اتخذت الحكومة المغربية خلال قرار تمديد الحجر الصحي لغاية 20 ماي 2020 المقبل وهو قرار منطقي لأن المغرب لازال يسجل حالات الإصابات بفيروس كوفيد 19، وخاصة مع ظهور بؤر في معامل صناعية ومحلات تجارية كبرى، لدرجة ارتفاع مجموعة من الأصوات المطالبة بحالة الطوارئ وبحجر كلي مرجحين المقاربة الصحية على المقاربة الاقتصادية في معالجة وباء كورونا المستجد. وبذلك طفا على السطح نقاش داخلي، على هامش ما يقع في دول اقتصادية أجنبية، كأمريكا وإيطاليا وفرنسا بخصوص أثر الحجر الصحي على الاقتصاد وخاصة على قدرة الشركات على تحمل أعباء الظرفية الصعبة وقدرتهم على الحفاظ على اليد العاملة المشغلة. ولمواكبة الوضع الناتج عن فيروس كورونا المستجد وعن تأثيرات الحجر الصحي على الشركات والمواطنين والمشغلين الموقوفين عن العمل من القطاعين المهيكل والغير المهيكل، بادرت الدولة المغربية بتعليمات ملكية من جلالة الملك نصدره بدعم هذه الفئات من طرف الصندوق المخصص للتخفيف من آثار الفيروس. تدابير مهمة جدا وسباقة ستمكن لا محال من التخفيف الظرفي من حدة تأثيرات وباء كرونا على الاقتصاد وعلى المواطنات والمواطنين، ولكن لأي أمد؟ فحجم الأزمة الاقتصادية سيتفاقم مع استمرار الحجر الصحي واعتمادات صندوق مجابهة كورونا لن يصمد لشهور عدة، وهو ما يفسر لجوء الحكومة المغربية لاستعمال الخط الائتمان الاحتياطي والوقائي والاستفادة من قرض جديد من صندوق النقد الدولي. ومن المنتظر حسب توقعات المندوبية السامية للتخطيط (موجز الظرفية الاقتصادية خلال الفصل الأول من 2020 وتوقعات الفصل الثاني)، تراجع نمو الاقتصاد الوطني ب 3,8 نقطة من نسبة نمو الناتج الداخلي الخام بسبب تأثيرات الحجر الصحي على الاقتصاد الوطني. كما سيتأثر الاقتصاد المغربي من: ركود الاقتصاد العالمي الذي سيتراجع حسب توقعات صندوق النقد الدولي ب 3 % وهو هو ما سيؤثر على الطلب الخارجي الموجه للمغرب إذ يتوقع انخفاض الصادرات بحوالي 22,8% خاصة في قطاع السيارات والنسيج؛ تراجع الإنتاج نتاج علق الشركات والمعامل؛ غياب المبادلات التجارية مع الخارج وتأثيرها على الصادرات المغربية؛ غياب تنقل الأشخاص وتأثيره المباشرة على السياحة التي تساهم بنسبة مهمة في الناتج الداخلي الخام؛ تراجع عائدات المغرب من العملة الصعبة وما ينتج عنه من تراجع احتياطي العملة؛ تأثير الأزمة على اليد العاملة ما سيرفع من نسبة البطالة لحوالي 12,5% حسب توقعات صندوق النقد الدولي؛ إلا أنه بالمقابل، من الأرجح وهذا ما يجب العمل عليه، أن يستفيد الاقتصاد الوطني من الظرفية العالمية الصعبة لتنافسيته الكبيرة في مجال الفلاحة والصيد البحري وحتى في مجالات صناعية واعدة اثبت الوباء قدرة الكفاءات المغربية للنهوض بها وتمكين المغرب مستقبلا من تموقع اقتصادي فاعل في محيطه الإفريقي وجواره الأوروبي مع ما سيترتب عن تصدعات محتملة في تركيبة وبنية الاتحاد الأوروبي والتي ظهرت تجلياتها مع تدبير الاتحاد للازمة الصحية بمجموعة من الدول وطغيان الأنانية الاقتصادية على التضامن الاجتماعي الدولي. وتوقعات صندوق النقد الدولي تشير لركود الاقتصاد الدولي وتراجع الناتج الداخلي لجل الدول، إذ يتوقع انخفاضه ب 4,3% بتونس و5,2% بالجزائر و%9 بإيطاليا و% 8 بإسبانيا و7,2% بفرنسا. وبخصوص هذا الأخير صرح رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب مؤخرا أن نسبة النمو تراجعت ب8% وهي أعلى تراجع عرفته فرنسا منذ 1945. وعليه فالمغرب مِؤهل للاستفادة من الظرفية الاقتصادية الدولية لما أظهر اقتصاده من مرونة Résilience لم تكن ظاهرة مع انصهاره في الاقتصاد العالمي، وظهرت مع الوباء قدرة الاقتصاد المغربي، رغم إمكانياته الغير مستغلة بعقلانية، أنه قادر على التنافسية إن وثق في قدراته وبادرت الحكومة لإجراءات استشرافية تحصن الاقتصاد الوطني من تقلبات السوق الدولية ومنحه مكانته التي يستحقها في المنتظم الدولي. المغرب اليوم، بتدابيره الاستباقية والاحترازية متحكم نسبيا في الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لحدود نهاية يونيو 2020، ولكن الأهم تدبير مرحلة ما بعد الوباء، لأن كوفيد 19 ورغم الخسائر البشرية، مكننا من معرفة قدرتنا الإنتاجية والتدبيرية رغم الخصاص، ومكننا من الوقوف على هشاشة الاقتصادات العالمية رغم إمكانياتها، وما علينا إلا الثقة في مؤهلاتنا وفي رأسمالنا البشري وذلك ما يستوجب استدراكه ضمن النموذج التنموي لبلورة أسس اقتصاد مدمج يرد الاعتبار للرأسمال البشري ولمؤهلاته الإنتاجية. *دكتور في الاقتصاد الجهوي