تنسيق نقابي لشغيلة الصحة بطنجة أصيلة يصعّد احتجاجاته للمطالبة بصرف ملف التعويضات عن البرامج الصجية    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    المغرب يعزز الحضور بالأسواق الإيبرية    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    إجهاض محاولة تهريب الكوكايين بمعبر الكركارات    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    رفض تأجيل مناقشة "قانون الإضراب"    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    "جبهة" تنقل شكر المقاومة الفلسطينية للمغاربة وتدعو لمواصلة الإسناد ومناهضة التطبيع    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    رغم محاولات الإنقاذ المستمرة.. مصير 3 بحّارة مفقودين قرب الداخلة يظل مجهولًا    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    هلال يدين تواطؤ الانفصال والإرهاب    الشيخات داخل قبة البرلمان    المحكمة الدستورية تجرد بودريقة من مقعده البرلماني    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    غموض يكتنف عيد الأضحى وسط تحركات لاستيراد المواشي    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    طلبة المعهد الوطني للإحصاء يفضحون ضعف إجراءات السلامة بالإقامة الداخلية    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    "أزياء عنصرية" تحرج شركة رحلات بحرية في أستراليا    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    عادل هالا    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضايا: ثَورات ما بعد الأنْترنت والشّبكات الاجْتماعِية.. حِينَ يتَلاشى مَفْهموم المَركز(4)
نشر في لكم يوم 29 - 10 - 2017


29 أكتوبر, 2017 - 10:14:00
الأنترنت كمنصة عالمية
يَبدو أنّ التّقدم التّكْنولوجي في مَجال الاتّصالات والنقل رافق تاريخيًا التقدم في التنظيم الذاتي للشعوب. ومكّنت الطباعة وتوسع البريد الحديثان نسبيا، خلال الثورات الديمقراطية في القرن الثامن عشر،(مكنت) نوادي المراسلات المنتشرة في المُستعمرات الأمريكية والمقاطعات الفرنسية من التواصل. وكانت امكانية تنظيم جلسة استماع للمطالب المحلية، ومُناقشة الأفكار، وعقد اجتماعات موسعة، والإعلان عن المؤامرات، ونَشر وتَوزيع الصّحف والمطويات، عوامل جعَلت ثورات 1776 و1789 مُمكنة. وفي القَرن التّاسع عَشر، عرّفت السكك الحديدية، والملاحة البخارية، والتلغراف والصحف اليومية بالثورات الديمقراطية لعام 1848 في كل أنحاء أوروبا وذلك في غضون بضعة أشهر فقط. أما في القَرن العِشرين، ولسُوء الحظ، أصبحت الإذاعة والتلفزيون، أدوات تواصل تنْحدر من أعْلى إلى أسْفل، وفي اتجاه واحد، أضْحت أدوات أساسية في يد الطغاة مثل هتلر وسْتالين، ولسيَاسيين مُناورين مثل تْشرشل أو رُوزفلت، ولمعلنين أثرياء يسيطر احتكارهم التجاري والاعلامي على موجات ما يعتبر "دولًا حُرة".
في المُقابل، وَعَدت الشبكة العنكبوتية والشّبكات الاجْتماعية أن تكُون مَنفعة لفائدة الشّعب في القرْن التاسع عَشر. كَما يُمكنُ لها أن تَمنح مُحتوى جديدًِا في ما يتعلق بدَمقرطة المعْلومات. وفرت التقنية الجديدة للمرة الأولى في التاريخ، للمَلايير من البَشر مصادر من المعلومات غير الخاضعة للرقابة، مثل "ويكيليكس"، وفَرت ومنصةً عالمية كَبيرة بما فيه الكفاية يُمكن للجميع منْ خلالها المشاركة، وأخذ القرار والعمل معا. مع هذا الترَابط اللّامنتهي، سَمحت الشّبكة العالمية (World Wide Web) بالتّواصل وتبادل المَعلومات ومُناقشة الأفْكار بين المُجتمعات المضطهدة، ومَكّنتها منْ وضْع بَرامج مُشتركة وتنْسيق الإجْراءات في ذَات الآن وعلى الصّعيد العَالمي.
