بقلم المؤرخ عبد الحميد بريري بدأت الحرب العالمية الأولى وتداعياتها الإقتصادية والإجتماعية والتجارية سنة 1914 تلقي بظلالها على السلطات الإستعمارية ، وخوفا من نفاذ المواد الإستهلاكية الغذائية الخاصة بالإنسان والحيوان التي تنتجها منطقة النفوذ الفرنسي قرر ليوطي ، المقيم العام الفرنسي بالمغرب ، عدم تصدير أي منها للخارج بما فيها منطقة الحماية الإسبانية التي كانت تعتمد بالأساس على منطقة الغرب في ذلك استهلاكا ورواجا اقتصاديا لمرسى العرائش المنفذ الأساس لهم في منطقة نفوذهم (3) . احتجت اسبانيا على هذا الأمر لكن ذلك لم يغير من الواقع ، الشيء الذي جعل معه اسبانيا إلى اتخاذ موقف بوضع مشاكل للواردات الممثلة في الشمع والصابون والقماش القهوة والسكر والشاي الذاهبة إلى مكناسوفاس اللتان تنتميان إلى منطقة النفوذ الفرنسي وبذلك تضرر تجارة المدينتين اللتان كان لتجارهما ارتباط وثيق بميناء العرائش(4) . المقيم العام الفرنسي لم يبق مكتوف الأيدي ، بعدما قرر إنشاء ميناء سمي باسمه بور ليوطي حيث توجد قصبة القنيطرة على نهر سبو سنة 1913 لجعله مركز لإمداد البعثات الفرنسية المقيمة في مكناسوفاس ، نتيجة عجز ميناء المهدية القيام بهذا الدور لصعوبة الرسو به ، عزم على جعل ميناء القنيطرة منافس لميناء العرائش ومحطة أساسية للواردات القادمة من أروبا لحساب تجارة فاسومكناس ، وهو موقع استراتيجي يوجد في طريق الرباطسلا إلى مكناسفاس وتعتبر نقطة بحرية شمالية لمنطقة الحماية الفرنسية أقرب من مرسى العرائش إلى فاسومكناس التي تعتبران المستهلكان الأساسيان لواردات العرائش التي يشكل بها تجار مدينة فاس الفئة الأكثر ارتيادا لمرساها ولهم روابط تجارية مع دول عديدة في أروبا (5) ، حيث لعب قنصل فرنسابالعرائش في هذا التحول دورا هاما في إقناع أكبر التجار والمعشرين بالعرائش هو عمران أمسلم الفرنسي بالذهاب لميناء القنيطرة الذي كانت نصف الواردات تأتي لصالحه ، ثم لحقه المغربي محمد بوصفيحة ومن بعده يهودة كسطييل . كما اقتنع تجار فاسومكناس بنقل وكالتهم وعملياتهم إلى الميناء الجديد مقابل تحفيزات وامتيازات وفرتها لهم سلطات الحماية الفرنسية ، لتتبعهم الوكالات التجارية الأجنبية الموجودة بالعرائش . ونفس التشجيعات التي لقيها الكبار استفاد منها ناقلي البضائع من وإلى العرائش الذين ينتمون إلى الغرب وبني حسن والشراردة إذ أعفوا من ضريبة الحافر ، كلما أنزلوا السلع المجلوبة من فاسومكناس يسلم لهم شهادة من طرف السلطات البلدية للقنيطرة ليعفوا أيضا من نفس الضريبة حين الوصول إلى المدينتين لإنزال الواردات . فضلا عن استفادتهم من قصر المسافة التي تربط فاسبالقنيطرة مقارنة بالعرائش . أصبح بعد هذا ميناء العرائش ، يعرف تراجعا في نشاطه وقد سجل هذا من خلال بعض الوثائق ما بعد سنة 1914 ، رغم الإصلاح الذي عرفته بنيته التحتية الذي قامت به الدولة المغربية ما بين 1911 و 1913 (6) ، بسبب السياسات الإستعمارية الفرنسية والإسبانية التي تنهجها خدمة لمصالحها التي جاءت من أجلها . كما حاولت السلطات الإسبانية إرجاع الرواج لهذه المرسى ، خاصة بعد الأزمة العالمية لسنة 1929 ، باستجلاب الرؤوس الأموال الإسبانية واليهودية ، لكن ذلك بجعل المرسى خادمة للمصالح الإستعمارية ليصبح البوابة البحرية الرئيسية لمنطقة الحماية الإسبانية للتزود بالحاجيات التي توفر الظروف الملائمة لعيش البعثة العسكرية والمعمرين . كما حاول المستعمر الإسباني إبعاد المغاربة عن ممارسة أي نشاط تجاري بها خوفا من نشوء رأسمال مغربي يساهم في بعث أية حركة وطنية مناهضة لهم ولوجودهم بالعرائش والمنطقة (7) ، وهو الذي جاء إليها قبل عقد الحماية ب"روابط تاريخية " من خلال احتلاله لها خلال القرن ال17 فأراد بذلك ربط ماضيه الإستعماري بها . وبالفعل وصلت العرائش ازدهارا اقتصاديا بسبب نشاط المرسى التجاري وبوجود رأسمال إسباني كبير يحتكر الفلاحة والصيد البحري والصناعة المرتبطة بهما واكبه نموا في الميدان الإجتماعي بتوفير عدد من مناصب الشغل ، و نهضة ثقافية بوجود مسارح ودور السينما وجمعيات ومطابع عصرية ورياضية وغيرها من أمور أثبتت أن هناك إقلاعا اقتصاديا في المدينة . لكن ذلك لم يلبث أن زال فور انتهاء الإحتلال وعودة تلك الأموال إلى حيث أتت ، وبالتالي ركود حاد وملموس جر على المدينة البطالة والتهميش والفقر ولا زالت تداعياته تشاهد اليوم . قد نتساءل عن السبب . السبب هو المضايقات التي كان يعرفها المغاربة كما قلنا لعدم قيامهم بأي نشاط اقتصادي بالمدينة واحتكار الأجانب لكل ما يدر الأموال والأرباح حيث جل العمليات التجارية في المرسى والوحدات الصناعية ليست في يد المغاربة وإنما بيد الإسبان واليهود ، أما المغاربة وهم يشكلون شبه أقلية جلهم مهمشين لا دور لهم إلا استعمال جهدهم وطاقتهم لكسب قوتهم اليومي . إذن في نظري أن اجتثات العرائش من مغربيتها ومن امتدادها الطبيعي لها والإثني وتفريغها من كل ما هو مغربي للعب أدوار في تحريك عجلة الإقتصاد بها ، وبفعل اللا ستقرار التي عاشته جراء الأطماع الإستعمارية ، هما السببان الرئيسيان وراء هذا الركود الإقتصادي التي تعيشه العرائش اليوم رغم عراقتها الإقتصاية والتجارية فضلا عن اسباب ثانوية أخرى كغياب الحس الإنتمائي لها ، لدى اغلب ساكنتها ومسؤولييها المحليين والتهميش الذي تتعرض له من طرف الدولة بعد الإستقلال . (1) - القنيطرة ميلاد المدينة والحركة الوطنية 1913/ 1937 ص 34 منشورات سيدي العلمي سنة 1998 (2) ضابط الماني : تسع سنوات في خدمة المغرب تاليف ليوناردو كارو ترجمة عبد الكريم حزل جريدة العلم عدد 18103 و 18111 (3) "مذكرات حول موانئ الشواطئ الأطلسية للمغرب" تقرير أعده القبطان الفرنسي شلومبرك رئيس مخابرات المشاة ضمن البعثة العسكرية الملحقة بالرباط في ماي 1893 وزارة البحرية ادرجها د/ مصطفى مشيش العلمي في كتابه القنيطرة ... ض 11 , وتقرير 25 يناير 1915 من الملازم ميليير للإستخبارات بفاسالمدينة حول " انشاء مركز للأهالي " بالقنيطرة ، الأرشيف الديمبلوماسي ، نانط فرنسا ادرجت في نفس الكتاب القنيطرة ميلاد مدينة ... ص 34 (4) برقية 19 يناير 1915 من المقيم العام إلى الدبلوماسية من خلال كتاب القنيطرة ميلاد المدينةوالحركة ... مرجع أعلاه ص 33 ورسالة مؤرخة في 23 دجنبر 1914 من نائب قنصل فرنسابالعرائش والقصر الكبير إلى المقيم العام المفوض لفرنسا بالمغرب ، كتاب القنيطرة ... مرجع أعلاه ص 33 (5) مذكرات الماريشال ليوطي عن المغرب 1912 الى 1926 نشرها لحسن العسبي في الإتحاد الإشتراكي عدد يوم 14/8/2012 (6) مجلة المليحة العدد الأول سنة 1997 ص : 108 مقال بعنوان " وثائق جديدة حول الرواج التجاري بميناء العرائش خلال فترة الحماية : دراسة وتقديم ذ / عبد اللطيف القرشي (7) مجلة المليحة مرجع سابق ونفس المقال السابق فيها ص : 111 و112