بعدما استبشرنا خيرا بالتعديلات الدستورية التي نزعم أنها ستعطي الانطلاقة الحقيقية والفعلية نحو مغرب الغد المنشود ، طالعتنا السياسة المخزنية في الأسابيع المنصرمة والتي انتهجتها وزارة الداخلية بكل مكوناتها وأجهزتها المتسمة بالرعونة والمفتقدة لأبسط مبادئ احترام رأي الآخر والمظاهر الحضارية التي يجب أن تعلو على كل اختلاف في الرأي ، والتي لم تكن وليدة البهرجة والتجيير العاطفي والديني في الاستفتاء بنعم للدستور فقط . بل إن الأمر راجع لتاريخ حافل بشراء الذمم واستعمال السيئ للسلطة ومصادرة حركات الإحتجاج وتسخير أعوان الداخلية وبعض الأحزاب المفتقدة للشرعية المجتمعية والتي أصبحت لصيقة بأشخاص كونوا ثورتهم على أنقاض قيمنا ومبادئنا من سماسرة الانتخابات ولوبيات العقار المتوحش وبارونات المخدرات، الذين تنافسوا في التعبير عن ولاءهم التام للمخزن الممسك بخيوط الصراع كله .وهم في الحقيقة لم يفعلوا ذلك سوى لفتح ذلك المخزون المهين للمغرب والمغاربة "والذي عملت الدولة عبر التعدبلات الدستورية لطي صفحاته في النصوص قبل النفوس" وتوجيه عبره رسائل مفادها أن المخزن لا يزال يلعب الدور المهم في المشهد السياسي والأهم في صناعة القرار وكأن شيء لم يتغير ...المنجل هو هو لم يتغير سوى قبضته لا يختلف اثنان حول اهمية الدستور الشامل و المتكامل و المتعدد الأهداف والغايات وقد تكلمنا في السالف عن الجوانب المضيئة والمشرقة لهذا الدستورومن ثم لا بأس من تلمس أهم أسباب التى ادت لاحجام الاجابيات عن هكذا المشروع المجتمعي المتكامل و ازالة العقبات والمعوقات التى كانت معطلة للديموقراطية وعملية الإصلاح ،بل كانت سبباحقيقيا في نفور غالبية الشباب عن الساحة السياسية سواء بالترشيح او التصويت، فمن غير الممكن أن توجد إرادة حقيقية للإصلاح بدون وجود أجواء ديموقراطية ، ولا يمكن أن تكون هناك اجواء ديموقراطية من غير وجود آليات حقيقية لتنفيذ ذالك ولعل من اهم المعوقات للعملية الإصلاحية موضوع الانتخاب بالبطاقة الوطنية ،إذ لا يعقل أن ندير ضهورنالستة ملايين غير مسجلين وبالتالي نحرمهم من حقهم في التصويت ،ويأتي على رأس الأولويات،ومن أهم أسباب المعطلة للعملية برمتها عملية الإشراف على الإنتخابات، إلى لجنة مستقلة من الحقوقيين والمجتمع المدني أو تحت إشراف القضاء قبل التحدث عن التقطيع الانتخابي وإصلاح مدونة الإنتخابات وقانون الأحزاب "واعتبار شهادة الباكالوريا كحد أدنى تخول الترشح للبرلمان" إذا أردنا فعلا معالجة صادقة و أمينة لكل الثغرات التي تستغلها الداخلية و يستغلها مناهضي الإصلاح وسماسرة الانتخابات، ولسد الطريق على العابثين بالمشهد السياسي ومواجهة هذه التحديات ، خاصة إذا تيقنا أن وعي المواطن المغربي الذي فك أسر الخوف ، والجبن هو الضامن لكل ما يحاك لنا ولديمقراطياتنا من دسائس وألاعيب ، وبالتالي يصعب عليهم الانقلاب على المبادئ الدستورية والارتداد على قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان .وقبل هذا وذاك على الأحزاب الديموقراطية والكرطونية التي تعاني من خلل بنيوي وكل النخب السياسية بمن فيهم الطبقة المرتهنة في أحضان المخزن وبوقا له ومعها الجهاز الإعلامي الذي حاد دوره ، وأصبح أداة لخدمة مشاريع خاصة وتحت وطأة شرك السلطة ، أن يكونوا على قدر المسؤولية ،و يتحلوا بثقافة النقد الداتي ومراجعة الدات بكل جرأة وشجاعة ،وأن يمارسوا دورهم الطليعي ويأخدوا زمام المبادرة في تطهير نفوسهم من الفساد والفاسدين المتحكمة في تلابيب كل الأحزاب "المنتخبة معظمها بطرق غير ديموقراطية" مما ادى إلى وجود البيوقراطية المستشرية و أفول قيادات شابة التي كبثت عنوة ، قادرة على التعامل مع المرحلة الجديدة ومحاولا إيجاد حلولا واقعية وعقلانية لكل مشاكلنا مبتعدين عن الشعارات الانتخابية الخشبية والبرامج المستنسخة العقيمة والمتشابهة فلا يمكن بحال من الأحوال أن تكون هناك ديموقراطية سليمة ما لم يتم تطهير الأحزاب من الداخل وتعطى الفرصة للطاقات الشابة الطموحة والكفوءة لقيادة المرحلة وتحمل مسؤولياتها بدل تلك القيادات التي ركبتها الشيخوخة ولم تعد قادرة على مجابهة التحديات المنتظرة بل أصبحت جزء من المشكلة عوض أن تكون عنوانا لحل المعضلات واقتراح البدائل ، همها الوحيد البقاء على رقاب العباد لتأمين مصالحها ومتنافسة فيما بينا للاقتراب أكثر نحو السلطة حفاظا منهم على مصالحهم الفئوية الرخيصة والامتيازات التي يحضون بها التي أقل ما نقول عنها ممن لا يملك لمن لا يستحق ، وبالتالي تحولت بمحض إرادتها إلى أداة مسخرة في يد السلطة تحركها كيفما تشاء ووقت ما تريد ، مشدودة بسلاسل القيد في الأفواه والأيد والأرجل . هل تكون الاحزاب في مستوى المرحلة وتفرز أفضل ما لذيها من كفاءات حزبية ذات شخصية قوية وكاريزماتية منبثقة من صناديق الاقتراع غير خاضعة لاملاءات السلطة وتعليمات الحاشية الفاسدة ، وبالتالي قادرة على تطبيق التعديلات الأخيرة وتفعيل القوانين على أساس المساواة بين المواطنين ، وتطبيق الأهداف والمصالح السياسية للشعب المغربي؟؟، وهل سيكون الحياد الايجابي للسلطة و تهييئ الظروف والمناخ السليم بإزالة الكثير من المعوقات التي أعاقت عملية التغيير سابقا من استغلال للدين والمال والنفوذ، وتوفير أكبر قدر من الشفافية ومعاملة جميع المترشحين على قدم المساواة ،والحرص على أن تتم العملية الانتخابية بأجواء من النزاهة واعتماد الاجراءات القانونية والوسائل الناجعة لمحاربة كل مظاهر الفساد ، وفرض مبدأ المراقبة وتفعيل المحاسبة بضوابط أكثر حزما وتشددا ، أم أن المشكلة الحقيقية في المجتمع المغربي وثقافته المغيبة لمبادئ الديموقراطية والذي يتحول فيه الإختلاف في الرأي بسهولة إلى عداء وحقد وضغينة، وبدل أن تكون الجمعيات والأحزاب أماكن حيوية للحواروالنقاش تنصهر فيها الأفكارالمتنوعة وتتلاقح وتتبلور فيها الرؤى ، أصبحت وكر من اوكار الفساد ومستنقع للارتزاق للانتهازيين والوصوليين مما خلق حالة من العزوف والإحباط لدى الشباب وأفقده الثقة في الكلام عن التغيير والاصلاح ، أو أن المجتمع مازال قاصراولم يبلغ سن الرشد بعد ولا تهمه لا الحرية ولا الديموقراطية بل همه الوحيد هو تحقيق قوته وامنه وبالتالي فريسة سهلة للمجتمع الاستهلاكي وتحت تأثير إعلام وقوده إثارة الغرائز وتهييج العواطف الذي يثير الذعر في نفوس الاصلاحيين ويحبط الشباب المنادي بالتغيير ، وبالتالي يكون ضحية سهلة للنخب الفاسدة ، أو أن الحديث عن الائحة الوطنية للشباب المزمع تنفيذها سيشكل منعرج حقيقيا لتلك الطاقات المفعمة بالحيوية للتعبير عن نفسها والخلق والابداع إن لم يكن الأمر لا يعدو سوى ذر الرماد في العيون وفرصة لكل القيادات الهرمة بدفع أبنائها وأصهارها لتصدر اللوائح المزمع تنفيذها، وكأن شيئا لم يتغير ....المنجل هوهو لم يتغير سوى قبضته .