نشرت "الأسبوع الصحفي" في عددها الصادر هذا الأسبوع حوارا مع أحمد الريسوني، انتقد فيه بشدة نسبة المشاركة في الإستفتاء، و التي أعلنت عنها وزارة الداخلية. كما وجه اللوم ضمنيا إلى "إخوانه" في حزب "العدالة والتنمية" و"حركة الإصلاح والتوحيد"، عندما استنكر "من يلعنون الحركة (حركة 20 فبراير)، في حين يأكلون ما زرعته". موقع "لكم"، وبعذ استئذان من الأسبوعية الأطثر مقرؤوية في المغرب يعيد نص الحوار كما نشرته. غالبا ما تثير خرجاته الإعلامية ردود فعل قوية وجدلا واسعا، ذلك أن الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح والخبير الأول لدى مجمع الفقه الإسلامي بجدة لطالما عبر عن مواقفه وآرائه في مختلف القضايا، من دون تحفظ وبكل جرأة جرّت عليه أحيانا الكثير من الانتقادات. أحمد الريسوني، يتحدث في هذا الحوار الذي خص به «الأسبوع الصحفي» عن رأيه في النتائج التي أسفر عنها الاستفتاء، معتبرا بأن نتيجة 98 بالمائة التي قالت «نعم للدستور» قريبة إلى التصديق أكثر من نسبة المشاركة التي حددتها وزارة الداخلية في 73 بالمائة. ويعبر الريسوني عن استيائه ممن وصفهم بمن «يأكلون الغلة ويلعنون الملة» في إشارة إلى الأطراف التي تلعن حركة 20 فبراير في حين تحقق المكاسب من ورائها. كما يبدي الريسوني موقفه من مجموعة من القضايا كحذف قدسية الملك من الدستور الجديد وأهم الإيجابيات التي أتى بها هذا الدستور وتصوره لمغرب ما بعد الاستفتاء. قال إن إقرار الدستور لا يعني نهاية 20 فبراير واستنكر من يلعنون الحركة في حين يأكلون ما زرعته ما هو تعليقكم على نتائج الاستفتاء؟ لكي نكون منصفين ونعطي كل ذي حق حقه، فإن نتيجة الاستفتاء هي في الحقيقة ثمرة للمخاض والحراك الذي جرى فيما بين تاريخ 20فبراير وتاريخ يوليوز. للأسف هناك ناس «يأكلون الغلة ويلعنون الملة». أعني الذين يلعنون ويشتمون حركة20فبراير، وهم إنما يحصدون ويأكلون ما زرعته. ما هي دلالة التصويت بأغلبية «ساحقة» لصالح الدستور؟ يوما بعد الاستفتاء زارني بعض المثقفين السعوديين، وسألني أحدهم: هل تصدق نسبة نعم (أكثر من 98بالمائة) المعلن عنها في المغرب؟ فقلت: هذه النسبة هي أقرب إلى التصديق من نسبة 73بالمائة التي هي نسبة المصوتين. فالذين ذهبوا إلى مكاتب التصويت إنما ذهبوا ليقولوا نعم. لكن هل نسبة الذين ذهبوا هي فعلا 73بالمائة؟ هذا الذي أشك فيه ولا أستطيع تصديقه. على العموم بركات العهد القديم ما زالت تفعل فعلها. ولكن في جميع الأحوال لا شك أن دستور2011 قد تحقق له من الشعبية والمصداقية ما ليس لأي دستور مغربي قبله. هل التصويت لصالح إقرار الدستور يعني نهاية حركة 20 فبراير؟ لا أبدا، الحركة في بداية مشوارها وفي عز شبابها. ولها أن تعتز بأنها حققت من الإصلاحات ما لم يتحقق في عشرات السنين قبلها. والأيام حبلى بالمزيد. نقطة القوة عند حركة 20فبراير أنها ليس لها ما تخسره، بخلاف الأحزاب التقليدية التي يكبلها ويقتلها حساب الربح والخسارة وحساب المكاسب والمناصب. ما هو رأيكم في الخطبة التي صاغتها الدولة ليقدمها أئمة المساجد لحشد الدعم للدستور؟ هي بدون شك عمل رديء ونظر قاصر، ولا ضرورة له، بل لا فائدة منه. فالمصلون عادة ما يستاؤون من مثل هذه الخطب. وأقل ما يقولونه: مللنا هذا الكلام المكرور في الإذاعة والتلفزة ثم ها نحن نجده في المسجد! بالإضافة إلى الأئمة، ساهم في حملة «نعم للدستور» زعماء روحيون، كالزاوية البودشيشية وأنصار الشيخ المغراوي، وحزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية وغيرهم، أليس هذا توظيفا واضحا للدين في السياسة؟ لجميع المواطنين حق التعبير عن آرائهم ومواقفهم في أماكنهم الخاصة، وكذلك في الأماكن المتاحة للجميع. وليس في هذا أي عيب، بل هو من الحيوية الإيجابية المطلوبة من جميع المواطنين. وليس لنا أن نفرض على أحد أن يتجرد من عقيدته وثقافته. وإلا لماذا لا نقول: هناك من يوظفون الفن، وهناك من يوظفون الرياضة، وهناك من يوظفون قضية المرأة... لقد أُمرنا أن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. نعم من ليس له أي التزام فعلي بالدين، ثم يتمسح به، أو يتباكى عليه، فهذا هو الذي يوظف الدين. ما هي أهم إضافة جاء بها الدستور الجديد في الحقل الديني المغربي؟ أستطيع أنا - كما غيري - أن أتحدث عن كثير من إيجابيات هذا الدستور، ولكن تخوفي دائما من التطبيق، يكون أو لا يكون، وكيف سيكون؟ التجربة الطويلة لا تجعلني أطمئن ولا أستسلم للإنجازات الورقية. في الحقل الديني المباشر أظن ليس هناك تقدم ولا تأخر. ولكن المكانة الجيدة للأسرة والطفولة والشباب في الدستور الجديد، كل هذا يخدم القيم الدينية. وكذلك أعجبتني مضامين الفصل الخامس، وحتى صياغته الجيدة الذكية المتوازنة الواضحة. فقد نص على أنه: تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. وقوله «تظل العربية» يشعر بأنها مهددة ومستهدفة. ثم نص على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها. ثم أنصف الأمازيغية بجعلها أيضا لغة رسمية للدولة، واعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء. ونص كذلك على إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، يتولى حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية... وكل هذا يعيد الاعتبار للمكونات الوطنية الأصيلة، المشبعة بالروح الإسلامية، بعد زمن طويل من تهميشها لفائدة سيادة المشروع الثقافي واللغوي الأجنبي. كيف ترون مغرب ما بعد الاستفتاء؟ لا شك أن الاستفتاء، والدستور الجديد، والمؤسسات الجديدة التي ظهرت في المدة الأخيرة، وتلك التي ستأتي لاحقا، والإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين، وعقبى للباقين... كل هذا يبشر بخير ويبعث على التفاؤل، وهو جزء من اليقظة والتحرك الممتدين في سائر أنحاء العالم العربي. ونحمد الله أن نصيب المغرب من ذلك محمود ومبشر، لكن إذا استمرت اليقظة والحركة. * مدير مشروع معلمة القواعد الفقهية والأصولية، بمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة