فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البريد والمخزن
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 25 - 06 - 2011

تحت ضغط الاستعمار، تجسد التنافس للسيطرة على التراب المغربي
من خلال العديد من انماط البريد, كيف سيصبح نقل المراسلات رهانا وطنيا.
طيلة قرون تبادل المغاربة الوسائل فيما بينهم ,رسائل شفهية او كتابية, عبر تسليمها لمسافرين, أو «الزطاط» وبالنسبة للرسائل الى الخارج كان يتم تسليمها الى السفن العابرة مع الطلب على أن تصل الى وجهتها بأمان. ومنذ سنوات 1870 كان هناك نظام بريدي جنيني هو نظام الرقاص, اشخاص يقطعون مسافات على الاقدام مقابل اجر يتفاوت حسب المسافة والاستعجال. كانت الرسائل تنقل الى مكان معين، غالبا الاسواق، حيث تكون الرحلات في ايام محددة. وفي بعض الاحيان يتم جمع البريد او الرسائل من مرسليها.
المنافسة الشرسة بين الأوربيين
لكن في القرن 19 كان التجار الأوروبيون الذين بدأوا يستقرون شيئا فشيئا على السواحل المغربية، في حاجة للتواصل مع بنوكهم او شركاتهم او زبنائهم في الخارج، وكانت تنقصهم خدمة بريدية موثوقة في عمق البلاد الذي يرتبط بالسلاح عبر قوافل موسمية, لم يستخدموا نظام الرقاص الذي اعتبروه غير مضمون. وبطبيعة الحال فإن التمثيليات الدبلوماسية هي التي تستقبل اولى مكاتب البريد الاوربية.
وهكذا، في سنة 1852 كان أول مكتب فرنسي للبريد يوجد في قنصلية طنجة برحلات منتظمة عبر السفن نحو مارسيليا ووهران. في سنة 1857 تبعهم البريطانيون [عبر جبل طارق]، وفي سنة 1870 جاء دور الاسبانيين. أما الألمانيون فقد استعملوا منذ 1890 النقل عبر ثلاث شركات للنقل البحري (اطلس OPDS وورمان)
وأمام المنافسة، قررت فرنسا تعزيز خدماتها. وفي فاتح ماي 1887 تحولت و كالة طنجة الى مكتب مداخيل يسيره موظف رسمي. ومابين 1886 و 1902 فتح الفرنسيون 14 مكتبا للتوزيع [كلها مرتبطة بطنجة] اولا في عدة دول ساحلية ثم في المناطق الداخلية للبلاد, كما ان البريطانيين فتحوا 8 مكاتب مابين 1886 و 1907 وكان الالمان اخر من التحق في سوق البريد بالمعنى الدقيق في سنة 1899 وسرعان ما سيطروا عليه، وبعد ان قاموا بدراسة للسوق وبعثوا موظفين في البريد الالماني, فتحوا 7 وكالات يوم 20 دجنبر 1899 منها طنجة كمكتب رئيسي.
خفضوا الاسعار ومنحوا تحفيزات لرقاصيهم، وسرعان ما اصبحوا في المقدمة بعد خمس سنوات فقط، خاصة بالنسبة للحوالات. في كتابه «المانيا والمغرب من 1870 الى 1905» لاحظ بييرغلين ان البريد الالماني في المغرب بعث 1.38 مليون رسالة مقابل 1.13 رسالة بالنسبة للفرنسيين. وامام هذا النجاح، ستفتح المانيا 9 وكالات اضافية حتى سنة 1911.
كانت كل هذه المكاتب تستعمل طوابع الدول الاصلية [ ثم جبل طارق بالنسبة لبريطانيا] التي سرعان ما سيتم ختمها للاشعار بالاستعمال المحصور في المغرب. اغلبها كاد يحمل قيمة مختومة بالبسيطة. وهي تجزئ للريال الحسني العملة المغربية آنذاك. ومع ذلك فإن ازدهار هذه المكاتب البريدية الاجنيبة يشكل شكلا من اشكال المس بسيادة الدولة الشريفية.
وفي غياب بريد وطني، لم يكن بإمكان المخزن الاحتجاج، لكنه سيستغل اول فرصة لانشاء بريده العصري الخاص به.
في البدايات ظلت مكاتب البريد الاجنبية موجهة بالخصوص نحو الخارج ولم تكن تغطي حاجة نظام بريدي داخل البلد.
