خلال فترة وجيزة لم تتعدى التسعة أشهر شهدت الساحة الوطنية أحداث متسارعة و متقاربة زمنيا أطلقت العنان لبزوغ مرحلة اسثنائية على جميع المستويات لما عرفته من تفاعلات بين جميع المكونات التي أعادت ترميم جسر التواصل بينها و خلقت نقاشات مستفيضة حول الأوضاع الداخلية التي يعيشها هذا الوطن ,فبخلاف ما كان يعرفه المشهد السياسي في السابق من ركود و سبات أصبحنا نلمس دينامية سياسية تتخللها ندوات و برامج إعلامية و ملتقيات و غيرها من الحلقات التواصلية التي تتيح للأفراد مجالا لتبادل الأفكار و التعبير عن الآراء التي ظلت إلى زمن قريب حبيسة الجدران الكاتمة و الحوارات المحتشمة. و أهم ما ميز هذه المرحلة هي ميلاد الحركات الشبابية الإحتجاجية التي انبثقت من رحم معاناة الشعب المغربي من الإضطهاد و الإستبداد و التي شرعت في تكسير جدار الصمت, ذلك أنها اتخذت الشارع منبرا لإيصال رسائلها المترجمة للرغبة الجامحة التي تكتسي المواطن المغربي في العيش بحرية و كرامة و عدالة اجتماعية,مما أدى بشرائح مختلفة و فئات عريضة من المجتمع إلى التجاوب مع هذه الأشكال الإحتجاجية الجديدة التي أضحت تهدد السير العادي ل برامج الدولة,هذا ما ألزم هذه الأخيرة إلى الرضوخ للمطالب الشعبية الغفيرة نسبيا و ذلك باتخاذ مجموعة من القررات التي علقت عليها آمال المواطنين في الإصلاح و التغيير من قبيل تنزيل دستور جديد وصف بالتاريخي آنذاك ,لكن سرعان ما تبين للعيان أن هذه الإجراءات التي أقدمت عليها الدولة لم تأتي سوى لاحتواء و امتصاص الحركية غير العادية التي يعرفها الشارع المغربي,فلا حدة الإعتقالات السياسية التي تكمم أفواه المغاربة إلى حد كبير انخفضت,و لا ميوعة الإعلام العمومي الذي ينهج سياسة غض الطرف تغيرت,و لا حتى المساواة و العدالة الإجتماعية التي نص عليها الدستور وجدت طريقها إلى التفعيل,مما يبرز لنا أن نية الدولة في تحسين الأوضاع الداخلية ما زالت تثير الكثير من الشكوك. فرغم كل التعثرات و العراقيل أو بالأحرى جيوب المقاومة الذين وقفوا سدا منيعا أمام التغيير الفعلي و الديمقراطية الحقة ,إلا أن هناك فرصة واحدة ووحيدة أمام جميع الفاعلين لتحقيق الإزدهار تختزل في انتخابات 25 نونبر التي تنتظر منها شريحة مهمة و عريضة من المجتمع المغربي الإتيان بالوصفة السحرية التي ستخلصنا من كل الهالات السوداء التي تلتصق ببلدنا,إفراز وجوه جديدة و شابة تضع السلطة وسيلة لخدمة الصالح بدل اعتبارها غاية لإشباع الرغبات الشخصية,احترام آراء المواطنين المعبر عنها داخل صناديق الإقتراع و تصنيفها في إطار القداسة التي لا يجوز مس خصوصيتها و تغيير مسارها,تطهير العمل السياسي من المفسدين و ناهبي المال العام المفتقدين للنزعة الوطنية و الرغبة في الرقي بهذا الوطن إلى مصاف الدول المتقدمة,قد تبدو هذه النتائج المرجوة من انتخابات 25 نونبر كلها أحلام وردية و أماني خيالية لن تتحقق بيد أنها تظل ذلك الخيط الرقيق من الأمل المتبقي لدى المواطن المغربي الذي تكبد عناء الصدمات المتتالية الجارفة بحلمه الديمقراطي. فالإنتخابات التشريعية المقبلة تنظم في ظروف غير عادية و استثنائية لمجموعة من الإعتبارات التي تكمن في تزامنها مع ظرفية حساسة تخللها إصدار دستور جديد و خروج المواطنين إلى الشارع لرفع مطالبهم المشروعة ثم إقامتها بعد أيام قلائل من انتخابات المجلس التأسيسي التونسي التي اعتبرت المثال النموذجي في احترام رغبة المواطنين و ذلك بإعطائها الفرصة إلى توجه كان إلى وقت قريب يعد خطا أحمر لا يجرؤ أي أحد على التعامل معه,نقصد هنا الإسلاميون في تونس الذين استطاعوا تكسير القاعدة النمطية و أخذوا فرصتهم الكاملة في تقلد مناصب السلطة,بالإضافة إلى انتشار الوعي السياسي لدى المواطنين المغاربة الذين أضحوا يفرقون بين الصالح و الطالح من القيادات و الأحزاب السياسية,فكل هذه المعطيات من المنطقي أن تحرك ساكنا في جميع مكونات المجتمع المغربي سواء الدولة التي يجب عليها أن تلتزم الحياد و أن تقطع مع ممارسات الماضي في الإنتخابات أو المواطن الذي سيلعب الدور الفيصل إذا سارت الأمور بشكل طبيعي و ذلك بإصابته للمرشحين الذين يستحقون تقلد مناصب القرار أو جمعيات المجتمع المدني التي يظل دورها منحصرا في تأطير المواطنين و تزويدهم بالأسس الكافية لجعلهم فاعلين في الساحة السياسية. و لهذا فلا مناص من الإيمان بأن الإنتخابات المقبلة رهان حقيقي يجب كسبه بامتياز لبناء مغرب الغد,مغرب الكرامة و المساواة,المغرب الذي يحترم حقوق مواطنيه و حرياتهم,المغرب الذي يكون ملكا لعموم الشعب بدل أن يكون ملكا للأفراد,و بالتالي فلا يمكن تحقيق هذه الأهداف دون تظافر جهود جميع الفاعلين و يبقى أهمها المواطن(الناخب) الذي لا يجب عليه أن يرهن صوته بمقابل مادي معين أو بمصلحة شخصية,فإذا أردنا أن نصل إلى الديمقراطية فيجب المبادرة بها من أنفسنا وذلك بمنح صوتنا القيمة التي يستحق,فهو الكفيل بتغيير الوجوه الهرمة و جلب الطاقات الشابة لتحقيق الديمقراطية الحقة هذا( إن أرادت الدولة التزام الحياد).