"إن الأمر يقتضي اعتماد ميثاق حقيقي لأخلاقيات العمل السياسي بشكل عام" مما يضمن "الالتزام بالقوانين والأخلاقيات". لما لوحظ من قلة تفعيل له وضعف في العمل به". من خطاب الملك في البرلمان يوم 10 أكتوبر 2014 "الانتخابات هي وسيلة لممارسة السيادة التي تعود للأمة..." الفصل 2 من الدستور.
كثر الحديث عن الانتخابات هذه السنة في مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية المهتمة، وفي المنابر الإعلامية الورقية والالكترونية، وكأنها حدث لم يسبق أن كان أو أنها نهاية المطاف... في حين أن المغرب عرف انتخابات عديدة ومختلفة منذ ان وضع أول دستور لهذه الدولة. فلماذا هذا الاهتمام بالانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها يوم 07 اكتوبر 2016؟ إن الانتخابات في القانون هي وسيلة لممارسة السيادة التي تعود للأمة، وتمارسها مباشرة بالاستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها في المؤسسات بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم (الفصل 2 من الدستور)، وليست غاية في ذاتها لأن الغاية الحقيقية منها هي ما قد يتحقق على إثرها من ديموقراطية في الحكم وحكامة جيدة في الإدارة وشفافية في صرف المال العام وفي موضوع وكيفية صرفه مع ما يستتبع ذلك من ربط للمسؤولية بالمحاسبة تحت مراقبة قضاء عادل ومستقل، وما ينتج عن كل ذلك من أمن عام وخاص وتنمية اقتصادية ورفاهية اجتماعية الخ...
وحيث أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي بعد الحياد التام للسلطات العمومية إزاء المرشحين وبعدم التمييز بينهم (الفصل 11 من الدستور)، هذا التمثيل الذي أوكله الفصل السابع للأحزاب السياسية التي عليها أن تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات، على أساس أن يكون تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية. لهذا وذاك فإن الإنتخابات العامة لكي تكون ذات جدوى وتحقق الغايات المرجوة منها يجب أن تتوافر لها كل شروط النجاح والضمانات اللازمة من الحق في الترشيح والاختيار إلى الحرية والشفافية في التصويت الى وجود مرشحين لمجلس النواب اكفاء وذوي اخلاق ونزاهة , وهي شروط على الحكومة مسؤولية تحصينها بكل القوانين الانتخابية وبالنصوص التنظيمية المتعلقة بها وعلى الأحزاب السياسية أن تحسن اختيار المرشحين بناء على شرط وجوب خدمة المواطنين وشرط القيمة الأدبية والثقافية للمرشح وغيرها من الشروط المحترمة والمقبولة ... فهل ميدان الانتخابات مهيئ بكل الشروط الذاتية والموضوعية لاختيار ممثلي الأمة من خلال انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ؟ مع العلم أن الأحزاب السياسية باعتبارها المؤطر الأساسي للمواطنين قد تلاشت أو كادت بفعل تطاحنها العقيم والبعيد عن العمل السياسي الجاد والهادئ بسبب خطابها الرديء وانتهازية الكثير من المنتسبين إليها الذين أصبحوا تجار انتخابات وطالبي مقاعد وراغبي مصالح ومريدي المال والمناصب، بعد ما تخلوا عن البرامج والمبادئ الأصل. كما أن المجتمع المدني تفرقت به السبل والغايات بعيدا عن صالح الجماعة. وبقي المواطن الذي يزايد عليه الجميع ويراهن عليه الكل لكن لا أمل له في كثير من هؤلاء وأولائك لأنه يئس منهم وانشغل بهمومه التي تنوعت من أمن وصحة وتعليم إلى ضرورة توفير لقمة العيش له ولأبنائه التي أصبحت عليه صعبة المنال ومرة المذاق. فهل من انتخابات ديمقراطية لتحقيق انتقال ديمقراطي فعلي وازدهار اقتصادي ورفاهية اجتماعية بواسطة نواب شرفاء واكفاء وحكومة تحقق مطالب المنتخبين لتجنب البلاد رياح الشرق