بعد أن جابت البحر الأطلسي والسواحل الريفية، عانت البحرية المغربية، رغم جهود محمد الثالث والحسن الأول، من عدة تدخلات وضغوط من طرف القوات المستعرة أضعفتها، خصوصا بعد مؤتمر مدريد (1880). وقبيل الاستعمار، لم يكن المغرب يحوز سوى على أربعة «بابورات» حاز عليها المغرب بصعوبة من السواحل الفرنسية والإسبانية. لقد أراد الحسن الأول أن يزود المغرب بأسطول بحري عصري لأربعة أسباب، ومنها تمكينه من الدفاع بشكل أفضل عن سواحل المغرب، التي كانت تتعرض لقصف وهجوم، بدون حسيب أو رقيب، من طرف الأساطيل الأوربية، التي كانت تلجأ إلى أعمال القرصنة، وثانيا إقامة مشاريع تجارية من أجل استرجاع أموال المخزن، وثالثا لتسهيل التنقل من شمال البلاد إلى جنوبها، لاستتباب الأمن والاستقرار، وأخيرا تحسين مستوى عيش الساكنة التي كانت تعاني من الفقر والجوع. كان امتلاك أسطول بحري عصري آنذاك أمرا لا مفر منه، خصوصا بعد الاستعمار الجزائري سنة 1830 وبعد هزيمة واد إسلي (1844) لكن بعد 1870، عرف الحسن الأول كيف يستفيد من الهزيمة الفرنسية أمام بروسيا، للتقدم بطلبيات إلى ألمانيا وإيطاليا، في وقت كانت فرنسا مستضعَفة على المستوى العالمي. لكن علما منه أن إنشاء أسطول بحري عصري هو أمر يتطلب وقتا طويلا، ترك الحسن الأول الفرنسيَّ نيكولا باكي، المتواجد في المغرب منذ 1862، يستغل الخطوط البحرية المغربية للاستفادة من بحرية تجارية. وبالفعل، وبصرف النظر عن مشاكل التمويل التي سُجِّلت في هذا الصدد، فقد كان يتعين تكوين أطر مغربية مؤهلة للإبحار العصري. وقد تم بالفعل إرسال مغاربة إلى ألمانيا إيطاليا وإنجلترا لهذا الغرض، لأن المغرب لم يتمكن من تكوين بحار مؤهلين. «الحساني» كان الأسطول المغربي قبيل الاستعمار يعد بأربعة «بابورات» (سفن بخارية وشراعية) كان لها كذلك استعمال عسكري وتجاري. ويتعلق الأمر هنا ب»الحساني» و»بشير الإسلام» و»سيدي التركي» و»التريتكي». وتعتبر باخرة «الحساني»، وهي مسماة على اسم مالكها، أول باخرة مغربية تعمل بالبخار تم اقتناؤها من ليڤربول في إنجلترا وتم تسليمها للمغرب سنة 1882. وقد كانت هذه السفينة تتمتع بتجهيزات إنجليزية ودنماركية. ومن أجل الاحتفاء بخروج البحرية المغربية التي تعتمد على البخار إلى النور، تم إدراج كلمة جديدة في الدارجة المغربية وهي «بابور»، مأخوذة من الكلمة الفرنسية الأصلية «ڤابور» (vapeur). «سيدي التركي» ثاني باخرة وهي «سيدي التركي» مزودة بمسدسين «كروب». تم اقتناؤها من ألمانيا في 1891، وكان يعمل فيها موظف ألماني وكانت تبحر تحت قيادة ميتزنر، الذي خلفه القائد كيروي. وقد دوَّن هذا القائد الألماني المتمرس مذكرات بخصوص مسيرته وحياته العملية في البحرية المغربية الشريفة. وتجدر الإشارة إلى أن اسم هذه الباخرة هو تكريم للحاج سليمان التركي، وهو رئيس فرقة المدفعية، حيث كان وراء إنشاء مدافع الرباط التي استرجعوا بفضلها مدينة الجديدة من البرتغال في 1768. «التريتكي» ثالث باخرة صغيرة تزن 18 طنا وكانت تُستخدَم في إيصال مدافع «كروب» إلى حصن الرباط. كانت هذه الباخرة ترسو في العرائش ويرجع اسمها إلى أميرال أمازيغي. كانت مهمة «الحساني» و»سيدي تركي» هي تزويد المراكز المتواجدة في السواحل الشمالية و»رأس جوبي» ونقل الجنود إلى الريف أو إلى سوس، وهي مناطق يصعب الوصول إليها برا. «بشير الإسلام»