وفي النهاية ستدخل المبادرة الخاصة الى هذا الميدان، متقدمة على الادارة العمومية في شتنبر 1891 انشأ ابن نائب قنصل فرنسا في مازغان [الجديدة] ويدعى اسحاق برودو، انشأ اول خدمة بريدية خاصة بين مازاغان ومراكش. ووظف رقاصة أشداء قادرين على قطع مسافة 100 كلم الفاصلة بين مازاغان ومراكش في ظرف يومين. محملين بأكياس الرسائل قد يصل وزنها الى 30 كلغ وكانت اول خدمة بريدية تصدر طابعها الخاص تحت اسم »»مازاغان« الى المغرب «[الاسم القديم لمراكش] وكان ثمن الطابع يقدر ب 25 سنتيما من البسيطة الحسنية.
بريد برودو لاقى نجاحا كبيرا الى حد أن وثيرته [التي كانت عند الانطلاقة اسبوعية] تزايدت بسرعة وبالتالي ومنذ شتنبر 1892 انخفضت اثمنة الطابع واصبحت 10 ستنيمات بدل 25 وكدليل اخر على النجاح, تم التخلي عن نموذج طابع سنة 1899 بعدما تمت قرصنته, لكن بالخصوص هذا النجاح الباهر لبريد برودو سيلهم مقاولين اخرين، اغلبهم من الجالية اليهودية, مثلا مدير المدرسة العبرية في فاس مسعود بنسيمون انشأ سنة 1897 خط البريد فاس - مكناس, كما ان العديد من نماذج الطوابع تحمل نجمة سداسية الاضلاع، رمز شجي مفضل لدى الجالية اليهودية. وفي المجموع سيتم احداث 20 بريدا محليا حتى سنة 1906 على طول 6 محاور مختلفة كل بريد يصدر سلسلة طوابعه الخاصة به، صالحة لمسار واحد محدد. واغلب هذه الطوابع لها صلاحية محدودة .[من سنة الىِ 4 سنوات]. بل اقل من ذلك [ 4 اشهر] والبريد الذي استمر طويلا هو بريد برودو [1891 - 1900] وبريد فاس صفرو، وكان بريدا نشيطا بوثيرة رحلة في الاسبوع استمر من 1894 الى 1901 وخط موغادور مراكش 1893 - 1911 وخط موغادور مراكش 1893 - 1911[ الذي أسسه ألماني [ماركس وشركاؤه]
في البداية كانت كل هذه المكاتب البريدية مبادرات خاصة تستجيب في الغالب لحاجيات محددة لشركة معينة. ومن بين المقاولين في هذا المجال كثيرا من التجار وايضا رجلي ابناك اوروبيين امثال جيمس ناهون,بنكي بريطاني في طنجة الذي ابدع من خلال انشاء خط بحري بين طنجة والعرائش سنة 1898 لكن سيكون من السداجة الاعتقاد بأن جنسية اصحاب هذه المكاتب البريدية غير مهمة في الوقت الذي كان التراب المغربي مسرحا لمنافسة شرسة بين عدة قوى لها مطامح استعمارية معلنة .[بريطانيا ، فرنسا، اسبانيا، المانيا وبدرجة اقل ايطاليا والبرتغال]
في بعض الحالات الانتماء بارز جدا، شخص ينظم الى مكتب بريد اجنبي او إلى دبلوماسي, وهكذا فإن توقيع اتفاق بين البريد الفرنسي وشركة غوتش وشركاؤه (الفرنسية) هو الذي ادى الى انشاء خط طنجة - فاس سنة 1892 مدير البريد الانجليزي ارتبطت بنائب القنصل الايطالي سنة 1987 من اجل منافسة برودو من خلال فتح خط بين مازغان ومراكش. وفي المجموع, يمكن احصاء 10 مكاتب تحت» النفوذ» الفرنسي، و 6 تحت النفوذ الاسباني ومكتب واحد لكل من بريطانيا والبرتغال والمانيا. وكل دولة كانت تحتاط من خدمات الدول الاخرى وتريد نقل بريدها من البداية حتى النهاية.
