شبرا فشبرا،لحظة لحظة، رقعة رقعة، يتأكد بكل ثقل التاريخ والوقائع الذاهبة في ريح الأرض، أن العرب القادمين من غبش القهر والكبت العريق، أمة متوحشة تنام في حظيرة الدم المراق وبرية استحكام عوائد الافتراس والنهش والهمجية البلهاء، أبعد ما يكونون عن الحضارة، عن الفضيلة والورد والياسمين، والديموقراطيات والسلم والحياة الآمنة، ورحم الله ابن خلدون الذي رسم صورتهم على أكمل وجه، رسما بارعا يبدو اليوم ضروريا أن نستعيده لنفقه تاريخ الضراوات والبشاعات التي يصنعها الأرذلون من مرتزقة ربيع الناتو العربي، القائم على سيرة سفك الدماء والقتل الغادر والرهبة وثأر السباع والضباع والكلاب المسعورة. لقد فتحت الألفية الثالثة أعيننا على العرب وهويتهم الخافية التي تقتات من الجرازر والتلذذ بالجثث، والجيف والندوب الفاغرة والجراح الثخينة والصديد الحائل، وقد استطاع الخيار الأمريكي البغيض أن يضعنا في صلب هذه الصورة الشرسة المعلقة في أطراف الدنيا التي ليس فيها أخبث منها، منذ أن رتقت أياديه القذرة الأشلاء من جثث أبناء صدام، وقدمتها هدية للعرب البلهاء ليتسلوا بها ويتباهوا بالموت والقتل وسيرة الضباع والوحوش الكاسرة،ويتغنوا بالزمن الأمريكي الموشى بالدماء والنزيف العظيم، المرصع بالجماجم والحطام والرميم، واندفع الهمج الأجلاف نحو باب أمريكا يتوسلون هاويتها، ليمضوا إلى جنة الحلف الأطلسي المزينة بالدسائس والحروب والمؤامرات وشناعات القتل المبين. لم تشف تلك الجثث غليل العرب ولم تشف نفوسهم منها، بل قوت فيهم شهوة الافتراس، وليس ذلك بعزيز فتاريخهم تاريخ مجار من دماء مهدورة وقتل ورجم وسلخ وصلب وقطع للرؤوس وذبح وتقطيع للأوصال وضرب الرقاب بالسيوف، وشق البطون واستخراج القلوب، وتمثيل بالأجساد، وحرق وإعدام، وكان منهم ماضغات الأكباد وأكلة وقرضة لحوم البشر الأحياء وحاملو رؤوس الموتى يعبثون بها ويتلذذون بالحفر في تضاريسها،يستحلون بها الولاء والارتزاق، وكان منهم الأمراء الذين اصطنعوا مشاتل حدائقهم من الرؤوس الآدمية المقطوعة. وجاءت مجزرة صدام لوحة مضافة بإخراج أميركي آخر بديع، اهتز لها جنون العرب الباذخ وهتفت الكلاب من كل الجهات المزدانة بالحرائق والطغاة الخرافيين مصاصي الدماء العملاء المشبعين بسواد الثأر والانتقام والهيجان الأعشى، وقال الجميع: المشهد رائع، كل الصحراء تسجد للناتو لتكون سماءه أو بهاءه أو سريره حيث ينام وتنام الذكريات الأليمة، كل النفط يهتف باسم الناتو البطل الذي يقود الفجر ويهتدي بطاعة الفجار ويؤذن للصلوات.. حلق الوجه الأمريكي في مواسم الرعب، كل شيء معد سلفا، القرابين تفتح باب التاريخ وليتعلم العرب مزيدا من حروب الهجاء وشعر الرثاء، نخيلهم المهجور لا يعول عليه، فحولتهم قطعة من البله، وليحملوا قذارتهم للعالم كي تغمر لهفة الأركان، ليتأكد الجميع أن العربي مغفل يطالعك على الدوام بملامح دموية وتاريخ مأهول بضجيج الموتى والضحايا والجماجم المضغوطة. لا ترفع الجثث عقيرتها بالصراخ، وليس بوسعها أن تستغيث وهي تتجرع موتها الجارف، وليس بمقدورها أن تتقدم لتطلب العون أو المدد، أو ترد الصاع صاعين، لذلك يصطف الجبناء زرافات ووحدانا على مضاربها ليهتفوا بنصرهم الشريد، وبطولات من تراب عقيم ، لا لون لها ولا يعرف من أين بدؤها وتغتال البهجة عند كل شروق. كانت المشنقة مفعمة بالحياة، وخرير الدم والحلم القذر والشماتة الرهيبة تلقي بظلالها السوداء على بغداد المحترقة، الموغلة في ماء الحطام، تذرف دموعها العصية لكي يتيقن الناتو أن النفط الجميل يكسو المكان ويصغي لرغبة الدولار لينال منه كل احتياطي البريق. وقف الجميع على حافة المقصلة يملأون أفق الشد، أشعلوا حقدهم في وجه التاريخ البعيد وأشهروا رصاص الولاء يستجدون الحراب الأمريكية المصوبة نحو الهواء العربي. تزايد الجرح وتوزع الخوف السقوف، سقط ربيب الاستخبارات الأمريكية المجيدة ابن لادن، وكان الوحش الأمريكي سيده، وضع جثته تحت الركام شظايا من دم خانه النبض السعيد، وعلمنا القناص الأمريكي كيف يكون الصيد، والموت الجاهز على الفراش، وكيف يكون وجه الموت الأمريكي البارد، وسعة القبر في أعماق البحار. مشاهد لا تشبه بعضها يكمل البعض منها فظاعة البعض الآخر، تستثمر بهاء الجثث العربية، وترعى صمتها ورعبها وتدعو قبائلها للثأر، كل جثة تصلح تعويذة، كل جثة تفتح باب النفط على المصاريع، لتكبر في أعيننا قبضات الموت ومشاعر الرهبة الغامضة. أخيرا تفتح آلهة الناتو برية الوجع الليبي، وتخيط ثوب النفط ليسع الأزمنة وتتدفق خيراته على الملأ الكبير، وتكون الجثث شكل التاريخ العربي، تنفخ فيه عوادي الهمجيات العمياء. يكتب مرتزقة الناتو بحوافرهم سيرة الوحشية والوضاعة، يصالح العربي وحشيته الغريزية ويمضي لمفاتن الناتو حيث تنتظره جنات تجري من تحتها الدماء، وترسو غباوته على سقف تعدد الزوجات وشبق القيامات المشبعة بالخراب والشذوذ، حيث خفافيش الثورة وغربانها يلبسون ثلوج الوقار، وينادون في الآفاق: يا أيها الناتو، أيها الإله الطيب، إنا نطلب منك المزيد أيها القاتل المحترف مزيدا من الدم و الأهوال.