أحمد رباص ليلة السبت الأخير، ابتداء من الساعة العاشرة ليلا، كان مناضلو الحزب الاشتراكي الموحد والمتعاطفون معه على موعد مع لقاء رقمي حول موضوع “القطاع غير المهيكل وجائحة كرونا: الآثار والرهانات”. وقد شارك في هذا اللقاء كل من عثمان بوغابة، المهتم باقتصاد التنمية، وحسن ضفير، منسق معهد تكوين ومرافقة الجمعيات العاملة عن قرب، ثم خالد البكاري، الناشط الحقوقي. أما إدارة اللقاء فقد أنيطت بالصحافية هدى سحلي. انطلق اللقاء بكلمة ألقاها عثمان بوغابة الذي قدم تعريفا رسميا للاقتصاد غير المهيكل تقول فيه المندوبية السامية للتخطيط إنه اقتصاد قانوني يساهم في خلق الثروة والقيمة المضافة. وبخصوص التسمية التي يعرف بها القطاع ذكر المتحدث أنها غير موحدة وتختلف من باحث إلى آخر. أما عن مساهمته في التشغيل وخلق الثروة، فقد أورد بوغابة مجموعة من الأرقام من قبيل أنه يساهم ب35 إلى 45% من الناتج الداخلي الخام، في حين أن التقدير الرسمي لهذا الجانب يحدد هذه النسبة في 14 % دون احتساب اليد العاملة في القطاع الفلاحي؛ الشيء الذي لم يستسغه المتدخل لأنه لا يمكن التخلي عن قطاع فلاحي كبير. بالنسبة للفئات العاملة في القطاع المهيكل، صنفها بوغابة في فئتين. الفئة الأولى تتكون من الرأسماليين المتوحشين المستفيدين من اقتصاد الريع والذين يحققون أرباحا كبيرة نظرا لعدم التزامهم بأداء الضريبة وبالتصريح بالعمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وتوجد في هذا الإطار شركات وهمية تشغل العشرات والمئات من العمال في أجواء يتفشى فيها الفساد من رشوة ومحسوبية، لهذا غالبا ما يتم غض الطرف عن مثل هذه الشركات التي هي جزء من الحل لو أدت للدولة الضرائب المستحقة ولو ساهمت في إعادة توزيع الثروة. وهنا يتساءل المتحدث: كيف تفلت شركات بهذا الحجم وبهذا الزخم من مراقبة الدولة التي لا تتوانى في مطاردة الباعة الجائلين ومصادرة سلعهم؟. إلى ذلك، أضاف بوغابة أن الفئة الثانية تتشكل من عمال ومستخدمين وباعة ليس لهم عن الاقتصاد غير المنظم بديل، إذ هم التجأوا إليه هروبا من الفاقة والخصاصة وليس لتفادي الهيكلة أو للتملص من الضريبة. كما ذكر أن نسبة النساء المغربيات العاملات في هذا القطاع تتراوح بين 12 و13 %، في حين أنه في الجانب المتعلق بالمستوى الدراسي نجد أن نسبة 23 % من مجموع المشتغلين فيه لا يتوفرون على أي مستوى تعليمي وأن نسبة 46 % منهم لم يتجاوز مستواهم التعليمي عتبة السلك الابتدائي. قبل الإجابة عن السؤال المتعلق بتقييم الآثار الاجتماعية التي رتبها كوفيد 19 على العاملين في هذا القطاع، أشار عثمان بوغابة إلى المفكر الاقتصادي عزيز بلال الذي تحدث في دراسة له تعود إلى 1980 حول العوامل غير الاقتصادية المساهمة في التنمية، حيث قال إن الرأسمالية دخلت إلى بلادنا مع الاستعمار بوحشية مكنت رموزها من إنشاء وتسيير معامل وتركت الاقتصاد التقليدي لسواد الشعب. لكن بعد الاستقلال وضعت النخبة المغربية يدها على المعامل التي تركها الاستعمار الفرنسي وبقيت فئات عريضة من الشعب المغربي سجينة القطاع التقليدي، او في أحسن الأحوال متأرجحة بين القطاع التقليدي والقطاع غير المهيكل. وبالنسبة للتداعيات الاجتماعية المترتبة عن الأزمة الوبائية على العاملين في القطاع غير المهيكل، حددها بوغابة في خمسة نقط سردها على النحو التالي: 1- الاهتمام المفاجئ للدولة بهذا القطاع وبالمشتغلين فيه؛ 2- تأثر الاقتصاد الرسمي بالأزمة وانكماشه يؤدي إلى الزيادة في حجم الاقتصاد غير المهيكل؛ 3- تعرض المشتغلين في القطاع غير الرسمي لمخاطر العدوى نظرا لاضطرارهم للخروج من أجل كسب لقمة العيش؛ 4- استغلال السلطات الأمنية لظروف الحجر الصحي في محاولة للقضاء عليه باعتباره في نظر الدولة عشوائيا وغير قانوني..