لا مراء أن الحركة الانتقالية الخاصة بهيئة التدريس خلال هذه السنة، استحوذت على انتباه كافة المهتمين بالشأن التعليمي بالبلاد، ذلك لكونها أولا تعد من أهم الملفات الشائكة التي تحظى باهتمام بالغ من لدن الأسرة التعليمية، باعتبارها آلية ضرورية لتحقيق الاستقرار النفسي لنسبة كبيرة من الأسرة التي تعيش حالة من الشتات، وثانيا لكونها أول ملف في عهد الوزير الجديد الذي ما فتئت وسائل الإعلام الرسمية بأبواقها المدفوعة الثمن تقدمه كرجل المهمات الصعبة، ورجل الملفات الكبرى، في محاولة لدرء ذاك التناقض الغريب الذي لا يتوقع حدوثه إلا في بلد كالمغرب، والمتعلق بالتحول من الداخلية إلا التربية بجرة قلم، حتى يبدو الرجل كهبة سماوية أنعم بها على نساء ورجال التعليم رحمة ورأفة بقطاعهم الذي يغوص في مشاكل أكبر مع كل وصفة إصلاح، رجل قادر على الانكباب على جل الملفات والغوص فيها وإيجاد حلول لها. لكن بعد عرض أول ملف على طاولة مكتبه، والمتعلق بالحركة الانتقالية، أول ما قام به السيد الوزير هو نبذه للمذكرة الإطار المنظمة لحركية نساء ورجال التعليم وراء ظهره، ضاربا عرض الحائط بكل القوانين المنظمة لها، رغم أن الإعلان عن المشاركة في هذه الحركة كان يستند إلى هذه المذكرة، ولم يكلف نفسه ووزارته إصدار مذكرة جديدة تنسخ المذكرة السابقة، وتبين للمشاركين في الحركة أنه سيتم اعتماد منهج جديد قائم على تجميع كل الحركات في حركة واحدة محلية يتبارى فيها الملتحقون بالمديريات وطنيا وجهويا مع المحليين. وكأن وزارة التربية في هذا العهد تريد إيصال رسالة مفادها أنه بعد الآن لا تلزمنا مذكرات ولا تلزمنا قوانين كوزارة مشغلة، وأن الوزارة ستفعل ما تريد وما تشاء في موظفيها، لقد انقضى عهد المذكرات والقوانين الملزمة كعقد بين الوزارة وموظفيها، وحل محله عقد جديد بين السيد والموظف (العبد). فكان التنصل من المذكرات المنظمة لملف الحركة أول الغيث في فيضان العبث، الذي استمر طول مدة تدبير هذه الحركة، بدءا بتعيين المنتقلين بالمديريات وطنيا وجهويا بدل المؤسسات والجماعات، وفرض الانتظار والترقب سيدا للموقف، مرورا بتعيين المتعاقدين في مناصب سبق أن طلبها أساتذة رسميون في الحركتين الوطنية والجهوية، مما يظهر العشوائية وسوء التدبير وغياب الحكامة والعقلانية في التعامل مع الخرائط والبنيات التربوية للمؤسسات التعليمية. ورغم اقتراب موسم مسلسل الحركة الانتقالية على الانتهاء، وصعود جنريك الأسماء التي أسعفها الحظ والتخبط في الظفر بمنصب صار حلما مع هذا العبث، إلا أنها ظلت وفية لمنهجها العبثي اللاعقلاني، خاصة بعدما ثم الحديث عن السيناريوهات المحتملة للحلقة الأخيرة من هذا المسلسل الذي أتعب المتابعين انتظار حلقته الأخيرة، ولعل آخر هذا العبث هو اكتشاف غياب الصدق والأمانة في خطاب الوزارة مع موظفيها، فبعدما كان أحد المهتمين بالشأن التربوي بإقليم مراكش قد كشف عن تسريب وكشف مديرية مراكش لبعض المحظوظين عن استفادتهم من الحركة، وخروج المديرية ببلاغ كان منتظرا تكذب فيه ما ذهب إليه هذا المتتبع، - وإن كنا نحن في المغرب قد فقدنا الثقة في الإدارة منذ زمن حتى قبل خطاب صاحب الجلالة الذي شخص فيه وضعية الإدارة المغربية_ ، لتعقبه بعد ذلك تصريحات من بعض المسؤولين عن قسم الحركات الانتقالية بالوزارة، يفنذون فيه كل الأخبار التي راجت بقوة عن تلك التسريبات، مدعين بأن تدوير الحركة الانتقالية إنما يتم مركزيا، وأن المديريات لا دخل ولا شأن لها بتدوير هذه الحركة. لكن لما كان العبث سمة مميزة لهذه الحركة، شاءت الأقدار أن تعلن مديرية السمارة عن نتائج الحركة الانتقالية في خطوة أحادية، مما أظهر كذب الوزارة وكشف زيف ادعاءاتها عن كون هذه الحركة سيتم تدويرها مركزيا وليس إقليميا، فظهرت بذلك الحقيقة، وكشف المستور، وهذا على ما أعتقد جعل الوزارة تشعر بالحرج وتدرك أن حبل كذبها على موظفيها قد انقطع، وأنها رغم محاولاتها الحثيتة لتغطية العبث الذي ميز تدبيرها للحركة هذا الموسم، تطالب وبسرعة مديرية السمارة بسحب هذه النتائج، لينضاف طلبها هذا إلى مسلسل العبث الذي تمارسه في عهد الوزير الجديد، وتكون حركية هذا الموسم حركة عبثية بامتياز.