واذا أضفنا الشبكات البريدية الاربعة الاجنبية رسميا يمكن ان نفهم تعقد وتشابك و ضعية البريد المغربي في بداية القرن 20 ومع مختلف هذه الطوابع البريدية المتداولة.ليس مفاجئا ان يهتم هواة جمع الطوابع والادوات البريدية بالمغرب خاصة وان المغرب لم يكن عضوا في الاتحاد العالمي للبريد ]UPU[ الرسائل الموجهة الى الخارج يجب أن تسلم إلى البريد الأجنبي الذي يتم الختم بطوابعه الخاصة وكانت تسمى هذه العملية »الختم المشترك,« غير أن مكاتب البريد المحلية ستختفي خلال أقل من 20 سنة،
إما لأنها لم تكن مربحة وإما ابتلعتها شبكات البريد الأجنبية .[مثل خط بريد بيردو والذي بيع لفرنسا سنة 1900] وآخر مكتب بريدي محلي أغلق أبوابه سنة 1911.
السلطان يريد بريده الخاص
السلطان مولاي الحسن الأول، الذي تابع ازدهار أول بريد خاص، لاحظ الإمكانيات الاقتصادية الهائلة لهذا القطاع، فالمراسلات ازدهرت كما ازدهرت التجارة، وكل هذه الأختام كانت موارد مالية ضائعة على خزينة المخزن. والمثير أكثر هو الرهانات السياسية، وبرد فعل هوياتي، كان بعض الأعيان لا ينظرون بعين الرضى لهذه المكاتب الأجنبية, بل إن شريف وزان منع على المؤمنين استعمال خطي البريد القصر - وزان اللذان دشنا سنة 1896.. أما المخزن فقد كان يعرف جيدا أن الإرسالية هي المعلومة. ومولاي الحسن لا يمكن أن يقبل فقدان السيطرة على المراسلات فوق ترابه. ومنذ السنة التي أنشأ فيها بريد برودو اتخذ قراره: اقترح شراءه .. لكن الفرنسي رفض لأنه لم يكن يريد التخلي عن شركته الصغيرة المزدهرة.
رغم ذلك، سيقلده الحسن الأول, وهكذا نظم ظهير 22 نونبر 1892 أول بريد شريفي موحد الذي يسمى غالبا «بريد المخزن« «في 13 مدينة تم تعيين مدير جهوي [أمين] يتمتع باستقلالية مالية. في المدن الساحلية كان يتلقى 5% من الرسوم الجمركية المستخلصة من المعاملات التجارية في الموانئ، وفي المدن الداخلية 5% على المستفدات [ممتلكات الدولة] مثل الأسواق الأسبوعية والمجازر. وكان الأمين مكلفا بتحصيل الحقوق البريدية وأداء أجور الرقاصة والموظفين وكل ستة أشهر يدفع ما تبقى إلى خزائن المخزن.
سيتكلف حوالي 30 رقاصا بخدمة المدن الثالثة عشر من خلال 8 مسارات تتخلل أهم الطرق التجارية، - الرباط - الصويرة، الرباط- مراكش، الرباط - تطوان، الرباط - فاس، الصوير - مراكش، مكناس - فاس، فاس - تطوان، العرائش - القصر الكبير ، والظهير المؤسس مثير من حيث دقة الوتيرة، وأيام الأسبوع التي يجب أن يسافر فيها الرقاص وكذا الآجال التي يجب احترامها، وهكذا سنعلم مثلا بأن »أمين فاس سيتكلف برحلة إلى طنجة كل أيام الاثنين والخميس، حاملا الرسائل الموجهة الى القصر والعرائش وطنجة وتطوان، وسيعود الى فاس حاملا ر سائل موجهة إلى فاس والقصر، حيث سيحمل أيضا الرسائل الموجهة الى فاس ومكناس. آجال الطريق من فاس الى طنجة - محددة في خمسة أيام، والعودة يجب أن تتم في اليوم الموالي. والانطلاق من طنجة سيتم كل ثلاثاء وسبت« وعلى الرقاص أن يقطع 50 كلم في اليوم طيلة 5 أيام متتالية ويعود في اليوم الموالي, وكل ذلك في طرق وعرة وخطيرة.
