تختلف الروايات عن الزمن الحقيقي لبناء سور القصبة الأول، فهناك من يذهب إلى أن من شيده هو السلطان عبد الحق المر يني (1195–1217م) و هناك من يربطه بالتحصينات الوطاسية في القرن 15 لأهم الثغور المغربية و على رأسها العرائش، لكن الراجح في منظورنا أن السور و برج اليهودي شيدا مع القصبة بغرض تحصين ثغر العرائش، و الثابت أن القصبة بنيت في عهد الدولة المرينية على يد السلطان يعقوب بن عبد الحق (1258/1286م) ثم أضيف لبنيته الإنشائية تعديلات في القرن 15 على يد الوطاسيين ثم السعديين في القرن 16، وفي مستهل القرن السابع عشر و تحديدا في العام 1610 م تنازل السلطان السعدي محمد الشيخ المأمون عن المدينة إلى الملك فيليب الثالث بوجب اتفاقية ثناثية, وقد نصت وثيقة الإحتلال بالأساس على ضرورة تقوية وتوسيع دفاعات المدينة, و عليه تم إيفاد مهندسين عسكريين من المملكة الإسبانية, "بوتيستا أنطونيلي وخوان دي ميدثيا". صمم أنطونيلي نظما للتحصين يستند في أطرافه على أبراج القرن الذي سبقه بما فيها القصبة, أما من الواجهة البرية فقد أكمل بناء أسوار أخرى أقل أهمية على الضفة الجنوبية لمصب وادي لوكوس, محددا بذلك مجالا داخليا واسعا. أما مبدثيا فقد حاول تنفيد تصميم حضري سطحي يلاءم حاجة المعمرين الجدد, كما ساعد على إيجاد مقر للقيادة العسكرية بين القصبة وباب المدينة, ثم عمل على تمركز مختلف المباني العسكرية بالمنطقة, مما أدى إلى تسهيل سبل تنمية حي البحارة ومنطقة باب البحر، لتصبح المدينة متحصنة وراء أسوارها المحكمة و التي كان لها أبواب سبعة و هي, 1 باب المدينة 2 باب البحر 3 باب القبيبات 4 باب المرسى 5 باب القصبة 6 باب الروى 7 باب الغريسة. كما كان لها أبراج و حصون منيعة نذكر منها أهمها, " الفتح, النصر, اليهودي, بو القنادل, سيدي ميمون, زوينة..." وقد أخدت هذه الأبراج أهميتها بشكل أكبر في زمن السلطان مولاي اسماعيل و السلطان سيدي محمد بن عبد الله اللذان عملا على تطوير المدينة و زيادة مناعتها بوصفها أحد أهم ثغور المملكة إن لم نقل أهمها على الإطلاق.. كما عرفت أيضا أبراج أخرى أصغر سميت على اسم القادة العسكريين المسؤولين عنها من رجالات العرائش الأبطال مثل " برج اكزناي, الرزامي, البطيوي, خنخور, حجاج, بوحسينة.." و التي أزالها المستعمر الإسباني في فترة الاحتلال الثانية خلال القرن العشرين و استولى على معداتها و مدافعها. كل هذه دلالات على أهمية ثغر العرائش لدى غزاة العالم و أباطرتها و استماثة الدولة المغربية على اختلاف الأسر التي حكمتها في الدفاع عنها من الأطماع الخارجية " عثمانيين، برتغال، إسبان، فرنسيين، نمساويين، ألمان.." وبطولات المجاهدين البواسل الذين دحروا الغزاة في صولات و جولات مجيدة من تاريخنا العظيم و فوق هذه الأرض العزيزة الغالية. لكن للأسف تكالبت الأسباب و التبريرات لطمس تراث هذه المدينة و اختفى سورها المنيع بين هدم و دفن، أو بين إهمال و تشييد عمران جديد على بنيته الإنشائية حتى أصبح في أماكن معينة جاثما داخل المنازل المأهولة بالسكان، و ذلك بداية من القرن العشرين على يد المعمرين الإسبان من خلال مشروع التوسعة، ثم في عهد الاستقلال الذي عرفت فيه العرائش نكستها التراثية الغير مسبوقة على مستوى التاريخ و الجغرافيا المغربية. فهل سيسمح العرائشيون لتراثهم بالخراب و الدمار و الاندثار ؟ هل ستودع العرائش آخر قطعة من سورها العتيق، لتصبح " ثغر العرائش الغير المحروسة " !؟