حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    قيوح يشرف على تدشين المركز اللوجيستيكي "BLS Casa Hub" بتيط مليل    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدريس لكريني (أستاذ الحياة السياسية والعلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض) : الإصلاح ينبغي أن يتجاوز تدبير مرحلة انتخابية إلى مباشرة إصلاحات دستورية وسياسية
نشر في التجديد يوم 04 - 03 - 2011

أبرز إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية والعلاقات الدولية أن الإصلاح السياسي كيفما كان حجمه لا يمكن أن يسمح بتغيير حقيقي؛ طالما ظلت بنود الدستور جامدة ولا تعكس التحولات التي يعرفها المجتمع على شتى الواجهات.
أما الجديد الآن، حسب لكريني، فهو السياق العام والظروف الإقليمية والدولية والحراك المجتمعي الداخلي التي ترافق طرح هذه المطالب؛ بما يجعل من انخراط مختلف الفاعلين في بلورتها أمرا ملحا وضروريا؛ لأن تجاهلها سيؤدي حتما إلى رفع سقف المطالب وانفلات أسس الحوار. وقال لكريني: لقد كان المغرب سيربح كثيرا من الجهد والوقت لو فتح ورش إصلاحات حقيقية تدعم هذا الانتقال قبل الآن وفي أعقاب ما سمي بحكومة ''التناوب التوافقي''. معتبرا أن مجمل مطالب الشباب لم تتجاوز السقف الذي رفعته بعض الأحزاب أو تناولته بعض النخب ووسائل الإعلام في سياقات وظروف مختلفة ومرّ في ما يشبه الصمت. مقولة الاصلاح وطبيعة الاصلاحات السياسية والدستورية ودور النخب والحراك المجتمعي في إحداث التحول قضايا تجدونها ضمن هذا الحوار. وإليكم نصه:
هل يمكن القول بأن مقولة الانتقال الديمقراطي قد استعادت قوتها قي مغرب اليوم؟
لقد شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة مجموعة من الإصلاحات عكسها صدور مجموعة من التشريعات وإحداث مجموعة من المؤسسات والهيئات؛ غير أن ذلك لم يكن في مستوى التحديات المختلفة المطروحة على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي..
وما يصطلح عليه بالانتقال الديمقراطي لم ينبن في المغرب على أسس متينة تدعمه ولذلك طال أمده أكثر من اللازم؛ فلا وضعية الفاعلين الحزبيين تطورت باتجاه كسب ثقة المواطن ولا الدستور المعدل سمح بتوفير شروط موضوعية تدعم هذا الانتقال..
فالانتقال في أدبيات علم السياسة وضمن تجارب عدد من الدول الرائدة في هذا الشأن في أوربا وأمريكا اللاتينية وغيرها؛ يتطلب وجود سقفا زمنيا محددا؛ وشروط دستورية وسياسية تسمح بحدوث هذا الانتقال الذي يفترض أن يؤدي إلى الديمقراطية..
وخروج الشباب يوم 20 فبراير 2011 الماضي هو في أحد جوانبه مساءلة لمسار ما اصطلح عليه بالانتقال الديمقراطي.
لقد كان المغرب سيربح كثيرا من الجهد والوقت لو فتح ورش إصلاحات حقيقية تدعم هذا الانتقال قبل الآن وفي أعقاب ما سمي بحكومة ''التناوب التوافقي''.
ما يقع الآن من احتجاجات شعبية عارمة في مختلف الأقطار العربية وما شهده المغرب من احتجاجات يوم 20 فبراير أسهم بصورة كبيرة في مساءلة مسار الانتقال الديمقراطي بالمغرب؛ وفتح الباب أمام طرح أسئلة من قبيل: هل المغرب بصدد انتقال ديمقراطي حقيقي مبني على شروط وأسس عميقة؟ ثم لماذا تأخرت مدة هذا الانتقال أكثر من اللازم؟
وقد سمحت هذه الظرفية بتجاوز هذه الأسئلة والنقاشات لمجالس النخب السياسية والحزبية أو المثقفة؛ إلى حديث يومي لمختلف فئات ومكونات المجتمع المغربي؛ وهو الأمر الذي يفترض أن يلتقطه صانعو القرار ويتعاملوا معه بجدية وإرادة حقيقيتين.