رابع باخرة هي «بشير الإسلام» وتزن 1100 طن. دخلت هذه الباخرة إلى ميناء الصويرة في نونبر 1877، وتبيَّن أنه بعد أول إرسالية قامت بها بعد مؤتمر 1880، قامت القوات الاستعمارية بفرض حظر تكنولوجي على المغرب، لكي تمنعه من إنشاء أسطول بحري، على غرار الحظر الإنجليزي الذي منع فرنسا من الباخرات خلال الحروب النابليونية.وأهم ما يميز هذه الباخرة (بشير الإسلام) هي أنها سلمت 20 سنة بعد طلبها و10 سنوات بعد الاتفاق على تسليمها و5 سنوات بعد أداء تكلفتها و3 سنوات بعد وفاة الحسن الأول. وقد عملت القوى الاستعمارية (فرنسا وإسبانيا) جاهدة لكي لا يتم تسليم هذه الباخرة، مع العلم أن المغرب آنذاك لم يكن يتوفر على أطر مؤهلة للإبحار ولم تحبذ القوى الاستعمارية أن يكون لباخرة «بشير الإسلام» طاقم إيطالي. وهكذا أرسل المخزن ما يقارب 50 شابا مغربيا إلى إيطاليا لكي يتلقوا تدريبا هناك. وبهذا حلت هذه الباخرة، التي كانت تحت قيادة ألماني وتعمل بطاقم مغربي، بميناء الصويرة، إلى جانب باخرتي «الحساني» و»سيدي تركي». وقد سبق أن رفضت إيطاليا تسليم هذه الباخرة لبحارة إسبان وفنزوليين... المغرب قبل الاستعمار : 1793: منعت القوات الأوروبية السباق 1873 1894 عهد الحسن الأول 1877 طلب باخرة من إيطاليا تحت اسم «البشير» 1880: مؤتمر مدريد حول امتيازات الرأسمال الأوربي في المغرب 1882: شراء باخرة تحت اسم «الحسن» من ليڤربول 1891: شراء باخرة «سيدي التركي» من ألمانيا 1894-1908: الوصاية على با أحمد وتولي عبد العزيز الحكم.
التجارة الخارجية المغربية : الصادرات: الصوف والجلود وزيت الزيتون والحبوب والشمع والصمغ العربي ولحوم الأبقار وريش النعام. الواردات: القطن والحرير والسكر والشاي والحديد والصلب والذخيرة.
تاريخ الإبحار : 1806: أبحر الأمريكي روبير فيلتون بباخرة في «السين» في باريس 1819: قامت «سافانا»، وهي باخرة أمريكية، بعبور الأطلسي 1832: أطلقت «إيرونسيد»، وهي أول باخرة حديدية، في إنجلترا
طنجة كانت أكثر المدن المغربية تطورا في وسائل الاتصال اللاسلكي مقارنة مع مدن أوربية عندما اكتشف المغاربة لأول مرة خدمات البريد والاتصال : بعد أن نجحت تجربة خدمة البريد، التي أطلقها ابن القنصل الفرنسي في الجديدة، قام مولاي الحسن الأول بإطلاق خدمات «الرقاص» يوم 22 نونبر 1892، بموجب ظهير شريف، وكان هذا «الرقاص» هو البذرة التي ستتطور في ما بعد لترى خدمات البريد الحديثة النور. وقد كان هذا الظهير الحساني ينظم خدمة بريد المخزن في 13 من مدن المملكة هي تطوانوالجديدة وطنجة والقصر الكبير والعرائشوفاس ومكناس والرباطوالدارالبيضاء وأزمور وآسفي والصويرة ومراكش. قبل صدور هذا الظهير، كانت فئة قليلة من الناس تملك خطوطا بريدية