بقلم: عبد النبي التليدي كلما زرت المدينة التي أحببتها قبل اليوم منذ أن تفتحت عينايا عليها وأنا صغير رفقة والديا راجلا أو راكبا أو بصحبة زملائي ونحن أطفال أو مراهقون من أجل التبضع أو التجوال بها ثم من أجل الدراسة بها والسباحة فيها حيث كانت الطريق قطعة حلوى من عسل لا تتعبنا أو ترهقنا بل تريحنا وتحيينا مسافة لا نريدها أن تنقضي أو تنتهي لجمال الطبيعة ورونق المناظر في كل بقعة وخاصة عندما كنا نقترب من "الشميس" التي كانت تبهرنا آثارها ويشدنا بنيانها فنتوقف عندها نبحث فيها ونحاورها نسألها عن ماهيتها وعن تاريخها فتفتح لنا أدرعها تفسح لنا مجالاتها وتستضيفنا في كل جزء منها وفي كل ركن بها لا تبخل عنا بموروثها الضارب في التاريخ وبمآثرها التي كانت تزينها قبل أن يتم تهريبها وبيعها على أيد كنا نعتقد أنها كانت تبحث فيها لترميمها وإصلاحها وإذا بها تبحث في النفيس والغالي منها لنقلها إلى "المتاحف السياحية في تطوان و الرباط" أو هكذا كانوا يوهموننا حتى لم يبق منها إلا الأحجار التي ظهر أنهم لم يقدروا على نقلها ولأنها أحجار فقط إلا وشاهدت فيها اليوم ما يثير العجب ورأيت ما استغربت له من فرق كفرق بين السماء والأرض في كل شارع و ركن أوساخ وأزبال ومن كل ممر وجانب حمقى ومشردون أما ساحة التحرير فقد تحولت إلى ساحة تصريف ! كحال ساحة المسيرة التي هيئت لتكون ساحة تجميع الازبال وتجمع اليائسين ! بينما حديقة الأسود صارت لا حديقة .. وعند بابها أسدان من رخام أكل الزمن عليهما رآني اسباني وزوجته آخذ صورة لهما فاجآني بقولهما: إنهما أفضل ما في العرائش! فأجبتهما أنتما ربما أعلم مني بماضي المدينة وحركا رأسيهما آسفين وتابعا الطريق بينما ظللت أنا أمام الحيوانين أسألهما