عرفت الساحة السياسية والمجتمعية في المغرب في الآونة الأخيرة تجدد الخطابات الداعية للإصلاح السياسي والدستوري. ما مصداقية هاته الخطابات في ظل وضع عربي يمتاز بمقولة ''الشعب يريد''؟
كما هو الشأن بالنسبة لعدد من الأقطار العربية؛ عانت الكثير من النخب والأحزاب السياسية؛ من مشاكل ذاتية وموضوعية؛ بما صعّب من مأموريتها في قيادة أي إصلاح أو تغيير حقيقيين؛ برغم تنامي المشاكل والإكرهات السياسية والاجتماعية.
ولأن الطبيعة لا تحتمل الفراغ؛ خرج الشباب إلى الشارع في المغرب كما في عدد من الأقطار العربية في إطار واحتجاجات عارمة؛ للتعبير عن مطالبهم في تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية؛ برغم تحفّظ وتمنّع عدد من الأحزاب والهيئات الحكومية.. بصورة تعكس حجم الهوة القائمة بين مختلف هذه الفعاليات ومجتمعاتها.
فهذه الفئة التي لم تجد نفسها بشكل أو بآخر داخل مختلف القنوات الحزبية؛ ولم يحسب لها حساب كاف ضمن معادلة العمل السياسي أو السياسات العامة؛ توجهت نحو البحث عن قنوات ومتنفسات بديلة من أجل التواصل فيما بينها للتعبيرعن تطلعاتها من خلال قنوات الاتصال الحديثة. قبل أن تنقل مطالبها من العالم الافتراضي إلى الواقع في شكل احتجاجات ميدانية عارمة؛ لم يتردد في الالتحاق بها مختلف أفراد المجتمع وأحزاب سياسية وفعاليات مدنية ونخب مختلفة لاقتناعها بعدالة ومشروعية مطالبها التي جاءت بعيدة عن أية حسابات حزبية أو مصالح إيديولوجية ضيّقة.
وبغض النظر عن طبيعة النقاشات والخطابات التي أفرزتها هذه الاحتجاجات من حيث تجدد مطالب الإصلاح والتغيير؛ وما إذا كانت تعكس رغبة مختلف النخب والأحزاب في التغيير أو خشية من أن يتجاوزها تلاحق الأحداث والتطورات؛ بعد أن طرح الشباب مطالبهم بصورة علنية وواضحة والتي تراوحت بين أولويات اجتماعية واقتصادية وسياسية ودستورية.. فإن مجمل مطالب الشباب لم تتجاوز السقف الذي رفعته بعض الأحزاب أو تناولته بعض النخب ووسائل الإعلام في سياقات وظروف مختلفة ومرّ في ما يشبه الصمت.
الجديد الآن هو السياق العام والظروف الإقليمية والدولية والحراك المجتمعي الداخلي الذي يرافق طرح هذه المطالب؛ بما يجعل من انخراط مختلف الفاعلين في بلورتها أمرا ملحا وضروريا؛ لأن تجاهلها سيؤدي حتما إلى رفع سقف المطالب وانفلات أسس الحوار.