تُوفّر الشّبكة العَالمية إمكَانية عقْد اجْتماعات دَولية على نَحو ديمقراطي، ومنتديات تواصلية يمكن من خلالها إعادة الوصول إلى اجْماع في كل لَحظة. شَبكات قَادرة على تنْسيق الإجْراءات الجَماعية في كلّ سَاعة وعلى طُول مسَاحة من الأرْض. مع رَبط أجهزة الكُمبيوتر بشكل أكْبر، تُصبح المشاكل -مثل الترجمة - قابلة للذوبان. بهَذا المَعنى يصبح لركاب وطاقم السفينة الفضائية (الأرض) الأدوات التي يحتاجونها للتواصل، للهروب من الانتظار، ثم غَزو الجسْر وانتزاع السّلطة من الجَماعة المُشاكسة والجَشعة من الضّباط.
شَبكة الإنترنت هي أيضا مكتَبةٌ عَامةٌ كَبيرة مَفْتوحة 24 ساعة في اليوم وطيلة أيام الأسبوع، حيث يُمكن لركاب وأفراد الطّاقم العُثور ونشْر، ليسَ فقط المَعلومات غير الخَاضعة للرّقابة، بَل الأفْكار النّقدية، الثّورية أيضًا، والتي يُمكن أنْ يُجمع عَليها الكّل. التأسيس الجماعي لويكيبيديا، وهي قَاعدة بَيانات تَعاونية، متعددة اللغات، ذات محتوى غنيّ يُصحّح ذاتيا بشكل دَائم، تُعتبر نَموذجا لهَذا النّوع من الإبْداع على شَبكة الأنترنت. ونَفس الشيء بالنسبة للأرشيف الماركسي غير الطائفي المحدث على شبكة الانترنت (أرشيف الأنترنت للماركسيين، www.marxist.org) وكذا (المكتبة الأناركية الشّاسعة Libcom). أخيرا أصْبح كَنزُ الفكر الأممي الثوري وخبرة قرون من النّضال مُتاحا للجَميع وبعدة لغَات. وهكذا، يمكن "للويب" أن يُحيك شَبكة من الأفْكار والتّواصل عَلى نطاقٍ عَالمي، وأن يربط بَين رافعَة اللتّضامن ونُقطة ارْتكاز الوَعي العالمي.
قَبل المُضي قدما في هذا التّحليل، أريد أن أوضّح جيّدا أنّني لا أعتقد أن التّكنولوجيا يمكن أن تَكون بديلا عن التّضامن الانْساني الفعّال والتّنظيم الجَماعي على أرْض الواقع. كما يُشير إلى ذلك "كلاي شيركي" حين أكّد أنّ "وسَائل الاعْلام الاجْتماعية لا تَخلق العَمل الجَماعي، إنها ببَساطة تُساعد على إزالة العَقبات التّي تَحول دُون إنشْاء هذا العَمل."[1] في الماضي، كانت العوائق المادّية تُعرقل الحَركات الشَعبية، مثل العُزلة الجُغرافية، وانحياز وسَائل الإعلام، وعرقلة من طرف الهرمية المؤسساتية المحافظة، والتكلفة الباهظة للوقت والمال لنَشر و توزيع المواد المَطبوعة. اليوم، مع شبكة الانْترنت وتواصلِ مجموعةٍ مع مجموعةٍ أخرى، مكنت القُدرة على نشر الصور والنصوص والفيديو، وإمكانية تجميع النّاس على الأرْض باستخدام تويتر، الرسائل النصية والتطبيقات مثل ميتوب Meetup، من تجاوز الحَواجز التّقنية والمادية وتكلفة والوقت والجغرافيا والعراقيل البيروقراطية. بفضل هذه الأدوات، أصبح اليوم سَهلا نسبيا وغير مكلف بالنسبة لمجموعات أن تتحرك وتَجتَمع في نضَال مشترك.