خاصة وكانت معظم هذه الخطوط تخدم التجار الأجانب الذين كانوا مستقرين في أكبر الموانئ المغربية. وقد كان «الرقاص» هو الذي يسهر على هذه الخدمة. كان يطلق على المكلفين بالبريد الشريف اسم «أمناء» وكانوا يسهرون على إرسال واستلام هذه الرسائل وقبض رسوم البريد، مقابل ختم هذه الرسائل. وقد ظهر أول طابع بريدي رسمي في المغرب سنة 1912. بعد قيام «أمناء» البريد بختم هذه الرسائل، كانوا يسهرون على عملية فرزها وتصنيفها، كما كانوا يعطون «الرقاص» مستحقاته من أرباح الضرائب ويرسلون الباقي كل ستة أشهر إلى خزينة الدولة. كان «الرقاص» يتقاضى أجره من التجار القائمين على هذه الإرساليات عن كل إرسالية وحسب المسافة التي يقطعها والمدة الزمنية التي يستغرقها. وحسب بيير لوتي، فقد كان «الرقاص» يتقاضى 20 فرنكا لقطعه مسافة طنجة -فاس في مدة ثلاثة أيام، وكانت هناك أوقات محددة ومكان معين يتوجه إليه الناس الراغبون في الاستفادة من هذه الخدمة، إلا أنه في البرقيات المستعجلة كانت هناك بعض الاستثناءات، إذ ترسل خارج المواعيد المحددة. كانت هذه الرسائل توضع في أكياس من الدوم، أما الخطابات الملكية فقد كانت تنشر على لسان مرسولين يتنقلون في المدن والأسواق والقرى الصغيرة، لنشرها على مسامع الناس. وقد كان هؤلاء المرسلون ينقسمون إلى ثلاثة أنواع: «الرقاص» و»الجراي» و»البراح»، وكان هذا الأخير يتجول ويصيح بأعلى صوته في الأزقة، ليوصل الرسائل الملكية (إعلانات الحرب أو زيارات ملكية أو ولادة أو زواج أو حالة وفاة... إلخ). الاتصالات السلكية منذ 1880، كانت «إيسترن تيليغراف كومبني» تربط طنجة بجبل طارق بواسطة أسلاك بحرية. وفي 1907، سمح مولاي عبد العزيز لفرنسي يدعى هنري بورب بتثبيت أجهزة سلكية في أربعة موانئ مغربية، وعمل هنري وشريكه ديكريتي على توسيع دائرة اشتغالهما لتصل إلى وجدة، بعد أن تبثا هذه الأجهزة في كل من الرباطوالدارالبيضاء، لكن هنري، الذي كان يتحرك وفق إشارة ليوطي، لم يعلم المخزن بتثبيته هذه الأجهزة السلكية في وجدة التي تعتبر الحدود الفاصلة بين المغرب وجزائر فرنسا آنذاك. بعد الاحتجاجات التي شهدها المغرب في تلك الفترة، قرر بورب التراجع عن مشروعه، لكن بعد اغتيال الدكتور موشون، احتل ليوطي وجدة وأدخل التلغراف هناك . وانطلاقا من هذه المدن الأربعة، سوف يلعب اختراع صامويل مورز دورا حاسما، بعد سقوط منطقة الشاوية، الأكثر غنى في المغرب. لقد كانت القوات البرية التابعة للجنرال دريد تعتمد على خدمة الإرسال اللا سلكي، التي كانت تربط الجنود بمراكز قيادتهم. كانت الرسائل تبعث عن طريق رموز للاتصالات السلكية واللا سلكية على أساس الأبجدية، إلا أن هذا البرنامج كانت له عدة جوانب سلبية، حيث كان يتطلب بنية تحتية وازنة من الأعمدة الخشبية وعوازل من الخزف الصيني وأسلاك برونزية فوسفورية وكابلات بحرية ومجموعة من المهندسين والعمال والمصلحين وحراس الخطوط، وبالتالي كان يتعين العمل بشكل دؤوب على جميع الخطوط، أينما كانت، الشيء الذي كان مستحيلا إبان الحرب، فحماية هذه