19 ماي, 2018 - 06:56:00 على رأس إحدى أهم المجموعات الجزائرية للأشغال العامة، امتد نفوذ رجل الأعمال علي حداد إلى المجال السياسي، مع العلم أنه مقرَّب من الحاشية المحيطة بالرئيس. فهل هو شخص مشهور؟ نشرت صحيفة "جون أفريك" الفرنسية شهادات مقربين منه في محاولة لكشف الغموض الذي يحيط بشخصيته أكد أصدقاء علي حداد أنه ليس لديه ما يخفيه، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أنه شخص كتوم، ناهيك عن أنه اعترف بنفسه بأنه "خجول جداً". ولكن، كيف لشخص لمع نجمه ضمن أرباب الأعمال أن يتوارى عن الأضواء؟ خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، سيجد الرجل نفسه أمام معضلة، إما السعي نحو الظفر بولاية ثانية على رأس منظمة أرباب العمل وتحمّل الضغوط التي ستنجر عن الترشح لهذا المنصب، أو تخليه عن هذا المنصب ليتمتع ببعض الراحة. على الرغم من أن علي حداد لم يبح بكلمة واحدة عما يضمره من نوايا، إلا أن أشخاصاً محيطين به قد بدأوا يتحدثون عن صعوبة تحديد خياره، ومن جهته أفاد أحد أرباب العمل الشباب بأن "رئاسة منظومة رجال الأعمال أضحت في مقدمة الساحة، كما أن الحضور المكثف لوسائل الإعلام جعلت حداد يكسب أشواطاً متقدمة في السباق نحو تولي رئاسة المنظومة"، مع توجيه الضربة القاضية لبعض خصومه، وأبرزهم الوزير الأول السابق، عبدالمجيد تبون. عبد المجيد تبون والحرب على "المال القذر" خلال عمليات صيد الطرائد الكبيرة لا يمكن التنبؤ بكمية الصيد، كما أنه ليس من النادر أن يتحول الصياد في حد ذاته إلى فريسة. بعد تسميته وزيراً في 24 مايو/أيار سنة 2017، أطلق المجيد تبون الصيف الماضي حرباً ضد ما سمَّاه "المال القذر"، الذي يعتقد أنه غزا المجال السياسي. وقد أكد مقربون من تبون أن هذه الحرب قد تمت "بالتشاور مع الرئيس"، حيث خرجت الأوامر خلال لقاء جمع الطرفين وجهاً لوجه في قصر زرالدة الرئاسي، الذي يبعد قرابة ثلاثين كيلومتراً غربي الجزائر العاصمة، تحديداً في المقر الخاص الذي يقيم فيه عبدالعزيز بوتفليقة. لقد فهم عبدالمجيد تبون جيداً غضب رئيس الدولة، الذي طلب منه أن يشن حملة تطهير بين صفوف رجال الأعمال. وفي هذا السياق، ذكر أحد القضاة متحدثاً عن بعض رجال الأعمال "مَن يعتقدون أنفسهم؟ لقد تجاوزوا كل الحدود"، قبل أن يتم تأجيل التحقيق، لكن هذه المرة بمشاركة نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش، أحمد قايد صالح. وكما جرت العادة أثير السخط ذاته حول سير التحقيقات، كما تواصل غياب تحديد هدف واضح. وقد أوكلت لعبدالمجيد تبون مهمة محاربة ذلك. يوم 15 يوليو/تموز، لاحت الأعمال العدائية بالأفق، وخلال حفل تخرج دفعة من المدرسة العليا للأمن الوطني على مرتفعات الجزائر وصل علي حداد مسبقاً، أي قبل الوزير الأول الذي كان من المنتظر أن يحل قبله. وكان بصحبته الأمين العام لنقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، عبدالمجيد سيدي السعيد، وهي أقوى نقابة عمال في الجزائر، كما أنها مقربة جداً من النظام. ولكن سرعان ما انتاب أول الوافدين شعور بالضيق أخفوه وراء ابتساماتهم، عندما سمعوا أحدهم يقول إن الوزير الأول يطلب رحيل علي حداد من حفل التخرج. ولكن، لم