إن "الدردشة" لن تحل أبدا مَحل الالتزام الشّخصي والمناضل في مكان العَمل أو في الحي. والمواقع الثورية لا يُمكن أن تكون بَديلا عن الحَركات الشّعبية والنّقابات والأحْزاب السياسية والصّحف و الاذاعات الحّرة والتّجمعات الدوْلية وغَيرها من أشكال التفاعُل الإنْساني. إن تضافر الجهود بين التنظيم الذاتي العفوي عبر شبكات الإنترنت، واحتلال الأماكن العامة، هو ما أدى، في الواقع، إلى النّتائج الأكثر جذرية في العقدين الأخيرين.[2]

وبالطّبع، كأي شيء آخر في المجتمع الرأسمالي، يبقى الإنترنت فضاءً مثيرا للجدل. ولكن منذ 1997، عندمَا وَضعتُ التّطبيق الحديث لفرضية أرخميدس، وجدت أنّ هُناك ثلاث نقاط تفرض نفسها:
1. الانْترنت أداةٌ قويةٌ جديدة للنّضال، تزداد سهولة أكثر فأكثر، وقدرتها الثّورية بدأت تُستعمل من قبل الحركات الشّعبية في جميع أنحاء العالم.
2. الانترنت يَجعل إمكانية بناء حلم أممي لحركة عالمية سهلا، توحد العمال في ذات الآن للإطاحة بأرْباب العمل وإقامة عالم ما بعد رأسمالي، مسير ذاتيا و مستديم بيئيا.
3. بنية الانْترنت المُكونة من شَبكة عاَلمية حيث "المركز" يوجد في كل مكان، قدْ يتَبّين أنّها نَموذج تنظيمي أكثر فعالية لإطلاق الحَركات الديمقراطية على المستوى العالمي، أكْثر من النّموذج التّقليدي -من المركز إلى المحيط، من أعلى إلى أسفل - نموذج الأحزاب المركزية و"الأمميات".
وعلى الرّغم من ظهوره لأول مرّة كَبرنامج لوزارة الدّفاع، فقد تَم الاسْتيلاء على الأنترنت بسُرعة من طرف الحَركات الاحْتجاجيّة وذات المطالب الاجْتماعية والسّياسية، وأثْبتت أنّها أداة ذَات قيمة كَبيرة على المَيدان. وهنا أسْرد بعض الأمثلة :
● في 1994، كَان الزّاباتاستيون (Zapatistes)، معْزولين تماما جُغرافيا في ولاية تشياباس، وحين تَمردوا على اتفاق المبادلات الحرة لشمال أمريكا (NAFTA) وخاضوا نضالا ضد العولمة، كانوا أول من استخدم الإنترنت لحشد الدعم الدولي ضد محاولة من الجيش المكسيكي لقمعهم (ويرجع الفضل جزئيا في استمرار مقاوتهم اليوم إلى الدّعم الدّولي الذي تلقوه).
● في 1997، نظّم عمال موانئ ليفربول (Liverpool) مع المدافعين عنهم حملة مقاطعة دولية ناجحة، حيث رفض نظيريهم في الولايات المتحدة الأمريكية و في اليابان التدخل على متن القوارب القادمة من ليفربول.
● في 1997، اسْتخدم العّمال والطّلاب الكُوريون الجَنوبيون الأنترنت لتنسيق إضْرابهم العام الذي تمت متابعته على نطاق واسع والذي خَلقَ أزمةً اجتماعية.
●في 1998، وفّر برنامج (Meetingtool أداة تواصُل") صَادر عن موقع Moveon.org ، فرصة للنشطاء المناهضين للحرب والمعزولين للحصول على اتصال.
●في1999، نجح نشطاء ضدّ العوْلمة الرّأسمالية المجتمعون في سْياتل (ولاحقا في جنوة وكانكون)، من خِلال التّنسيق عن طَريق شَبكة الإنترنت، في شلّ اجْتماعات صُندوق النقد الدولي ومُنظمة التّجارة العَالمية.
