطورات لجأت الجماعة إلى شحن أنصارها بجرعات دينية عالية تختلط بالوهم أحيانا، مثل الزعم بأن جبريل عليه السلام شوهد في "ميدان رابعة العدوية". وظل هذا الشحن ملازما ومكثفا ومتوترا بعد عزل مرسي، عندما قرر أنصاره البقاء في الميدان، وسط عزلة تامة عما يجري في مصر والعالم. وصار هؤلاء لا يتلقون إلا ما يلقى إليهم من منصة الميدان، حتى إن القوات المسلحة اضطرت بدورها إلى إلقاء منشورات إليهم كطريقة وحيدة متاحة لطمأنتهم أو تحذيرهم. وفي سياق التجييش رفعت الجماعة الأكفان في وجوه المصريين، الذين ترى غالبيتهم أن القضية لا تستحق هذه الميول الانتحارية، لأن عامة المصريين هم من سئموا حكم الإخوان، وخرجوا ضدهم في مظاهرات يرددون: "أنا مش كافر أنا مش ملحد . . يسقط يسقط حكم المرشد"، وهكذا صار الإخوان في هذه الأزمة في شبه "غيتو" من صنعهم، فيما كان الواجب عليهم أن ينفتحوا على الجميع.
وعلى المستوى الخاص بإدارة الأزمة وفقا لرؤية الجماعة لنفسها ولمصر، فإن الجماعة انطلقت من كونها حالة ذاتية منقطعة ومتمايزة عن الدولة والوطن، أي "دولة فوق الدولة". ولهذا يفهم أنصار الدكتور محمد مرسي الأزمة ويتعاملون معها بطريقة فئوية ضيقة. وفي المقابل فإن مؤسسات الدولة وفي مقدمتها القوات المسلحة تفهم ما جرى في 3 يوليو وتتعامل معه على نحو مغاير، ولذا سعت في كل المراحل لتحاشي الصدام مع الجماعة، إذ تعتبر هذه المؤسسات أن الأمر برمته كان حسما لخلاف طويل ومعقد بينها وبين مؤسسة الرئاسة، على ضوء تقاعس الرئاسة عن حماية الأمن القومي المصري داخليا وخارجيا، إذ كانت من خلال تبعيتها لمكتب إرشاد الإخوان سببا فاعلا في نشر الانقسام والفوضى في بنية الدولة والمجتمع، كما حدث مع الإعلام والقضاء والشرطة والجيش والأزهر والكنيسة، ولم تستثن من ذلك العلاقة بين المسلمين والأقباط، إلى جانب غل الرئاسة يد الجيش والشرطة عن مواجهة التنظيمات الجهادية والتكفيرية في سيناء، وهي المتهمة بقتل الجنود في رفح شهر أغسطس 2012، وفي خطف الجنود السبعة في مايو 2013، مما عد إهانة موجهة عمدا إلى القوات المسلحة والشرطة، وكذلك تراخي الرئاسة في حماية حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، وتوريطها الدولة المصرية في الأزمة السورية عبر فتح باب "الجهاد"، فالرئيس المعزول لم يستوعب قلق الجيش والمؤسسات المسؤولة عن حماية الأمن القومي المصري مما يحدث في سوريا.
وما يعقد الموقف أن الإخوان ومن يناصرهم يعتقدون أن الجيش ظلمهم وحدهم، وأنه انحاز للطرف المناوئ لهم، بينما الواقع يجزم بأنه لم يكن ممكنا عزل مرسي، إلا بالطريقة التي تمت، خاصة بعدما سد بنفسه كل الطرق الدستورية المتاحة برفضه الاحتكام إلى الصندوق، باستفتاء أو بانتخابات مبكرة. ما دعا مؤسسات الدولة إلى حل الأزمة عبر توازنات القوة، وليس ضرورات القانون. فالجيش المصري كأي جيش آخر حريص بمقتضيات الضرورة الوطنية على بناء علاقة طيبة مع جميع مكونات المجتمع المصري على تنوعها السياسي، انطلاقا من أن وحدة الجبهة الداخلية تعضده وهو يحمي الثغور، وهكذا فإن عناد مرسي ودهاء التاريخ من أوقع مصر في اللحظة بالذات في هذا المأزق.
ومن المزعج أن ترى جماعة الإخوان، أن ما جرى بكل مستوياته كان مؤامرة ضدها وحدها، لأن هذا الشعور ساقها إلى السقوط السهل في حبائل الأممية، ما أوقعها أيضا وهي خارج السلطة في نفس الخطأ الذي سقطت فيه وهي تشارك مرسي قصر الرئاسة، فهي اليوم تدير الأزمة وفقا لاستراتيجيات أممية، وليس وفقا لاستراتيجيات الدولة المصرية. وهذا الخطأ ذاته كان وراء صداماتها المتواصلة في أغلب الدول العربية. ما يزيدها تشددا سياسيا وتوترا وطنيا. ويضيف إليها وهي في أزمتها الحالية أعباء وتعقيدات كان حتما عليها أن تتخفف منها.
إن هذا الفشل المزمن يحتاج الآن من جماعة الإخوان إلى مراجعة فكرية وتنظيمية عميقة وشفافة محكومة بأطر وطنية صادقة لوجه الله والوطن، كي لا تتورط في مزيد من التعقيدات التي لا تحتملها هي ولا تحتملها مصر. وتتطلب هذه المراجعة حسما نهائيا لأزمة العلاقة بين الجماعة والدولة، بإعلاء الدولة على الجماعة. وما لم يحدث ذلك فإن السيناريو الحالي سوف يستنسخ نفسه دوما، ليخيم بدمائه وعنفه وأزماته على فرصها في المستقبل، سواء في مصر أو في غيرها، بما يدمر ما بقي للجماعة من بنية فكرية وتنظيمية محلية أو دولية بأسرع مما تتصور هي نفسها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.