شهد المغرب في السنوات الأخيرة ظهور ظاهرة جديدة في عقود الزواج تتمثل في "مؤخر الصداق"، وهو مبلغ مالي يتم الاتفاق عليه بين الزوجين، ويتم دفعه فقط في حال وقوع الطلاق. ورغم أن هذا الإجراء يمكن أن يُنظر إليه كضمانة مادية للمرأة في حالة الانفصال، إلا أنه تحول في بعض الحالات إلى عامل جدلي، يؤدي إلى نزاعات قبل أو بعد الزواج. كيف تُطرح الفكرة؟ تبدأ القصة غالباً بمحادثات عادية بين الطرفين حول الصداق والخاتم وحفل الزفاف، ويتم الاتفاق على كل التفاصيل. ولكن المفاجأة تأتي عند التوجه إلى العدول لتوثيق العقد، حيث تطلب العروس فجأة إدراج مبلغ كبير كمؤخر صداق، يتراوح في بعض الحالات بين مليون وسبعة ملايين سنتيم. الزوج يجد نفسه أمام خيارين صعبين: القبول بالمبلغ، رغم أنه لم يكن في الحسبان، إما تجنباً للإحراج أو لرغبته في إتمام الزواج. الرفض والمواجهة، مما يؤدي إلى خلافات قد تصل إلى إلغاء الزواج. هل هو ضمان أم سلاح مادي؟ بينما يعتبر مؤخر الصداق حقاً مشروعاً يضمن للمرأة أماناً مادياً في حال الطلاق، فإن بعض الحالات تكشف عن استغلال هذا البند بشكل مفرط. بعض النساء يضعن مبالغ تعجيزية تجعل الطلاق مستحيلاً إلا بعد دفع المبلغ كاملاً. في حالات أخرى، يتم إدراج مؤخر الصداق كوسيلة مادية لخداع الزوج والحصول على مبلغ كبير بعد الانفصال. انعكاسات الظاهرة على مؤسسة الزواج ضغط على الأزواج الجدد: يجد الأزواج أنفسهم مقيدين بمبالغ مالية ضخمة تجعلهم يترددون في اتخاذ قرار الطلاق حتى لو أصبح الحل الأمثل. تشويه القيم الأساسية للزواج: التركيز على الجوانب المادية في الزواج يُضعف أسس المحبة والمودة والرحمة التي يجب أن تكون ركيزة العلاقة الزوجية. إضعاف الثقة بين الطرفين: إدراج مؤخر صداق كبير قد يعكس شكوكاً ضمنية حول استمرارية الزواج، مما يؤدي إلى توتر العلاقة. الجانب القانوني والاجتماعي القانون المغربي يضمن للمرأة حقوقها المادية في حالة الطلاق، ولكن هذه الحقوق قد تتحول إلى مصدر خلاف إذا لم يتم الاتفاق المسبق عليها بشفافية. من جهة أخرى، هناك حاجة لتوعية الشباب المقبلين على الزواج بأهمية مناقشة جميع البنود المتعلقة بالعقد مسبقاً، لتجنب أي مفاجآت. كيف يمكن تجنب المشاكل؟ الشفافية: مناقشة كل تفاصيل العقد قبل التوجه إلى العدول. التفاهم المتبادل: بناء الزواج على أسس من الثقة والاحترام بعيداً عن المصالح المادية. التوازن: تحديد مؤخر صداق معقول يعكس قيمة معنوية وليس أداة ضغط. الخلاصة بينما يبقى مؤخر الصداق حقاً شرعياً، فإن الإفراط في المطالبة بمبالغ تعجيزية يحوّله إلى عامل تدمير لمؤسسة الزواج بدلاً من حمايتها. يبقى الحوار الصادق والاتفاق المسبق الطريق الأمثل لضمان زواج مستقر يقوم على أسس المحبة والمودة الحقيقية، بعيداً عن النزعة المادية التي باتت تهدد قيمة الزواج في مجتمعاتنا.