● في 2001، نُظم أول منتدى اجتماعي عَالمي في البرازيل والذي جَمع نُشطاء الحَركات الاجتمَاعية القادمون من مختلف أنْحاء العَالم، والذين نسّقوا فيما بيْنهم عن طرِيق شَبكة الانترنت. المنتدى الاجْتماعي العَالمي جَمع بين المُعدمين (فلاحون دون أرض)، السكان الأصليون من خمس قارات، المنظمات غير الحكومية، والمثقفون الراديكاليون، في إطار شعار "عالم آخر ممكن".
● في 2002، في كراكاس فنزويلا، تمكّن سُكان الأحْياء الشّعبية، بفضل الانترنت، من التجمّع أمام القَصر الرّئاسي وحرّروا الرئيس تشافيز الذي كان رهينةً في أيدي انقلابيين من اليمين المتطرف، والمدعومين من الولايات المتحدة.
● في أبريل 2003، شَارك الملايين من المتظاهرين في 57 دَولة مُختلفة، بأول مُظاهرة عالمية ضّد الحرب في احتجاج على مخططات الولايات المتحدة لغزو العراق. صحيفة نيويورك تايمز قامت بتحية لما وصفته حينها ب "ولادة قوة عظمى جديدة: الرأي العام العالمي".
● في 2006، بالصين التي فرضت رقابة على الإنترنت بشكل كبير، تفيد بعض المصادر أنه تم تنظيم 83 ألف اضراب وانتفاضة ضد الاستغلال في العمل وضد التلوث، والتي اطلقها بعض المعارضون.
● في سنة 2007، بعد أن قَمَع الدّيكتاتور البيلاروسي لوكاشينكو بعنف تظاهرة تندد بالانتخابات المُزوّرة، اسْتخدم مُواطنون مَجهُولون "لايف جورنال" لتنظيم "فلاش موب" في الساحة الرئيسية في مينسك، عن طريق "دعوة الناس إلى أن الخروج من أجل المثلجات". وتم تصوير اعتقالهم ونشره على الانترنت للسخرية من الدكتاتورية.
●في سنة 2009، اسْتخدم الإيرانيون الهَواتف المحْمولة والشبكات الاجْتماعية لإطلاق مظاهرات احتجاج واسِعة النّطاق ضد تزوير الانْتخابات من قبل قادة الجُمهورية الإسْلامية. وبدعم من إضرابات العمال، تحدى المواطنون الدولة الإسلامية في الشوارع لعدّة أسابيع.
●في 2011، في تونس، وردا على تداول الفيسبوك خبر حرق محتج يائس لنفسه، استخدمت وسائل الإعلام الاجْتماعية لإخراج النّاس للشارع، لطرد الدكتاتور زين العابدين بن علي وهَدم نظامه، الذي كَشفت ملفات ويكيلكس عن مدى فسَاده. عقد التونسيون مؤتمرا دستوريا وأسسوا نظاما ديمقراطيا تعدديا لا زال مستمرا.
● في فبراير 2011، وصَلت الموجة الثورية العرَبية المنتشرة عبر قنوات الشبكات الاجتماعية نفسها، إلى مَصر وألقيتْ أرضا بالدكتاتور الفاسد مبارك. بعدها تأثر المغرب، الجزائر، اليمن، الأردن، سُوريا. وفي ما وراء المُحيط، ألهَمت اسْبانيا، وولاية ويسكونسن (الولايات المتحدة الأمريكية)، حركة العمال لمقاومة الهجمات النيوليبرالية على النّقابات والخدمات العَامة.
● في إيطاليا، على الرّغم من الدّعاية التي قَادها "برلسكوني" من خلال احْتكاره لوسائل الإعْلام، تم تنبيه الناخبين عبر التويتر، وتعبؤوا بقوّة خلال استفتاء مايو 2011، لرفض الطّاقة النّووية، وخصخصة المياه وحصَانة رئيس المجلس.
● في أكتوبر 2011، حفّزت حَركة "احتلوا وُول ستريت"، التي نظمت عَبر شبكة الإنترنت، والبث المباشر عن طَريق GlobalRevolutionTV، حشدا من 99٪ ضد ال 1٪ وسمحت بإعادة توجيه النّقاش السّياسي الأمْيركي من الهستيريا الجاهزة حول "الدَّيْن" إلى واقع عدم المساواة.
