"إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافئ الفرص والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة". من تصدير دستور 7 يونيو 2011 إنه جزء من تصدير دستور يونيو 2011 الذي رأيت أن أقدم به لمقالي هذا كي أحاول أن أجيب عن تساؤلي الذي أنهيت به موضوعي الأسبق، وكان عنوانه (من المسؤول الحقيقي عن الأوضاع)؟. تعمدت أن أبدأ به ليكون شاهدا على عهد جديد دخله المغرب بعد حراك الشعب المغربي الذي قادته التنسيقيات الشبابية ابتداء من 20 فبراير 2011 من خلال تجمعات ومسيرات حاشدة عمت مختلف المدن المغربية بل ووصلت إلى القرى في البوادي بشكل لم يسبق لها مثيل منذ استقلال المغرب رفعت أثناءها شعارات تطالب بالإصلاح السياسي العام وبالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، وبإسقاط الفساد الذي عم وانتشر أفقيا وعموديا، حملت مسؤوليته لأسماء بعينها، دون أن تتجاوز هذه المطالب إلى مطلب إسقاط النظام كما طالبت به شعوب العالم العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من الدول التي مازالت تؤدي الثمن غاليا من أمنها وسلمها واستقرارها لعدم تفهم الحاكمين فيها لمطالب تلك الشعوب، خلافا لما حدث في المغرب الذي استطاع اجتياز هذه الموجة بفعل وعي الشعب المغربي وجنوحه دائما إلى السلم والحوار وبفضل ما يتحمله الملك من مسؤولية تاريخية وسياسية . بعد أن توافقا على دستور جديد للبلاد كان بمثابة التزام الجميع بتقوية مؤسسات دولة حديثة وإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة كما هو مبين في التصدير، وأتى باختصاصات مختلفة وواسعة لرئيس الحكومة التي تمارس السلطة التنفيذية (الفصل 89). هذا العهد الذي قدر أن يكون على رأس أول حكومة فيه السيد عبد الإله بنكيران بصفته الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها عينه الملك على رأس حكومتها (الفصل 47) وإن كان ما حصل عليه من أصوات لا يرقى لأن يجعل منه الحزب الحاصل على أغلب الأصوات بحكم نمط الاقتراع وبالنظر إلى الكتلة التي يحق لها التصويت مقارنة بالعدد الحقيقي لسكان المغرب أو على الأقل المسجلين منه في اللوائح الانتخابية، وبسبب وجود مواطنين عزفوا عن التصويت. هذه الحكومة التي اعتبرت منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب التي تقدم رئيسها أمام مجلسي البرلمان مجتمعين وعرض عليهما البرنامج الذي تعتزم تطبيقه تنفيذا لمنطوق الفصل 88 من الدستور. وبهذا تجمعت لحكومة السيد عبد الإله بنكيران كل أسباب الشرعية ليحقق أهداف العهد الجديد لما بعد ربيع المغرب في الانتقال الديمقراطي والإصلاح الاجتماعي والتنمية الاقتصادية العامة والشاملة ومحاربة الفساد والريع . من شرعية جماهيرية متمثلة في الحراك الشعبي المغربي الذي يعود إليه الفضل في تحريك التاريخ وحشد همم الجميع فيه، وإن كان بنكيران قد اختار أن يبقى بعيدا عن هذا الحراك حتى لا يقال فيه ما قد يقال ولاعتبار ظرفي و سياسي ... لكنه كان يراهن عليه بل انتهزه لتحقيق طموحاته السياسية ومصالحه الشخصية والحزبية. فشرعية انتخابية بحكم ما تحصل عليه حزبه من نتائج في الانتخابات التشريعية لما بعد دستور 2011 الذي أقر في الفصل 2 منه " أن السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها". فهل كان السيد عبد الإله بنكيران في مستوى المسؤولية وتحملها بصدق وأمانة وأخلص في مهامه لدينه ووطنه وملكه أثناء الخمس سنوات التي مضت ومنها تنزيل مقتضيات الدستور الجديد على أرض الواقع وتنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين، والإدارة موضوع تحت تصرف حكومته التي تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات إلى آخر ما ورد في الفصول من 81 إلى 94 . وتفعيل الصلاحيات لما فيه الصالح العام للوطن والمواطنين ؟ وهل عمل ما من شانه أن يضمن امن واستقرار حقيقيين للمغرب على المدى القريب والبعيد مقامين على أسس من الحق والعدل والمساواة والكرامة وعلى توزيع على الأقل مناسب إذا لم يكن عادلا للخيرات بين الجميع بما يجعل كل المغاربة راضين على حقوقهم في دولتهم كدولة حق ومتمتعين بحرياتهم الأساسية في وطنهم كوطن حريات وعلى أوضاعهم الاجتماعية ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم في الشغل والتعليم والصحة وفي الخدمات الضرورية في المدن والبوادي ؟ او كرس جل سنوات حكمه من اجل تصالح الشعب مع المؤسسة الملكية وكان عداء مستفحلا لا أمل في نهايته , مع انه انتهى بعد إجماع الكل على أن النظام الملكي هو النظام المناسب للمغرب , إلا على يد السيد بنكيران الذي كان يعمل في الواقع بكل جهد جهيد لتطبيع علاقته بالقصر وعلاقة جناح حزبه الدعوي التوحيد والإصلاح بإمارة المؤمنين... إلى حد التنازل عن كثير من اختصاصاته في الدستور وتأجيل إصدار الكثير من القوانين التنظيمية لهذا الغرض أيضا , والقول بان الملك هو المسؤول عن كل شيء واليه يرجع الأمر كله مع أن الدستور قد أعطى لكل ذي حق حقه ما للملك للملك وما لرئيس الحكومة لرئيس الحكومة وما للبرلمان أيضا كسلطة تشريعيه للبرلمان بمجلسيه , وفي ذلك فلتتنافس المؤسسات كما تتنافس في الأنظمة الديمقراطية والتي لا مجال فيها للمحاباة ولضياع زمن الشعوب ؟ وقضى اغلب وقته في تبرير تأخر نتائج أعماله أو قل فشله بمبررات لا يقبل المنطق ولا الدستور بها , لان ما لزيد فلزيد وما لعمرو فلعمرو, محملا مسؤوليته للعفاريت وللتماسيح في الغالب وللتحكم أيضا وللفساد كذلك الذي غلب على بنكيران إلى أن وافق على التطبيع والتصالح معه على حساب أمال الشعب في القضاء عليه الذي صار يؤدي الثمن غاليا جراء احتجاجه على الفساد وعلى الجهر بإسقاطه , من قوت يومه بعد ارتفاع أسعار كل المواد من دون استثناء رغم الانخفاض الحاد في ثمن البترول الذي لم يستفد من انخفاضه المغاربة , ومن تدهور شديد في ظروف وشروط التربية والتعليم الذي أضحى يعمل بنكيران في سبيل رفع يد الدولة عنه ليصير الشعب اجهل الشعوب وبالتالي تسهل السيطرة عليه والركوب من فوقه عملا بالقول المأثور للعاجز(كم حاجة قضيناها بتركها ) بعدما كان التعليم تعميمه وتعريبه ومغربته ركن أساسي من الأركان التي أقيم عليها الاستقلال .. ومن الحالة المزرية لقطاع الصحة من حيث المرافق والموارد البشرية والتجهيز وانتشار الفساد والمحسوبية والزبونية فيه رغم الكلام الذي لا يراد منه إلا باطلا عن الراميد حتى أصبح بنكيران يطالب بخوصصة هذا القطاع الحيوي في حياة الشعوب لان الدولة لم تعد لها الإمكانيات للصرف عليه وبذلك يعمم المغرب المرض على المغاربة ( وتهنا الدنيا ) . وفي انتشار البطالة بين أفراد المجتمع التي استقرت في نسبة 8,6 في المائة في المدن والبوادي وفي صفوف الشباب , مما أدى إلى ارتفاع كبير في عدد الفقراء الذي أضحى يعاني من شدته 44 في المائة من المغاربة حسبما صدر في التقرير الاممي عن التنمية البشرية الصادر يوم 28 غشت 2016 بعد ما أكد أن أكثر من نصف المغاربة مهددون بالجوع ... وهي ظاهرة بادية للعيان السيد بنكيران حيث وليت وجهك في أية مدينة ابتداء من الأحياء القريبة منك في باب الحد وفي السويقة وفي باب الرحبة حيث يشاهد رجال في أوضاع محزنة من الفقر والضياع والتشرد وعند أبواب المساجد في كل أوقات الصلاة وفي شارع محمد الخامس حيث المتسولون والمتسولات وأبناء السبيل والمكفوفون والمكفوفات الأرامل بأطفالهن , والى ما لا نهاية في كل مدينة و قرية في الشمال والجنوب. كما هي بادية للجميع ظواهر أخرى كثيرة في العهارة وفي الإجرام وفي الأوساخ والازبال في اقرب حي إلى ابعد قرية...