03 يناير, 2018 - 04:47:00 في 28 أكتوبر 2016، توفي محسين فكري سحقا في شاحنة القمامة بينما كان يحاول استرداد البضائع التي صادرتها السلطات الأمنية في الحسيمة. وشكل هذا الحادث ولادة الحراك الاحتجاجي بمنطقة الريف، لكنه يعاني الآن من التراجع بسب اعتقال أبرز قادته، لكن السؤال المطروح حاليا مع انتقال عدوى الاحتجاجات إلى مناطق أخرى هو هل ستطور السلطات المغربية نفسها وطريقة تعاملها مع المحتجين وهل ستجيب على مطالب المغاربة؟. القصر تعامل بشكل سلبي مع الحراك من أكتوبر 2016 إلى مايو 2017، أظهر القصر تعاملا سلبيا في مواجهة الحركة الاحتجاجية في الريف، التي انتشرت على نطاق واسع لم يسبق له مثيل منذ احتجاجات حركة 20 فبراير سنة 2011 ، ليجد نفسه في تحدي مباشر مع هذه الاحتجاجات، اختار معها الملك محمد السادس طريق الصمت، في حين بذل مسؤولون حكوميون وعلى المستوى المحلي عدة محاولات للتفاوض مع الساكنة باءت كلها بالفشل. وعندما احتج ناصر الزفزافي على خطبة الجمعة في أحد مساجد حيه و رفض اتهام الخطيب للمحتجين بالتسبب بالفتنة، وجدت الدولة ذريعة من أجل إغلاق صفحة حراك الريف، واعتقلت ابرز نشطائه، الذين وصل عددهم إلى أكثر من 200 شخص، وقامت بتنقيل ومتابعة العديد منهم في محاكم الدارالبيضاء، ليضع القمع الذي تعاملت معه السلطات مع الاحتجاجات السلمية حدا لأي أمل ممكن لحل الأزمة في الريف. تقول كنزة أفساحي، وهي عالمة اجتماع في جامعة بوردو بفرنسا ومؤلفة للعديد من الأعمال والبحوث حول الريف، إنه إلى جانب طلب رفع "الحصار الاقتصادي" عن المنطقة، طالب المحتجون أيضا بحل مشاكل المياه وحل مشاكل القطاع الفلاحي بالجهة ، كما يطالب الفلاحون بإلغاء أوامر القبض على مزارعي الكيف، وعموما يعاني الفلاحون الصغار بالمغرب حسب أفساحي من أشكال تمييز مختلفة سواء في العمل والتعليم، والنقل وما إلى ذلك. منطقة الريف لا يمكن أن تدار من المركز فقط وفي في حين أن المطالب التي يدافع عنها الحراك هي في معظمها محلية، فإن أساليب العمل والتعبئة تستند على رصيد تاريخي طويل من النضال في المنطقة ، فحسب مونيا الشرايبية بناني، أستاذة العلوم السياسية بجامعة لوزان، "فإن احتجاجات الريف تظهر أن هذه المناطق لا يمكن أن تدار من قبل سلطات المركز فقط وبأسلوب يتسم بالقمع. وتضيف الشرايبي أن ما حدث في منطقة الريف يعود إلى أحداث تاريخية وقعت منذ فجر الاستقلال، في المواجهة بين الدولة وهذه المناطق التي دفعت ثمنا باهضا في مقاومتها للاستعمار ، مشيرة ان الاحتجاجات في المغرب كانت مركزة بشكل كبير في المدن الكبرى، لكن الذي نلحظه منذ التسعينيات هو انتقال ساحة الاحتجاج تدريجيا من المدن الكبرى إلى المدن الصغيرة والمتوسطة والمناطق القروية. وترى نفس الباحثة، انه مع نهاية عهد الحسن الثاني، شهد المغرب عملية من الضغط ضد الاستبداد رافقه صعود مجتمع مدني سمحت الدولة بدخوله من أجل المشاركة في "التغيير السياسي" ، مضيفة "أن المشاريع الاجتماعية التي أطلقها محمد السادس تضمنت العديد من الثغرات وعدم المساواة في السياسة التنموية الشيء الذي دفع سكان المناطق الهامشية إلى الاحتجاج" . حراك الريف رفع سقف المطالب عاليا وفي أعقاب أحداث "الربيع العربي" في عام 2011، اعتمدت حركة 20 فبراير على أساليب التنظيم والتعبئة التي كانت موجودة من قبل، مع خلق أساليب جديدة في أشكال الاحتجاج، والارث والزخم الذي تركته حركة 20 فبراير اعتمدها قادة الحراك في الريف وظهر ذلك جليا في خطاباتهم. واستفاد حراك الريف من دعم وتضامن واسع من الخارج، الشيء الذي يفسر أن مطالبه لم تكن محلية فحسب، بل وصلت إلى مطالب كبيرة منها عدم ثقته في الطبقة السياسية، بل إن حراك الريف رفع السقف عاليا عندما قال المتظاهرون بصوت عال وواضح "إن معظم السلطات مرتكزة في يد الملك مكسرين القاعدة الأسطورية التي استمرت لمدة طويلة والتي تقول ان الملك جيد والطبقة السياسية هي السيئة. عدم الثقة في الأحزاب والسياسات التنموية وأشارت عالمة الاجتماع كنزة أفساحي أن الملك أقر بأن برامج التنمية المحلية قد فشلت وأنها لا تخضع لأي مداولات على المستوى المؤسساتي ، وبالرغم من أن الدستور الجديد الذي اعتمد في أعقاب مظاهرات عام 2011 نص على "آليات الديمقراطية التشاركية و ربط المسؤولية بالمحاسبة" فإن المحتجين يعتبرون أن مطالبهم لا تؤخذ بعين الاعتبار، وأن مشاريع التنمية وضعها "خبراء" مفصولون عن الواقع، كما أظهر حراك الريف أيضا حسب أفساحي غياب النخب المحلية التي يمكنها الاشراف على البرامج التنموية. ويظهر التحدي في حراك الريف حسب أفساحي رفض أي تدخل من جانب الأحزاب السياسية ، لأن الوساطات لو تمت كانت ستضعف الحراك، لأنه بهذه الطريقة استطاعت الدولة نزع فتيل الاحتجاج في سيدي إفني في جنوب المغرب عام 2008 وقد أصابت عدوى حراك الريف عدة مناطق في المغرب، حيث انتقلت إلى مدينة زاكورة التي خرجت ساكنتها للاحتجاج بسبب النقص في مياه الشرب، وحسب كنزة أفساحي لا يوجد في جنوب المغرب فقط بل أيضا في شماله لكن الفلاحين وخاصة مزارعي القنب الهندي يصعب عليهم المطالبة بالماء بسب أنشطتهم الفلاحية غير قانونية. وتضيف أفساحي أن هناك أوجه تشابه، بين إنتاج البطيخ في منطقة زاكورة (المسؤول جزئيا عن نقص مياه الشرب في المدينة) وزراعة القنب الهندي في الريف، ففي كلتا الحالتين، تخلى السكان عن المحاصيل التقليدية التي يبيعونها في السوق واتجهوا نحو الاكتفاء الذاتي، لأن المنتجات الموجة للتصدير تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء ، كما أن الاستغلال المفرط للموارد المائية ليس عائقا أمام التنمية فحسب، وإنما يشكل أيضا مصدرا للصراع بسبب ندرة المياه واستنزاف التربة. ترجمة عن الموقع الفرنسي "orientxxi.info"