إن تجدد مطالب الإصلاح من قبل عدد من الأحزاب السياسية في أعقاب مظاهرات واحتجاجات 20 فبراير 2011 التي قاطعتها أو رفضتها أو شكّكت في مصداقيتها.. يسمح بطرح مجموعة من التساؤلات: لماذا لم تبادر هذه الأحزاب إلى هذه المبادرات المتسارعة من قبل؟ ألا يعتبر ذلك ركوبا على مجهود ونضال شباب لم تسهم في تأطيرهم أو تعبئتهم؟ ألا يعتبر هذا دليلا على الهوة التي تفصل بين الأحزاب من جهة وفئة مجتمعية واسعة؟.. ثم هل الأحزاب السياسية هي التي يفترض أن تقود الجماهير؛ أم العكس؟.. وهل يمكن لهاته الخطابات والمطالب أن تشكل قناة لتصريف مطلب التغيير في المغرب؟
إن النقاشات التي أعقبت احتجاجات 20 فبراير وما سبقها من احتجاجات في مناطق عربية أخرى؛ تنطوي على أهمية كبرى؛ بالنظر إلى كونها أعادت موضوع الإصلاح والتغيير وبقوة إلى الواجهة؛ وسمحت ببروز أصوات وتصورات نخب طالما ظلت مغيبة عن النقاش العمومي نتيجة للتهميش والإقصاء؛ بما يسمح بتداول مجموعة من الأفكار التي يمكن أن تسمح بتحديد مكامن الخلل؛ والبحث عن سبل كفيلة بتجاوزها.
وبالنسبة للمغرب وبالنظر إلى أن احتجاجات شباب 20 فبراير تمت في شكل سلمي وبمطالب واضحة وعلنية؛ فيفترض أن تعطي دفعة قوية لهذه الإصلاحات؛ ويدفع مختلف الأحزاب والفعاليات المدنية إلى التجاوب مع تطلعات هذه الفئة لأن من شأن ذلك أن يحدث مصالحة بين العمل السياسي بشكل عام والشباب ومختلف فئات المجتمع.
إن الإصلاح الذي ينبغي إطلاقه الآن يجب أن يتجاوز تدبير مرحلة انتخابية أو السعي لتجاوز تداعيات مرحلة سياسية بحلول وإجراءات ''ترقيعية'' متسرعة من أجل الخروج بأمان من هذه الظروف وبأقل تكلفة..؛ إلى مباشرة إصلاحات دستورية وسياسية حقيقية تدعم ما تمّ إنجازه وتسمح بانتقال حقيقي نحو الديمقراطية، كما على الأحزاب السياسية التي انشغلت لسنوات بنقاشات وسجالات لا تعني المواطن في شيء؛ أن تراجع نفسها وتعمل على تجاوز مختلف الاختلالات التي تميّع العمل السياسي وتنفّر منه وبخاصة وأنها ظهرت في خضم هذه التحولات أنها خارج السياق.
كيف يمكن قياس ميزان القوى بين الداعين لاستمرار المعمار الدستوري الحالي وبين من يدعون إلى التسريع بالإصلاحات السياسية والدستورية؟
أصبح الإصلاح السياسي والدستوري يفرض نفسه؛ ذلك أن فئة عريضة من المجتمع المغربي عبّرت بجرأة عما لم تستطع النخب والقنوات التي تشتغل في إطار اللعبة المتاحة التعبير عنه أو تفرضه أو تطرحه في سياق بعيد عن التكتيكات والمصالح الحزبية.. وهو ما أسهم في إضفاء طابع شعبي على هذا المطلب.
وبذلك فالفرصة الآن سانحة بإصلاح دستوري وسياسي قد يسمح بانتقال ديمقراطي حقيقي لأنه يأتي في ظروف دولية وإقليمية ومحلية تدعمه وتختلف بشكل كبير عن الظرفية التي سمحت بالتعديلات الدستورية والإصلاحات السياسية التي شهدتها فترة التسعينيات من القرن المنصرم؛ والتي لم تكن بالقدر اللازم لتحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي كما ذكرت في السابق.
أما الموقف الذي يدعو إلى الاحتفاظ بنفس الضوابط الدستورية؛ فيبدو أنه لا يستوعب التحولات التي شهدها المجتمع المغربي؛ ويسير في اتجاه إطالة أمد الانتقال الديمقراطي وأجواء ''الانتظارية'' لعقود إضافية أخرى؛ مع العلم أن دولة المؤسسات القوية والقانون هي الحصن المنيع ضد أي خطر يتهدد الدولة والمجتمع.