انه مغرب ما بعد دستور 2011 الذي كان أمل جل المغاربة أن يتم القطع بفضله مع كل المظاهر الفاسدة والمشينة في وطننا الحبيب بعدما نصبوك رئيسا لأول حكومة في المغرب وانخرطوا معك من ورائك وأمامك في حزبك ومن خارجه رسميا أو من بعيد بالدعوات وبالقلم وما يسطرون لتبذل قصارى جهدك من اجل النهوض به والخروج بالمغاربة من عهد إلى عهد معتمدا على ما اكتسبته من دينك وعلى ما لك من صلاحيات دستورية لم يسبق أن حظي بها أي وزير أول سابق وعلى الكاريزمة التي تتميز بها تستطيع استغلالها لإقناع أي كان بضرورة الإصلاح لان في الإصلاح كل خير للوطن ولجميع المؤسسات لأنه كالصلح فيه خير للجميع , ولكنك مع الأسف لم تفعل ... فقد فضلت أن تكون خير منفذ لتوصيات صندوق النقد الدولي على حساب شعبك وعلى حساب مستقبل الأجيال بل على حساب المغرب الذي رهنته للمؤسسات المالية التي استدنت منها من اجل الاستهلاك وليس من اجل الاستثمار وتلك هي الكارثة الكبرى. بينما حاولت أن تظهر أمام الكل من المؤسسة الملكية إلى كل الشعب بمثقفيه وسياسييه بشبابه وكهوله وبأصوله المتنوعة وبتاريخه في المقاومة و التضحيات، بمظهر منقذ المغرب من تبعات الربيع العربي وان الفضل يعود إليك في أمنه واستقراره بل صرت والى ألان ترهنهما إلى وجودك دون أن أن تقتنع انك على خطا وتقول أن الفضل يعود إلى الله والى الشعب والملك , لأن الشعب المغربي مجنون بوطنيته حريص كل الحرص على أمنه ومعروف بتضحياته الجسيمة بالروح وبالدم من أجل وطنه بل هو على استعداد دائم لياكل الخبز والشاي على أن يفرط في دينه ووطنه وفي كل سبب من أسباب استقراره وأمنه. وبمظهر ذلك الكريم على الأرامل والطلبة والمعوزين بمنح هم أحق بخيرات وطنهم وكل ثمرات أرضهم بحكم الطبيعة والدستور . ثم ظهرت انك قد خرجت منتصرا على ميكا الشعب مقابل زيرو ميكا عوض أن تنتصر على الفساد وتجعل منه زيرو فساد وفي هذا اجر كبير لك في الدنيا والآخرة . اغلب المؤشرات تثبت أن السيد بنكيران فد اخلف وعده مع التاريخ وانقلب على ربيع المغرب الذي حوله خريفا بعدما صار الجميع يتظلم من تدبيرك لشؤون الوطن من سياسيين ونقابيين الى رجال أعمال وأصحاب مقاولات ومن فقراء ومعدمين إلى موظفين صغار ومتوسطين , علما بأنك لم تحاول أن تكون رئيس حكومة مسؤولا وتنادي الجميع إلى طاولة تتسع للجميع من اجل الحوار الجاد والمخلص للبحث في كل الشؤون سياسية اجتماعية اقتصادية وكل ما يهم الوطن والمواطنين لان الوطن للجميع عوض أن تنزل بالعصا على ظهر من عصى لأنها لن تزيد إلا الطين بله والمشاكل استفحالا وعوض أن تستبد بالرأي و كراهة الرأي المخالف كما قال احدهم . إن الحديث في هذا الموضوع ذو شجون السيد بنكيران خاصة عندما استحضر مواقفك واستعداداتك لانتخابات 07 أكتوبر 2016 ,على قدم وساق وكأنك في حرب حقيقية ضد عدو خارج المغرب وليس من اجل انتخابات سياسية الهدف منها أن يمارس الشعب سيادته بكل حرية ونزاهة لاختيار رجال صادقين من حزب صادق لحكومة ذات مصداقية ببرنامج صادق لا فاسدين فيها ولا كاذبين على شعب هو في أمس الحاجة إلى لقمة عيش كريمة والى حق مضمون والى حرية معقولة ومكفولة إليه أميل وليس إلى أي متحكم هنا أوهناك لأنه لا يهمني شانه البتة بقدر ما يهمني وطن يحضن أبنائي وحاكم أمين عليه وعليهم...لهذا تبقى له بقية.