وبدل الطوابع اختار الظهير القوة الرمزية للخاتم, العلامة التاريخية للسلطنة، كل واحد من المكاتب الثلاثة عشر يتوفر على »خاتمين مخزنيين,« واحد دائري مخصص لحقائب الرقاصة وآخر مخصص للرسائل - باستثناء أنه لم يستعملا كذلك, كما أنه تستعمل 6 ألوان من الحبر, الحجري, الأسود، الأزرق، الأحمر، الأخضر، والليموني، والمزج بين اللون والشكل ربما شكل شفرة مخصصة لمساعدة الرقاصة الأميين, لكن المختصين[ليس المؤرخين ولكن الهواة المولعين] لم يفكوا حتى الآن رموز هذه الشفرة[ كل أمين، يضيف الظهير, يضع داخل كل حقيبة، ورقة تشير الى عدد الطرود المرسلة. وأمين مكاتب المحطات يأخذ الرسائل الموجه إليه ويؤشر في الورقة كما يضيف عليها عدد الرسائل الموجهة من مكتبه التي يسلمها الى الرقاص [...] أما بخصوص تعريفة الرسائل فإنه محدد كالتالي: الرسائل التي تزن نصف أوقية تؤدي السعر الادنى أي 8 موزونات [بالوحدة التعريفية للريال الحسني] وحتى حدود أوقية: 15 موزونة، وحتى وزن أوقية ونصف 24 موزونة [...] ورواتب الرقاصة يحددها أمين كل مكتب ويتعهد الرقاصة بعدم التكفل بنقل رسائل الخواص التي لا توضع في الحقيبة، ومن يخالف هذه القاعدة سيعاقب وفقا لذلك«.»
للأسف، سرعان ما عانى بريد المخزن من غياب الانضباط من جانب المدراء الجهويين .[الأمناء]. ولم يستطع منافسة بريد الأجانب المزدهر الذي يسلك أكثر فأكثر طرقا مشابهة. ولتفادي تجاوزه، قرر المخزن إعادة تنظيم خدمته البريدية بشكل عصري. وفي يناير 1911، عهد بهذه المهمة للفرنسي صامويل بنيارناي الذي جمع مختلف المصالح- المغربية تحت اسم الإدارة الشريفية للبريد والتلغراف والهاتف. وسيلحق بيارناي بالمغاربة موظفين فرنسيين مختصين في البريد ويعوض الرقاصة الذين يمشون على الأقدام، بمراسلات يومية بواسطة الخيول.
وينص ظهير إعادة تنظيم خدمات البريد لسنة 1911 [وقعة مولاي عبد الحفيظ] أيضا على شيء جديد ومهم بالنسبة للخدمات الدولية: والطابع الشريفي الأول حمل صورة الزاوية العيساوية لطنجة, لكن للأسف في الوقت الذي كانت هذه السلسلة تطبع في [فرنسا] وصتدر في المغرب... كان تاريخ 22 ماي 1912 قد حل. فات الأوان ومعاهدة الحماية وقعت يوم 30 مارس. وما كان سيصبح الرمز الثالث لسيادة الأمة [بعد العلم والعملة] سيبقى شيئا مشير للهواة. إصدار طابع في الوقت الذي تعد البلاد تتمتع بسيادتها...
الوضعية السياسية الجديدة كانت لها انعكاسات فورية على البريد، بتاريخ 1 أكتوبر 1913 أندمج البريد الشريفي مع المكاتب الفرنسية [باستثناء طنجة] ليولد المكتب المغربي للبريد والتلغراف والتلفون, وكنتيجة للحرب العالمية الأولى و الاتفاقيات بين القوى الاستعمارية، بدأت وضعية البريد تتضح شيئآ فشيئا, ومنذ 9 غشت 1914، اغلقت المكاتب الألمانية ,لكنها استمرت حتى 1919 في الجانب الاسباني, يوم 1 غشت 1915 تم إلغاء مكاتب البريد الاسبانية في منطقة الحماية الفرنسية, نفس الشيء بالنسبة لمكاتب البريد البريطانية في منطقة الحماية الفرنسية حتى سنة 1938.
بقي مشكل أمام المستعمر يتعين حله وهو مشكل الطوابع، وهو مشكل ليس بالهين أو البسيط, فهذه الطوابع التي ترسل الى العالم أجمع ,والتي يطاردها ويتتبعها بلهفة هواة جمع الطوابع البريدية, هي أفضل سفراء للأمم. لكن أيضا لمستعمرات القوى الاستعمارية، مثلا في الجزائر، أصدر الفرنسيون طوابع تتضمن رموزهم الوطنية, لكنهم كانوايعرفون أن عليهم مراعاة فخر وكرامة المغاربة الذين هم رسميا فقط تحت الحماية.
والطابع الشريفي الوحيد لسنة 1912 سيستعمل حتى سنة 1913[ 1917 في طنجة] قبل أن يتم تعويضه بطوابع المكاتب الفرنسية. ومنذ 1902 كانت هذه الطوابع تتضمن كلمة المغرب الى جانب الرموز الفرنسية. رغم أنه في سنة 1914 كانت هذه الطوابع مدموغة.