الحارقة. يظهر أن خطاب الملك في البرلمان يوم 10 أكتوبر 2014 كان ضروريا لما أصبح الوضع عليه سواء داخل البرلمان أو خارجه الناتج عن سلوكات صارت بعيدة كثيرا عن الأخلاق السياسية وما تستجوبه من التزام بالمبادئ وتنفيذ للبرامج وصدق في الأقوال وجد في الأعمال وعمل بالفعل السياسي النبيل. وعن مسؤوليات البرلماني وما تلزمه به من واجبات سواء بصفته برلمانيا ممثلا للمواطنين في مؤسسة تشريعية بوأها الدستور مكانة يجب الاعتراف بأهميتها واحترام دورها بالعمل بمقتضى نظامها وتحقيق الغايات منها أو بصفته الشخصية التي تفرض توفره على شروط لا بد منها في الأخلاق والتربية والعقل والضمير والثقافة إلى غيرها من مواصفات الرجل بمعناه العام والحقيقي. والمواطن الصادق قولا وعملا. أنه خطاب لم يكن لو لم يسجل المخاطب على المخاطب أن "خطابه السياسي لا يرقى دائما إلى مستوى ما يتطلع إليه المواطن". "وان ممارسته لا تقوم على القرب من المواطن والتواصل الدائم معه وعلى الالتزام بالقوانين والأخلاقيات بل على تصرفات وسلوكات تسيئ إلى نفسه وحزبه ولوطنه وللعمل السياسي بمعناه النبيل". والأمثلة التي تبرر الخطاب والدافع إليه كثيرة هنا وهناك فمن البرلمانيين "برلماني" لا يعرف للأخلاق طريقا لأنه لا يؤمن بالأخلاق أو يهتم بتحليق نفسه ووسطه بل يعتبرها عامل هدم لشخصه وتقويضا لمستقبله وإفلاسا لمشاريعه وضياعا لريعه. لذلك يراه الجميع مجتهدا في الخداع والمكر والكذب والضرب من الخلف وتحت الحزام وملما بأساليب الوشاية ووسائل الإقصاء والتحايل ومخلصا لكل ما هو لا أخلاقي وفاسد، مستعينا بكل ما أوتي من لا ثقافة متأصلة فيه أو مكتسبة من هنا وهناك، وبما راكمه من مال حرام وببعض المرتزقة والمفسدين والبلطجية الذين لا يبخل عليهم ويسهر على توسيع دائرة انتشارهم حتى داخل الجمعيات المدنية حيث يوجد بعض ضعاف النفوس , ويجتهد في وسائل "تكوينهم" ضد كل ما هو حق أو قانون، مما أصبح ينذر بسيادة اللاقانون أو قل قانون الغاب الذي لا يبقي ولا يدر حفظ الله وطننا منه. ويراه الكل يحيك الدسائس ضد المخالفين له سواء داخل أو خارج دائرته ويهدد العاملين معه من منتخبين وموظفين ومواطنين. غايته البقاء والإستمرار والعمل على تحويل الدائرة إلى ضيعة خاصة لا منافس له فيها ولا مستقبل لها من دونه ولا نزل القطر بعده وخطاب الملك في هذا الموضوع لم يكن أول خطاب فيه، فقد سبق له أن طالب في أكتوبر 2012 "بوضع مدونة سلوك مستقلة تكون ذات بعد قانوني تقوم على بلورة قيم المواطنة وإيثار الصالح العام والمسؤولية والنزاهة". وهكذا قال يوم 10 أكتوبر 2014" إن الأمر يقتضي اعتماد ميثاق حقيقي لأخلاقيات العمل السياسي بشكل عام" مما يضمن "الالتزام بالقوانين والأخلاقيات"." لما لوحظ من قلة تفعيل له وضعف في العمل به". فهل من جد في تدارك زمن الوطن الذي اضاعه برلمانيون ووزراء ؟ وهل يتعقل البرلماني" ويتدبر الأمر ويستجيب لأخلاق الإسلام ولنداء الوطن من أجل مستقبل مستقر وهادئ ولحاجيات المواطنين في العيش الكريم والأمن العام دون "وصاية غير مشروعة " أو "فساد في الأرض"؟ للحديث بقية. وقد قال الشاعر أحمد شوقي : إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. كما قال أيضا: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأثما وعويلا
علاقة بما سبق: قال الله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم". صدق الله العظيم "التغيير في المجتمع هو ذو أهمية ثانوية، إذ أنه سيأتي بشكل طبيعي، وحتمي، عندما تقيم أنت كإنسان بإحداث التغير في داخلك".المفكر جيدو كريستامورتي.