الخطوط كانت عملية شبه مستحيلة في بلاد غير معروفة. الاتصالات اللاسلكية وعيا منها بأهمية وسائل الاتصالات في تفعيل خطط استعمارها، قامت فرنسا بإدخال وسائل الاتصالات اللاسلكية إلى المغرب. وبالفعل، وبفضل التطور الكبير الحاصل في مجال فيزياء الموجات عند العديد من الفيزيائيين (ماكسويل، هيرتز، تيسلا، برانلي، ماركوني، بروبوڤ وغيرهم (كان من الممكن بعث رسائل إلى أماكن بعيدة، دون اللجوء بالضرورة إلى وسائل الاتصال السلكي الثقيلة، كما كان عليه الحال في 1838. وبهذا وإبان معركة الشاوية، تم ربط اتصال لا سلكي ناجح بين باريس والدارالبيضاء. وفي سنة 1907، تم ربط اتصال لا سلكي بين الدارالبيضاء وأوربا، حيث كانت الأخبار تُنقَل بالبريد إلى طنجة. كانت طنجة آنذاك أكثر تطورا من العديد من المدن الأوربية، إذ كانت تملك مركزا للاتصال اللا سلكي، تابع لشركة بورب وديكتيتي الفرنسية، وكان سعر البرقية الواحدة 0.50 فرنك فرنسي. كما تم إنشاء مركز للاتصالات اللا سلكية في الدارالبيضاء وتحديدا خارج «السور الجديد». وقد كان لإنشاء الاتصالات اللا سلكية أثر كبير في انفتاح مدينة الدارالبيضاء على العالم. وبما أن قطاعا حيويا وإستراتيجيا كهذا لم يكن من المقبول تركه للخواص، بعد أن رخص لبروب وشريكه ديكريتي بإنشاء مركز للاتصالات اللا سلكية في الرباط، فقد قام السلطان مولاي عبد العزيز في 1907 بأخذ كل معدات ومراكز الاتصال اللا سلكي التي وضعها كل من بروب وديكريتي وأنشأ الشركة المغربية للبرقيات سنة 1908. وفي نفس الصدد، قام المخزن باتباع سياسة الاحتكار، حيث أسس أول إدارة للبرقيات الشريفة، والتي رأت النور سنة 1908. كما قام المخزن بإبرام عقد مع بروب، بصفته مهندسا ليسهر على تدبير هذه الإدارة. ويشار إلى أن هناك زنقة في الرباط تحمل اسم بروب، تكريما لشخصه. الاتصالات الهاتفية قبل دخول الفرنسيين، تم إطلاق أول خط هاتفي في طنجة سنة 1883 من طرف الاسباني إيميليو روطوندو، والذي ثبّت ثلاثة هواتف في طنجة، واحد في منزله واثنان في منزلي صديقيه. كما تم وضع جهاز لتحويل المكالمات في طنجة. وقد شهد عدد المشتركين في هذه المدينة المطلة على أوربا تزايدا، وقبل 1913، كانت الشبكة الوحيدة التي توجد خارج طنجة في وجدة، والتي كانت موصولة بالشبكة الجزائرية. ومع تزايد حضور الاستعمار الفرنسي في المغرب، توسعت هذه الشبكة لتعم جميع مدن المغرب، بتدرج وحسب الأهمية الإدارية والتجارية للمدينة، وبهذا دخل الهاتف في مدينة الدارالبيضاءوالجديدةوالرباطوفاس ومراكش، ليشمل في ما بعد جميع المملكة. ومع ذلك، فلم يصبح الهاتف منتشرا بشكل كامل في المغرب إلا بعد دخول الهاتف النقال. ويشار إلى أن ألكسندر غراهام بيل (3 مارس 1847 -2 غشت 1922) كان أحد العلماء البارزين والمبتكر الذي يرجع إليه الفضل في اختراع أول هاتف عملي. أما الهاتف النقال فقد ابتكره مارتن كوبر، وهو أمريكي مُنِح شهادة بكاليورس في الهندسة الكهربائية من معهد إلينوي للتكنولوجيا عام 1950 وحصل على درجة الماجستير من المعهد ذاته عام 1957.