؛ 5- تعميق الفوارق الاجتماعية والطبقية بين المنتسبين للقطاع المهيكل وبين العاملين في القطاع غير المهيكل؛ بحكم وظيفته كمنسق معهد تكوين ومرافقة الجمعيات العاملة عن قرب، طلبت هدى سحلي من حسن نضير التحدث عن الجانب المتعلق بآليات الحماية الاجتماعية التي لجأت إليها الدولة تزامنا مع فرضها لحالة الطوارئ الصحية. ونزولا عند هذه الرغبة أوضح حسن أن من حسنات كوفيد 19 أنه أبان عن مدى هشاشة الوضع الاجتماعي في بلادنا وكذا عن عجز الدولة المغربية عن حل المعضلات التي يشكو منها الاقتصاد غير المهيكل رغم أنه يضمن المعيش ل2,4 أسرة وأن رقم معاملاته يصل إلى 410 مليار سنتيم وأنه يضمن 11,5 % من الناتج الداخلي الخام. فما زالت الدولة تنظر إلى هذا القطاع من زاوية اتهامه بالعشوائية والخروج عن النظام والقانون وتقدم له حلولا ذات خلفية أمنية وضبطية. كيف يمكن للدولة أن تدمج هذا القطاع في نظامها الاقتصادي؟ هذا السؤال طرحة المتدخل وأجاب عنه بأن الدولة حاولت ذلك مرارا لكنها فشلت وفاقمت من الوضع، بل ساهمت في توسيع دائرة اللامهيكل وتضخيم حجمه عندما فرضت قوانين غير عادلة ومجحفة؛ بحيث ندرك أن هناك عملية جدلية بين الدولة والمجتمع، فكلما ضيقت الخناق على الناس في مسعى لجلب الامتيازات إلا ويلتجئون إلى القطاع غير المهيكل. بخصوص إنشاء الصندوق الخاص بمواجهة وباء كرونا، أبدى المنسق الاجتماعي تأييده للفكرة الهادفة لحماية اجتماعية تشمل الفئات الفقيرة التي فقدت إما الشغل وإما مورد العيش، وأكد على أن ذلك كان من المطالب الأساسية لليسار منذ سنوات أملا في تحقيق توزيع عادل للثروة عن طريق ضمان دخل قار لهذه الفئات الهشة في حالة فقدانها لإمكانية العمل على إثر حادثة أو مرض..إلخ. وفي نفس السياق يحكم حسن ضفير اعتقد أن نسبة 5 % المخصصة من من ميزانية الدولة للحماية الاجتماعية غير كافية البتة، كما انتقد عدم مصادقة المغرب على التوصيتين 102 و202 الصادرتين عن المنظمة العالمية الشغل والقاضيتين بتخصيص اعتمادات مالية لحماية الفئات المستضعفة اجتماعيا. وفي موضوع كيفية تعامل الدولة مع الباعة المتجولين وعلاقتهم بالاحتجاجات الاجتماعية، قال حسن ضفير إن هؤلاء يمثلون اقتصادا موازيا لاقتصاد السوق ويخوضون صراعا صد السلطة حول تملك المجال العام إذ يساهمون في تحريره من قبضتها واحتكارها إياه. وبما أنها عاجزة عن توفير مناصب الشغل لجيوش العاطلين تركت الحبل على الغارب وسمحت لهم باحتلال الملك العام مقابل عدم مشاركتهم في الاحتجاجات. فعلا، هذا موا وقع حيث لوحظ أن الباعة الجائلين لم ينخرطوا في دينامية 20 فبراير التي ما أن خفت حدتها حتى عادت الدولة إلى مطاردتهم سعيا وراء التقليل من مظاهر احتلال الملك العام. وفي مقارنة بين زمن ما قبل كرونا وما بعده، بين خالد البكاري الفاعل الحقوقي أن العمل في القطاع الخاص كان قبل كرونا أحسن منه في القطاع العام، لكن عند العودة إلى الحياة العادية ورفع حالة الطوارئ سوف يكثر الطلب على العمل في القطاع العام لأنه على الأقل مؤمن من مخاطر اللاستقرار المهني التي يحفل بها القطاع الخاص. هنا يتساءل المتحدث عما إذا كانت الدولة تملك تصورا للتعامل مع فئة اجتماعية تكسب قوتها من القطاع غير المنظم وتشكل ثلث القوة العاملة في البلاد. بفطنة المحلل الاجتماعي، أجرى الفاعل الحقوقي مماثلة بين السكن الاقتصادي والقطاع غير المهيكل. فإذا راهنت الدولة على إبعاد الأسر الفقيرة عن مراكز المدن بالتطويح بهم بعيدا في عمارات تقع في الضواحي المفتقرة للمرافق مثل دور الثقافة والشباب والمدارس وملاعب القرب وغيرها، (إذا راهنت على ذلك) فقد فعلت نفس الشيء مع من يمارس منهم التجارة كمصدر وحيد للعيش حيث بنت لهم أسواقا تقع هي الأخرى في ضواحي المدن مع ما يرتبط بذلك من قلة الرواج ومزيد من تأزيم وضعيتهم. جوابا عن سؤاله من قبل مسيرة اللقاء الرقمي عن تقييمه للطريقة التي دبرت بها السلطة الملف على المستوى المحلي، قال خالد البكاري إن الدوة لما فكرت في تقديم الدعم المباشر للمتضررين الذين هم في وضعية هشاشة لم تنطلق من فكر تضامني بل من خلفية أمنية. بدأت أولا بدعم القطاع المهيكل عن طريق منح ألفي درهم لمستخدميه من ميزانية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ثم مرت مدة زمنية لتفكر في القطاع غير المهيكل في محاولة منها لإنجاح الحجر الصحي والتباعد الجسدي، وكان هذا التأخر عاملا مهما عجل بظهور مشاكل أعاقت تفعيل الحجر الصحي لأنه من المستحيل على المواطنين الفقراء البقاء في منازلهم نظرا لضيق المساحة وقلة ذات اليد، ولو لم يتوصلوا بالمساعدات ولو جاءت متأخرة ما كان لهم ان ينضبطوا لحالة الطوارئ الصحية.