التساؤل المطروح الآن على الساحة السياسية المغربية هو كيف سيتم تنزيل ما تضمنه الدستور على أرض واقع سياسي هش، يتصارع فيه زعماء الأحزاب من أجل الفوز بالأغلبية الساحقة واحتلال الصدارة الأولى، كي يكون رئيس الحكومة من بين صفوفهم. لكن تعنت قيادات بعض الأحزاب وبحثها بكل الوسائل على الحصول على تزكيات مناصريها المتخندقين معها في نفس التوجه ، ما هو إلا مظهر آخر لعدم إيمانها بدمقرطة العلاقة الأفقية في الهرم الحزبي السياسي، حيث ينصب تفكيرها المبرمج على شعار واحد لا مناص منه عندها، هو أن الحزب يساوي صفرا إذا غاب عن قيادته القائد "المحنك" المسجل في السجل السياسي تحت اسم الزعيم فلان من المهد إلى اللحد. أما فضائح أساليب المؤامرات البهلوانية في مشهدنا السياسي، فإنها جعلت بعض الأحزاب ترفع يافطة تقول فيها إنها ضحية سنوات سابقة مع الإدارة ، وكأنها المسئولة الوحيدة عن نجاحها أو فشلها في الانتخابات السابقة، متناسية تبجح بعض منتخبيها بالأصوات التي حصلوا عليها في دوائرهم، مؤكدين وقتها على نزاهتها وشفافيتها كما كانوا يقولون. لقد صموا آذانهم ساعتها عندما كان الشرفاء المغاربة ينددون بالتزوير الذي طال بعض الدوائر، عندما تأكد بالملموس عزوف شريحة كبيرة من المغاربة عن التصويت، ولكن مع الأسف لم يكونوا أذكياء لفهم اللعبة السياسية، وينتبهوا إلى عقارب الساعة التي كانت تدور في أيديهم عكسيا، بأنها ستتوقف ذات يوم معلنة توقف زمن سياسي تحكمت فيه المصالح الشخصية على المصالح العامة ، وبداية ربيع سياسي ستتحكم فيه خريطة سياسية جديدة بآليات إصلاحية تؤسس لقواعد الانتقال الديمقراطي. مما يعني أن بعض الأحزاب لا حضور لها إلا بفضل الإدارة، وهذا يسيء إلى حضورها الآن على الساحة السياسية . ومن الضروري الآن فتح نقاش جدي مساير لمرحلة ما بعد الدستور، الذي أصبح أمرا واقعا، والبحث عن كيفية التصدي لبلطجية الانتخابات المقبلة لكي لا نشاهد نفس المسلسل الانتخابي السابق بنفس "الأبطال" السياسيين. لقد أبانت التجارب السابقة أن البلاد نخرها الفساد، وأن التطلع للمستقبل يبدأ بنخب جديدة مؤهلة قادرة على فرض وجودها وطرح برامج يتم استيعابها بشكل يخدم مصالح الوطن، اعتمادا على سياسة القرب. وكل ذلك في إطار نقاش موسع يجعل المغاربة فاعلين في بناء دولة الحق والقانون ومحاسبة المفسدين وإحالتهم على القضاء . إن الحملة التي صاحبت الاستفتاء حول الدستور أثارت حفيظة بعض المغاربة الغيورين على وطنهم وبالخصوص ما رافقها من تطبيل وتهليل. حتى الحمير عُلقت على وجوهها كلمة نعم . إن الوقت الراهن يفرض على الجميع التجند للمرحلة الحساسة جدا، مرحلة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة التي من خلالها يمكن التحكم في مفصل النهج الإصلاحي للبلاد، ورفع التحديات التي تواجها. لقد عبر المغاربة عن رأيهم في الاستفتاء سواء بنعم أولا أو المقاطعة، مما يعني أن المغاربة لهم الحق في اختياراتهم السياسية عن قناعة، والديمقراطية تقتضي احترام رأي الأخر، رغم الاختلاف في المواقف. وبما أن الكل يتفق على حب الوطن ولا جدال في ثوابت الأمة ، فمن الطبيعي أن تختلف وجهات النظر بين كل القوى السياسية مادام الهدف واحدا عند الكل. التحضير للانتخابات التي لازالت المشاورات قائمة على تحديد تاريخها، سيكون المحك الحقيقي لالتزام المغاربة بالديمقراطية، والتصدي لكل اللوبيات التي تتحكم في خريطة الانتخابات، وفقا لمصالحها، والبحث عن طرق ناجعة تجعل المواطن يسترجع ثقة مبدأ التصويت بدون شروط أو وعود، أو ضغوط من أحزاب لم تستطع لحد الساعة التعبير بكل وضوح عن رأيها فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية . إن أمل المغاربة الآن هو خلق جو سياسي مساهم في إفراز نخب سياسية جديدة مسئولة، مع معارضة قوية قادرة على الحضور في الساحة السياسية. ركائزها استحقاقات انتخابية شفافة، ونزيهة تتأكد من خلالها مدى جاهزية الدولة في القطع مع الأساليب السابقة، والابتعاد عن تحريك الخطوط الخفية للعبة السياسية ، ومحاربة إنزالات أصحاب المال . من أجل تحقيق ذلك يجب مراجعة مدونة الانتخابات، والتقطيع الانتخابي، وإلزامية التصويت بالبطاقة الوطنية مع ضرورة إشراف هيئة محايدة على التعاقد الذي سيبرم سياسيا بين الناخب والمنتخب في الانتخابات المقبلة. لقد آن الأوان أن ينضج الناخب ويعي ضرورة التغيير، وأهمية إعطاء صوته لمن يستحققه، ممن تتوفر فيهم شروط البعد السياسي المستشرف لغد سياسي جميل تحارب فيه أمية صناديق الاقتراع من طرف المغاربة الذين يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم نحو وطنهم وأنفسهم. إن الاختناق السياسي الذي يعيشه الشارع المغربي اليوم يجب أن ينظر إليه بعين الحذر، وعدم تهميش أصحابه ، مع ضرورة فتح المجال لوسائل الإعلام قصد مواكبة ما يجري في البلاد مع احترام مصداقية الخبر أثناء نقله، والتأكد من مدى جاهزية الأحزاب دخول غمار الاستحقاقات المقبلة عن جدارة واستحقاق من أجل عدم الانزلاق في خندق انفلات سياسي يكرس مقولة فاقد الشيء لا يعطيه. (كاتبة وشاعرة- أكادير) هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.