يبدو أن مكبرات الصوت والصورة في المهرجانات التي تلهب صيف المغرب قد هدأت وتركت مكانها لمكبرات الصوت على المآذن بسبب حلول شهر رمضان. فالكثير من التظاهرات الفنية تم تأجيلها إلى النصف الثاني من شهر آب. بعد موازين بالرباط وكناوة بالصويرة وتيمتار بأغادير ومهرجان الموسيقى الروحية بفاس وباقي المهرجانات الغنائية الأخرى، سواء الكبيرة أو المتوسطة، التي حاولت أن تبرمج أنشطتها قبل حلول الشهر الفضيل، يطل مهرجان مراكش للفنون الشعبية محتفياً بالتراث اللامادي وبأغاني الشعوب، في دورته الجديدة التي اختتمت مساء الأحد الماضي، وهو واحد من أعرق المهرجانات الثقافية والفنية في العالم العربي، حيث كانت دورته الأخيرة هي الدورة الثامنة والأربعين، فقد تأسست هذه التظاهرة الكبيرة سنة 1960. يحتفي المهرجان، الذي تنظمه «مؤسسة مهرجانات مراكش» ويرعاه الملك، هذا العام بالمرأة، إذ جعلها موضوعته الأولى، وتحديداً في إطار علاقتها بالفنون الشعبية. وتتوزع سهرات هذه الدورة بين المسرح الملكي وقصر البديع الذي بناه السلطان أحمد المنصور الذهبي، في نهاية القرن السادس عشر، خلال مرحلة حكم السعديين، هذه المَعلمة التاريخية الشهيرة التي استغرق بناؤها 16 سنة من العمل المتواصل. سهرات المهرجان بدأت كل ليلة من الساعة العاشرة إلى عمق الليل، وتحييها فرق عديدة من داخل المغرب وخارجه، الفرق المغربية تمثل مختلف الأطياف بدءاً من التراث الأمازيغي والكَناوي وفن الملحون، إلى الأغاني الجبلية وموسيقى الصحراء. وتشارك من خارج المغرب مجموعة من الفرق من بينها: الأوركسترا الوطنية الفرنسية «باربيس»، فرقة «كواندغي» الكورية، ومجموعة الفلامنكو الإسبانية «ستيفانيا كوفاز». من بين الرقصات الفلكلورية المعروفة التي عُرضت في هذه الدورة رقصة «الكَدرة» ذات الأصول الأفريقية، حيث يعمد رجال ونساء من الصحراء إلى الرقص في حركات جماعية بملابس فضفاضة، وبشكل دائري حول رجل يسمونه في الثقافة الصحراوية «النكار»، يعزف على «الكَدرة»، وهي إناء دائري كبير من الطين تسد فوهته قطعة جلدية. ثمة أيضاً رقصات أو شطحات «عيساوة» و«حمادشة» ذات منبع صوفي، ولوحات «عبيدات الرما» المرتبطة بالفلاحين ومواسم القنص والحصاد، بالإضافة إلى استعراض لعدد من الرقصات الأمازيغية كرقصة «أحيدوس» المنحدرة من الأطلس المتوسط، والتي يساهم فيها الرجال والنساء بحركات متناغمة بعد إلقاء قصائد شعر باللغة الأمازيغية، وتقوم رقصة أحيدوس على فلسفلة خاصة ترى أن العزف على الدفوف يكون للرجال فقط، ولا يناسب أنوثة المرأة الأمازيغية. يشكل المهرجان دعوة صريحة للاحتفاء بالفلكلور الشعبي العالمي والتراث الفني العريق، في وقت زحفت فيه الحداثة بشكل رهيب على مختلف الفنون، بل طالت الكثير من تشوهات الفنون الشعبية العريقة على مستوى الكلمات وأشكال الأداء، ويشكل في الآن ذاته مناسبة لإعادة اكتشاف التراث التاريخي، خصوصا المعماري لمدينة مراكش، التي تعتبر واحدة من أهم المدن السياحية في العالم، هي فرصة لكي يزور السائح العربي والدولي ساحة جامع الفنا والمنارة والكتبية وقصر الباهية وعرصة مولاي عبد السلام والقبة المرابطية والأسوار القديمة للمدينة، وغيرها من الأماكن التاريخية المعروفة التي تشكل الوجه الآخر لمهرجان مراكش للفنون الشعبية، أي الشق المادي من تراث المدينة.