بعبارة «»الحماية الفرنسية»وهي طريقة محتشمة لكنها واضحة لتمييز التراب, وفي سنة 1917 فقط ستظهر الطوابع النهائية للحماية التي وضع تصورها المقيم الجنرال ليوطي لتهدئة المغاربة، فلم تكن تحمل أية إشارة لفرنسا بل فقط كلمة «»المغرب« «بالفرنسية والعربية رسمها الرسام المستشرق جوزيف دولانيزيير، جسدت هذه السلسلة 6 مآثر كلها بنيت في حقب ذهبية من تاريخ المغرب مثل المشور الكبير لفاس [في عهد المرينيين] صومعة حسان بالرباط [يعقوب المنصور] أو باب المنصور بمكناس [مولاي اسماعيل]، نفس الأمر في منطقة شمال المغرب حيث استعمل الاسبانيون في البداية طوابع اسبانية مدموغة بعبارة »الحماية الاسبانية في المغرب«، لكنهم اختاروا سنة 1928 إصدارات مماثلة لإصدارات الفرنسيين، بل يمكن أن نرى في ذلك نوعا من المنافسة وطوابع الاسبانيين كانت لها مواضيع أقل »استشراقية« ومرتبطة أكثر بالمعيش اليومي وبالتقاليد.
أما بخصوص نقل الارساليات فقد بدأ يعرف عصرنة شيئا فشيئا، وتأسست مصلحة للطرود البريدية ابتداء من 1 مارس 1916 وبدأ استعمال السيارات للنقل أكثر فأكثر، وبدأ مكتب البريد يبرم الصفقات أيضا مع شركات النقل, وفي سنة 1924 دشن ليوطي أول نقل للارساليات عبر السكة الحديدية، لكن في المناطق النائية استمر اللجوء إلى الرقاص الذي يستعمل الحصان أو الذي يمشي على رجليه لمدة أطول. بالنسبة للدولي ظلت البواخر والسفن تنقل أغلب الارساليات, لكن وقعت ثورة صغيرة يوم 12 مارس 1919 عندما نقلت شركة لاتيكوير أولى الرسائل من الدار البيضاء نحو تولوز بفرنسا. وفي سنة 1920 انضم بريد المغرب إلى الاتحاد العالمي للبريد ]UPU[ ولكن حتى تتوقف كلمة «»المغرب«« على الطوابع البريدية، أن تكون كذبة مهذبة كان لابد من انتظار سنة 1956.
زوي دوباك
عن مجلة زمان عدد يونيو 2011
الرقاص: (ساعي بريد النخبة)
«»الرقاص»« إسم كان يطلق على «»المرسول الخاص»«، وهو أكثر سرعة من البريد الشريفي، مكلف بنقل الرسائل المستعجلة من طنجة إلى إقامة السلطان... هؤلاء المغاربة، وكانوا في الغالب من الزنوج أو الملونين وغالبا ما كانوا يتوفرون على قامات تفوق المعدل، ويقطعون مسافة 280 كلم الفاصلة بين طنجة وفاس العاصمة في مدة 3 أيام. وفي بعض الأحيان أقل من ذلك. كانوا دائما يقطعون المسافة سيرا على الأقدام، يسيرون ليلا ونهارا بخطوات سيقانهم الطويلة، مسلحين بعكاز طويل يستعملونه لقياس عمق الأودية التي يعبرونها سباحة ,لايتوقفون في أي مكان ولا يطلبون اللجوء من أحد. وفي سيرهم كانوا يأكلون كسرة خبز وبعض التمور وبعض السمن. أكدوا لي أنهم يقطعون هذه الرحلة لمدة 3 أيام دون نوم ولو ساعة... أغلبهم يموتون في سن مبكر، ورأيت بعضهم يسقط بعدما سلمني الرسالة[ملفوفة في خرقة ثوب مصبوغة لمقاومة الأمطار وعبور الأودية] غير أنهم لا يسقطون إلا بعد أن يسلموني الرسالة.
وفي نفس الوقت ورقة موقعة ومؤرخة كتب عليها مرسلها.»
هناك اتفاق على أنه إذا وصل الرقاص...[الفلان الفلاني] إلى فاس في اليوم الثالث قبل هذه الساعة، سيحصل على أجر إضافي من الدوروات» وبعد أن يتسلم مستحقاته يتمدد على حصير وينام في بعض الأحيان طيلة 48 ساعة متواصلة.
مقتطف من كتاب: »اعتراف الكونت شارل دوسانت أولير
سفير فرنسا في المغرب في سنوات 1900


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.