لقد أثبتت التجارب الحكومية الأخيرة أن الإمكانيات الدستورية المتاحة للسلطة التنفيذية تظل غير كافية، فالوزير الأول ينسق العمل الحكومي ولا يقوده، كما أن مجمل الشعارات التي ترفعها الأحزاب في حملاتها الانتخابية في علاقتها بمجموعة من القضايا، تصطدم بجسامة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. المطروحة من جهة، وبواقع الإكراهات المرتبطة بضيق الإمكانيات المتاحة دستوريا على مستوى تدبير الشأن الحكومي وبحضور المبادرات الملكية بشكل مكثف في المجال التشريعي والتنفيذي.. من جهة أخرى.
في نظركم هل المغرب يحتاج أولا إلى الإصلاح السياسي أم إلى التعديلات الدستورية بداية؟ أم أن الوضع يستدعي الإسراع بالإصلاحات السياسية والدستورية بتزامن؟
الإصلاح السياسي كيفما كان حجمه لا يمكن أن يسمح بتغيير حقيقي؛ طالما ظلت بنود الدستور جامدة ولا تعكس التحولات التي يعرفها المجتمع على شتى الواجهات؛ والعكس صحيح أيضا؛ لأن الإصلاح الدستوري لا يمكن أن يدعم التغيير إذا لم تكن هناك إرادة سياسية ومبادرات سياسية تخرج النصوص من طابعها القانوني إلى إجراءات ميدانية.
فما اصطلح عليه ب''التناوب التوافقي '' لم يؤد إلى تناوب حقيقي تفرزه صناديق الاقتراع؛ لأنه كان بحاجة إلى مقتضيات دستورية تدعمه؛ ولذلك أقول إن الأمر يتطلب إصلاحات سياسية ودستورية بصورة متوازية.
ما هي الصيغة المثلى لإصلاح المعمار السياسي والدستوري المغربي؟ وهل يمكن الحديث عن وجود توافق بين مختلف الفاعلين لصيغة الإصلاحات؟
تؤكد التجارب الدستورية على المستوى العالمي أن الدساتير التي بنيت على توافقات داخل المجتمع؛ أكدت نجاعتها وأسهمت في تقدم وتطور هذه المجتمعات.
ومن هذا المنطلق؛ فضمان بلورة إصلاح سياسي ودستوري يسمح ببناء دولة القانون والمؤسسات؛ ويدعم الاستقرار والانتقال إلى الديمقراطية؛ ينبغي أن يتم في توافق مع المؤسسة الملكية وعبر نقاشات واسعة حول الموضوع تشارك فيها مختلف القوى السياسية والمدنية من جمعيات وفاعلين أكاديميين..
كيف يمكن إدماج الحراك الشعبي بشكل ايجابي وفعال كآلية جديدة في المطالبة بالإصلاحات؟
يبدو أن المغرب تأخر في مباشرة إصلاحات وازنة وحقيقية في السنوات الأخيرة؛ بعدما قال الشعب المغربي كلمته خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة؛ ذلك أن ضعف نسبة المشاركة في هذه الانتخابات التشريعية كان بمثابة رسالة واعية إلى الدولة وإلى مختلف الفاعلين السياسيين من أجل تأهيل المشهد السياسي وتطوير عمل الأحزاب، وتوفير الشروط الأساسية والملائمة التي تكفل العيش الكريم للمواطن (السكن، الصحة، التعليم، الشغل..) ونهج الشفافية والوضوح على مستوى وضع السياسات العامة للدولة وتنفيذها، ومعاقبة الفساد بكل أشكاله؛ ودعم استقلالية القضاء، واعتماد معايير انتخابية مؤسسة على الكفاءة والمحاسبة والمصداقية، ومحاطة بضمانات سياسية وإدارية وقانونية وميدانية..، تكفل احترام إرادة المواطنين واختياراتهم..
