ليس من شأن الفلسفة أن تدافع عن أيّ أفق روحي أو أخلاقي جاهز. وليس يهمّها أن تنافح عن استمرار أيّة رؤية للعالم أو أيّة عقيدة مستقرة لدى أهلها، مرضيّ عنها من قِبل جماعة إنسانية أو أخلاقية معيّنة. بهذا المعنى إنّ الفلسفة لا تدافع عن تقنية رجاء بعينها. إنّما مهمّة الفلسفة – وهي وحدها التي يحقّ لها أن تعيّن مهمّتها الخاصة من حيث هي فنّ العقل البشري بعامة وليست أيّ شيء آخر- هي البحث في طبيعة العلاقة التي تربط عقولنا بما ما يتخطى ملكاتنا أو قدراتنا الذاتية أو الطبيعية. إنّ الفلسفة هي فنّ السؤال عن معنى كلّ أشكال "التعالي" على حدود عقولنا الطبيعية. وكلّ تخطّ نظري أو أخلاقي لعقولنا يطرح مشكلا فلسفيا. وهو مشكل في معنى محدّد أي أنّه لا يمكن ولا يحقّ لنا أن نعالجه إلاّ في حدود طبيعة عقولنا كما هي، أي في حدود طبيعتنا البشرية كما هي متاحة لنا، وليس كما تفرضها سردية خارجية عنها مهما كان نوعها .