نص سردي للمصطفى سكم القديس وحورية الماء أمام البحر وهو يعاني من فراغه القاتل ، فراغ أراده بإصرار من يبحث عن الله ليملئه. يتذكر أنه كان دائم الإصرار على تطهير الكينونة من كل الأشياء لتظل نقية تستحق أن تملأ به وإن كان السؤال دائما يحيره هل تتسع له وهو المطلق اللامتناهي وكيف للكينونة أن تتمدد لتسع ما لا يمكن أن يحتوى وهو حاوي الاشياء جميعها ، عنه فاض الكون ، وما الأنا إلا ذرة قاومت إغواء الشهوة متشبثة بالحب وأن الصمت الإلهي لا يزيد الإنسان إلا جحودا و ضلالا. كان يدرك معنى أن يترك الإنسان وحيدا في مرتع الرغبة والشهوة والإغراء وهو يعلم سحر العشق لما خلقه من جمال يمشي على الأرض عار من وقار الفطرة والحياة وفق الطبيعة؛ فآثر رسم صورتها في خياله ؛ حورية بحر تستمد طهارتها من الماء يبحث عنها بين الموج وقد قذف الله نورا في صدره علامة حضورها بادرها القديس : " يكلمني الماء عنك. كل موجة تأتيني بتفاصيل من تاريخي المائي وترسمك حورية بين الموج تظهرين وتختفين...هي جدلية المأساة والملهاة في كتابي المخطوط بزبده ستظل مفتوحة عى الجرح إلى أن يهدر البحر بما فيك لعلني أستريح...وعلى أية صورة كانت " تهمس باستحياء : - "ما أعذب انسكابك وإن خالطت عذوبته مرارة الشك والشكوى..سأرتمي ...بكل شوقي ...ألمي وخوفي..لعلي بها أخالط اكتمالك ايها القديس ...فتندثر كل الأوهام ويسكنك الله ."
- يشكوني نورسي لإلهة الماء. ما عاد يطيق شجني وهو يرى نبضي ينتحر على تموجات يم بدون قرار ..أهمس له : علمني ديكارت ألا أستكين للبداهات ؛ وأن أحفر الماء بأظافري أخدودا للحقيقة الدفينة في جوانك؛ وأن الشك في وجود يحتويك ويغلفك بمظاهره ، شك في حربائية الشهوة ومكر شيطان يسعى لتضليلي وأنا أسائل فيك معدنك النقي الأصيل وروحا شدتني لعالمي الممكن الذي هو أنت..البحر يرق لحالي وموجاته تداعب قدمي الحافية
- تنهدت : " ليتني أستطيع السفر عبر روحك ...أبثها هذا الحنين لتستكين ألسنة التردد..لتبسط أسارير الفرح حولك...أذكرك أنك مادمت منه فلن تموت وانك ملاقيه حين يضج الكون وتلتقطه أنت في صمته " - يخبرني الماء برذاذه على وجه السماء أن روحا وهبت لك حين أقسم توأمك في رحم العطش وخواء الكينونة بأن روحه براقك لسدرة المنتهى تقطفين منها ثمرة اليقين: بألا امرأة اجتاحت كيانه إلا أنت ومن عطرك المفترض يتشمم وجود الله فيك....يحضنني الموج يذرف دمعه وينشدني لازمة بحار لا يمل من تكرارها : حبي لك ليس كأمنية عابرة لصياد يخشى الموج اغرورقت عينا الحورية و ولجت علامة الصمت في سيمفونية البحر، بادرها : " أفترض أن التفاعل مع لازمة البحار لم تجد لها شراعا يعبر بصداها فيك غياب اليم إلي؛ وأن انتزاعه من بين فكي القرش يلح على المغامرة بالحياة إلى حد عتبة الموت؛ لأن الصراع لا يمكنه أن ينتهي به وإلا فلا إمكانية للاعتراف.إذ كيف ينتزع الاعتراف من ميت...الاعتراف يقتضي استسلام طرف للآخر وصراعي مع سمك القرش سيستمر ...قد يعود بخفي حنين...أعرف لكن لا يهم ما دمت قد أعددت قبري بين الصخر قبل الإبحار وإن كنت لن أموت كما تشهدين - أحيانا تضعنا المواقف خارج منطقة ارتياحنا ، خارج زاوية التحكم ..علينا التكيف ..التكيف فقط يصنع الاستمرارية ودونه لا وجود للأنا - الغير - يأتي التكيف بعد الاعتراف المتبادل؛ حينها يتم التوافق عليه بمحددات ما يضمن الاستمرارية ويقوي الارتباط - ما أظننا نحتاج للتأكيد على ما اخترناه بمحض إرادتينا أيها القديس الورع ، اسأل قلبك ؟ - ما عاد الوقت للسؤال بل للاعتراف ؛ فلا تردد فيما اخترته بنور الله المقذوف في خاطري وبعدها بإرادة واعية كلها إصرار على المضي بعيدا وإلى ما لا نهاية حتى وإن ضاعت السبل لأسباب علينا أن نتعقلها - تفهم الأسباب يبقى رهين التجربة وهو أمر صعب جدا في تشابك العلاقات العلية المتحكمة في ما هو باطني وظاهري - الحب أقوى الأسباب المجسد في الشعور بالارتباط القوي بالرغبة في العطاء والإبداع وبالإيثار معيارا للعلاقة مع الغير... تختفي الشمس. وراء اليم شفق في الأفق. البحر هادئ أمامه. لا موج ولا هدير غير بعض المراكب تدخل الميناء ؛ والغروب يرسم بابا يطل عليه من وراء الأفق ..يضيق الباب ، تغرق الشمس في البحر بتوهم فيزيائي و لا يستمر إلا الشفق .. - "الله كم أشتهي لثم الصورة بشفاه العين والروح...تبا للمدى المكسور أمامي " تتأوه وتنام على سرير الموج