يتجرأ أحد على إبلاغ المدير التنفيذي لمجموعة حداد بنية الوزير الأول، قبل أن يتكفل عبدالمجيد سيدي السعيد بذلك حيث قال له "إذا غادرت، سأغادر معك". أسرار حياة طبقة "الأوليغارشية" يومان على الواقعة، وتلقت مجموعة حداد دعويين للتحقيق، ويبدو أن الحكومة استنكرت تأخر شركة علي حداد في تنفيذ قرابة عشرين مشروعاً بتكلفة 3.4 مليار يورو. وقد أجاب رجل الأعمال عن ذلك نقطة بنقطة في الصحافة. في المقابل، قام عبدالمجيد تبون وحاشيته بتسريب معلومات سرية عن حياة "الأوليغارشية"، حيث أضحى هذا المصطلح يستخدم للحديث عن الأشخاص المحيطين برئيس منظومة رجال الأعمال. بعدها، استقبل الوزير الأول في مكتبه علي حداد وعدداً من الضيوف. وبدأ في الشكوى من الثراء الفاحش الذي يتمتع به رجال الأعمال المقربون من حداد، الأمر الذي أثار ذهول وغضب المعني بالأمر. النخب رحبت بالمكيدة متخفين تحت اسم مستعار، بدا أن جزءاً من طبقة النخبة الجزائرية قد رحبوا بالمكيدة التي تحاك لإسقاط الفتى الذهبي، وقد أكد ذلك دبلوماسي أقر بأنه لم يبق الكثير. وأضاف المصدر ذاته أنه "لا يتكهن أحد بأن يكون مصير حداد مثل مصير رفيق خليفة الملياردير السابق، الذي عرف المجد والثروة خلال الألفينات مع تقربه من النظام، قبل أن يسجن بتهمة الاختلاس". ولكن علي حداد، ابن بلدة أزفون الواقعة على مقربة من القبائل، يعرف جيداً هذه القصة وهو مستعد للدفاع عن نفسه. سعيد بوتفليقة، حليفه الوفي شنَّ رئيس منظومة رجال الأعمال هجوماً مضاداً. إلى الجانب من الحليفين الوفيين، عبدالمجيد سيدي السعيد، وسعيد بوتفليقة، المستشار الخاص وشقيق رئيس الدولة. وقد لحقت أول إهانة بعبدالمجيد تبون يوم 30 يوليوز سنة 2017، تحديداً عندما كانت الجزائر تودع رضا مالك، أحد قادة جبهة التحرير الوطني ومفاوضي اتفاقية إيفيان. وظهر أمام جثمان مالك في ساحة الشهداء بمقبرة العالية كل من سعيد بوتفليقة وعلي حداد جنباً إلى جنب، وقد كان التقارب والشراكة واضحين بين الطرفين من خلال الضحكات وتبادل الود بينهما أمام عدسات الكاميرا. وعلى بعد مترين، بدت على عبدالمجيد تبون خيبة الأمل. ولم يفترق سعيد بوتفليقة وعلي حداد، حيث ركبا السيارة معاً بعد انتهاء مراسم الدفن، ما أثار الكثير من التساؤلات في ذهن الوزير الأول والرأي العام. إقالة غير مسببة بعد مضي 15 يوماً، أقيل تبون دون سبب واضح، مع العلم أنه لم يكن قد مضى على تعيينه سوى ثلاثة أشهر، وبات جلياً أن الصياد أضحى هو نفسه الفريسة. وبدا أن مواجهة تبون لعلي حداد كانت السبب الأبرز وراء إقالته، فقد تم تنظيم لقاء سري جمعه بنظيره الفرنسي إدوار فيليب، في السابع من أغسطس/آب في باريس. ومع ذلك، خلفت إقالة تبون وراءها أسطورة علي حداد التي لا يمكن المساس بها. التاريخ يعيد نفسه ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فقبل بضعة أشهر، نشب نزاع بين رجل الأعمال علي حداد وبين الوزير الأول السابق عبدالمالك سلال، الذي رحل بدوره عن منصبه. ليؤكد أن حداد ينتصر دائماً على خصومه، وأنه واسع النفوذ. يعتقد البعض أن حداد سيكون المسؤول عن تعيين الوزراء، وستكون له كلمة في تعزيز مكانة المحافظين، فضلاً عن أنه سيزرع رجاله المقربين في قلب مراكز صنع القرار. ويعتقد البعض الآخر أن سعيد بوتفليقة يستشير علي حداد خلال كل عملية تعديل وزاري يقوم بها. وتجدر الإشارة إلى أن علي حداد كان المسؤول عن تنظيم المواعيد بين رجال الأعمال والوزراء، فضلاً عن أنه يقوم بطمأنة البعض عن وضعيتهم ومناصبهم الجديدة في حال تم الاستغناء عن خدمات بعضهم. فعلى سبيل المثال، كان علي حداد مَن طلب من رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم السابق، محمد روراوة ترك منصبه، متظاهراً بأنه مبعوث من طرف سعيد بوتفليقة. لكن، إذا كان قد مُنح كل هذه الصلاحيات، فإن ذلك بلا شك بسبب التعتيم المحيط بإدارة شؤون الدولة. وتظل العلاقة الوثيقة التي تربط علي حداد مع صانعي القرار في البلاد مثيرة للريبة. فبالإضافة إلى كونه صديقاً مقرباً من سعيد بوتفليقة وعبدالمالك سلال ورئيس الوزراء الحالي أحمد أويحيى منذ سنوات، يعتبر علي حداد حليفاً قوياً لرئيس الدولة، مثل غيره من أعضاء منتدى رجال أعمال، حيث قام بتمويل الحملات الانتخابية للعديد من المرشحين. وكان أحد أصدقائه المقربين قد صرَّح بأن "علي حداد تربطه علاقة صداقة كبيرة مع عبدالمالك سلال. واستشاره الأخير في تعيين بعض المديرين التنفيذيين، ولذلك، يعتقد البعض أنه المسؤول عن نهاية المسيرة المهنية للكثير من الوزراء". اتهامات بالمحاباة والنهب على أية حال، يعترف رئيس مجموعة حداد بجميع الصداقات التي تجمعه بمسؤولين مرموقين، ويدين لهم ببعض النجاحات التي حققها ولا ينكر ذلك أبداً. فقد فتحت له مصادقة الرجال المقربين من الرئيس، البابَ للحصول على الصفقات الحكومية والقضاء على المنافسين، والحصول على قروض بسهولة أكبر. يمكن القول إن علي حداد، رجل قد كوَّن نفوذه من الصفقات الحكومية والعلاقات الوثيقة التي تجمعه بأركان السلطة الجزائرية، فضلاً عن أنه يعد رجلاً قادراً على فك شفرة القصر الرئاسي. وأن مجموعته ترتبط بشكل كلي بهذه الصفقات، حيث إن تقلص حجمها يسهم في تراجع نفوذه. فهو لم يتسلق سلم النجاح مثل سائر رجال الأعمال، بل ركب المصعد ليصل لجميع أهدافه بسرعة. ونتيجة لذلك، وجهت له الكثير من الاتهامات التي تتعلق بممارسات المحسوبية التي يتبعها، وجرائم النهب التي يرتكبها. تحوم الكثير من الشكوك حول النفوذ الذي تحظى به مجموعته، غير أن علي حداد يرفض دائماً الردَّ على هذه الشكوك، ولذلك يقوم أصدقاؤه دائماً بالتصدي لها. وفي سياق متصل، أفاد أحد أصدقائه أنه "أضحى لعلي حداد أعداء من خلال نشاطه السياسي. وأن الكثير من رجال الأعمال استطاعوا الحصول على المال العام وأموال البنوك، لكن لم يعرف أحد منهم النجاح ذاته الذي حققه حداد. وبالتالي، يرجع الفضل في النجاح الذي حققه إلى جهوده ومثابرته". وأوضح صديق آخر له قائلاً إن "الهيكل العام لنظامنا يعتمد على الدبلوماسية الموازية، والحكم الاستبدادي، فضلاً عن النفوذ السياسي والصفقات الحكومية. فإذا كان نفوذ حداد يقوم بالأساس على كل هذه الركائز فإنه سينهار، وهذا يعني أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل. وتساءل المصدر ذاته "هل هناك مشكلة في أن يكون مقرباً من السلطة؟ ليس ممنوعاً أن يكون حليفاً. هل سحق حداد خصومه أم سرق منهم الأسواق؟ إذا كان ذلك صحيحاً، فإن منافسينا الأجانب كانوا سيحتجّون على ذلك، في الجزائر يتم التشكيك في أي شخص ناجح، حيث يُعتقد أنه من المستحيل أن ينجح أحد دون وجود جنرال أو وزير أو رئيس أمامه أو خلفه أو إلى جانبه". مسار غير مألوف تتنامى الشكوك حول علي حداد وشركته، التي تملك سجلاً مهنياً مختلفاً عن بقية رجال الأعمال الجزائريين. ففي أواخر سنوات الثمانينات، عندما ورث العديد من رفاقه العديد من الشركات التجارية المربحة، أسَّس علي حداد، الذي كان الابن الأصغر لعائلة تتكون من ستة أولاد وبنتين، شركة البناء الخاصة به من خلال اقتناء عربة ومجرفة وتوظيف عامل واحد. بعد ذلك بثلاثين سنة، عندما أصبح يبلغ من العمر 53 سنة، بات رئيساً لمجموعة شركات تتنوع أنشطتها من البناء والأشغال العامة إلى الإعلام، والرياضة، والفنادق، والسياحة، والنقل، والصناعة الدوائية أو الهيدروليكية. إلى جانب إدارة مجموعة شركات مترامية الأطراف، يترأس علي حداد، وهو أب لثلاثة أبناء، منتدى رجال الأعمال الجزائريين، منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك كمكافأة له مقابل الدعم الذي قدمه لنقابة أرباب العمل خلال الولاية الرابعة للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة. حيال هذا الشأن، قال أحد الأفراد المطلعين على الأحداث في ذلك الوقت، إن "علي حداد لم يرغب أن توضع على عاتقه هذه المسؤولية". لكن أصدقاءه هم من أرغموه على تقلد المنصب. والجدير بالذكر أن منتدى رجال الأعمال الجزائريين يضم قرابة سبعة آلاف شركة، التي تسيطر على رأس مال يفوق 30 مليار دولار. وبالتالي، يضع هذا المنصب الرئاسي حداد تحت الأضواء. النخبة وصداقة بوتفليقة أبرز مشكلاته برأي معارضيه يسخر الكثير من نقاده من طابعه المتردد خلال خطاباته ومقارباته اللغوية، حيث صرح أحدهم بأن "علي حداد لديه مشكلتان: النخبة الفرنسية ومعارضو بوتفليقة، ووزير سابق يعتبره صديقاً. ومن السيئ جداً أن نعرف أنه سيكون لعبة في أيدي الآخرين". في هذا الصدد أشار أحد المقربين منه إلى أنه لا يكترث لما يقال عنه، أو للانتقادات التي تنهمر عليه، وأنه يتحدث دون تصنع ويتطور بسرعة لأن هذه هي شخصيته وحياته. علاوة على ذلك، أصبح علي حداد لا يأبه بالنقد والهجمات التي أثرت فيه أحياناً، لكنها لم تحرك من نفوذه ساكناً. وحتى اللحظة الراهنة، لا يزال علي حداد يقاوم كل الصفعات التي وجهت له من قبل أعدائه. مجموعة علي حداد الضخمة على الرغم من أن علي حداد يتسم بالتواضع، إلا أنه عندما يبدأ بالحديث عن مجموعته، فإنه لا يستطيع ألا يتغنَّى ويشيد بنجاحها، فقد أخبر أحد المقربين منه أن "مجموعة حداد -التي سيحتفل هذا العام بالذكرى الثلاثين لتأسيسها- هي حب حياته". وتوظف الشركة 15 ألف موظف، وأنشأها خلال العام 1988، كان أول عقد عمل تحصل عليه هو مشروع بناء أرصفة منطقة القبايل، وحتى اللحظة الراهنة، أضحت هذه المجموعة تغطي الكثير من المجالات منها أعمال البناء، والرياضة، والفندقة، والنقل، وصناعة الأدوية والإعلام؛ ما أسهم في تحقيق مجموعته إيرادات بلغ 768 مليون يورو خلال السنة المالية 2017. - مصدر الترجمة إلى العربية: بوست عربي