إضافة إلى توفير الشروط الموضوعية والإمكانيات الدستورية التي تتيح للأحزاب تطبيق برامجها والوفاء بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها أمام الناخبين من داخل البرلمان أو الحكومة بالشكل الذي يسمح بمواجهة مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. التي يواجهها المغرب، وتقوي إيمان وثقة المواطنين المغاربة بأهمية الاهتمام بالشأن السياسي ومؤسساته وبما يعطي مدلولا ومعنى للانتخابات ويسهم بالتالي في إنضاج تجربة ديمقراطية طموحة.
إن ما يقع حاليا في عدد من الأقطار العربية؛ يشكل رسالة أخرى واضحة المعالم إلى كل الأنظمة التي لم تركب بعد قطار التغيير والإصلاح الجادّين والحقيقيين؛ لكي تبادر إلى إعمال مبادرات اقتصادية واجتماعية وسياسية ودستورية مشروعة تستجيب لتطلعات الجماهير؛ وفرصة للقيام بتدابير تدعم دولة المؤسسات وتكافؤ الفرص سياسيا واقتصاديا؛ وتفتح المجال لمشاركة بناءة وفاعلة في إطار من التعددية وبأطراف فاعلة تشتغل في جو من الشفافية والمحاسبة.
ورسالة أيضا إلى الأحزاب السياسية كي تبادر إلى إصلاحات داخلية تروم دمقرطتها وتحمّل مسؤولياتها المفترضة في تأطير المواطنين وتمثيلهم وبلورة تطلعاتهم ومطالبهم لصناع القرارات، ومواكبتها للتحولات التي شهدها المجتمع، سواء على مستوى الحضور أو الخطاب.. بما يسمح بخلق شروط المصالحة مع الشأن السياسي.. وهي خير وسيلة لإدماج الحراك الشعبي وإدماجه فعليا في المطالبة بالإصلاحات.
ما هي في نظركم أهم عناوين الإصلاح السياسي والدستوري التي بموجبها يمكن الحديث عن دمقرطة الوضع في المغرب؟
على المستوى السياسي؛ ينبغي تأهيل وتطوير العمل الحزبي في إطار المنافسة الشريفة والشفافية وتكافؤ الفرص؛ وهي مهمة تتحملها الأحزاب نفسها والدولة من خلال توفير الشروط والضمانات التي تسمح بذلك؛ كما يجب أيضا ترسيخ استقلالية القضاء باعتبار ذلك مدخلا فعالا للتغلب على الجريمة في مختلف أبعادها ووسيلة رئيسية لتكريس العدالة وحماية الحريات وضمان احترام حقوق الإنسان؛ وسيادة الثقة في القانون والمؤسسات والتشجيع على الاستثمار؛ كما أن هناك علاقة وطيدة بينه وبين بناء مجتمع ديمقراطي.
والعمل أيضا على مكافحة الفساد بكل أشكاله ومستوياته؛ والعمل على تنفيذ توصيات هيئة الإصلاح والمصالحة كسبيل لتعزيز منظومة حقوق الإنسان وترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب؛ والاهتمام بالملفات الاجتماعية الحيوية من تعليم وصحة وسكن وتشغيل..
وعلى المستوى الدستوري؛ ينبغي توضيح وتحديد صلاحيات جميع السّلط بما يضع حدا للتأويلات التي قد تساهم في التضييق على عمل الحكومة أو البرلمان؛ بالإضافة إلى دعم صلاحيات البرلمان والحكومة في مجال السياسات العمومية داخليا وخارجيا؛ وتمكين الوزير الأول من قيادة الحكومة؛ وربط تشكيل الحكومة وقيادتها بنتائج الانتخابات التشريعية؛ وترسيخ مبادئ سمو القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني على القوانين الوطنية ودعم استقلالية القضاء بضمانات حقيقية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.