● في ديسمبر 2011، نُظمت مظاهرات ضَخمة في موسكو من قبل الآلاف من الروس بفضل الشبكات الاجتماعية والتي هزت نظام بوتين الاستبدادي.
●وأكّدت رُدود الفعل العنيفة من الحكومات اليمينية المتطرفة والقمع الدموي الذي عقب انتفاضات 2011، الخوف الذي أوحت به هذه القوة الجديدة للقادة، من مصر إلى ولاية ويسكونسن، من روسيا إلى سوريا.
● في يونيو 2013، أدت احْتجَاجات واسِعة النّطاق ضد الميزانية الباهظة لكَأس العَالم وارتفاع أسْعار وسَائل النّقل العُمومي إلى "ربيع برازيلي" على الصعيد الوطني، وكان ذبك مرة أخرى بفضل الشبكات الاجتماعية. استمر الاضطراب حتى عام 2014، مع مظاهرات الفئات الفقيرة. في أوائل عام 2015، نزل 3 ملايين شخص إلى الشوارع للتنديد بحزب العمال في السلطة، الذي، بعد أن خلق الأمل للجماهير، ثبت أنه نيوليبرالي وفاسد.
● في مايو 2013، شَارك 3.5 مليون تركي في 5 ألاف مظاهرة في جميع أنحاء البلاد للاحتجاج ضد الحكومة وأساليبها القمعية عقب إخلاء اعتصام سلمي نظم في اسطنبول للتنديد بالتنمية التجارية لحديقة ''غوزي Gezi''. وأدان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ما وصفه مؤامرة عالمية سّرية تقوم على شبكة الإنترنت، تحرك الخيوط في كل من تركيا والبرازيل.
●في سبتمبر وأكتوبر عام 2014 بهونغ كونغ، استخدم عشرات الآلاف من المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية هواتفهم النقالة لتنسيق وتنظيم احتلال العديد من الأماكن الرئيسية لعدة أشهر.
إنّ الأنترنت وأدَواته لا يسْمح للحركات الاجتماعية بتجاوز حواجز التكلفة والوقت والمسافة والجدران النارية المؤسساتية فقط، بل إنه يوفر مزايا تكتيكية ضد قوة السلطات القائمة: السّرعة والمرُونة. وهنا بعض الأمثلة: في كتابه ''ها هنا يأتي الجميع: قوة التنظيم بدون منظمات'' (2008 غير مترجم)، يأخذ ''كلاي شيركي'' كمثال كارثة عسكرية فرنسية في "الحرب الخاطفة" (blitzkrieg) ضد ألمانيا في عام 1940. كان الجيش الفرنسي يتوفر على أثقل وأكبر عدد من الدبابات. ولكنه كان مقيدا بخطة دفاعية أُعِدّت بعناية وتنظيم صَلب، أدّت لهزيمة الجَيْش الفرنسي من قبل الألمانْ خلال 27 يوما فقط. كانَ الألمان حينها قد أعدّوا ذباباتهم الاخف وزنا وتركوا المبادرة في الميدان لقادة الجيوش ذات الاسْلحة المحمية. أما في القرن الحادي والعشرين، فإن التنسيق عبر الإنترنت يسمح لمجموعات صغيرة (المضربين) منْ هزَيمة مجموعة أقْوى (الشركات متعددة الجنسيات) باستخدام قوة تتركز على استغلال نقاط الضعف لدى الخَصْم (عرقلة سلسلة الإنتاج).
في هونغ كونغ، كَانت "ثورة المظلّات"، قبل كل شيء، ثورةً للهواتف النّقالة. وباسْتخدام هوَاتفهم في شَبكة، قام المتظاهرون بتنسيق احْتلال عدة طرق وأماكن رئيسية لعدة أسَابيع - يتشتتون ويجتمعون جماعيا حسَب الحَاجة-. وشلّت احْتجاجاتهم العَاصمة المالية في آسِيا، في حين كان الحزب الشيوعي الصيني القوي يحْبس أنفاسه، مترددا في التدخل، تخوفا من أن ينتشر التحريض على مستوى القارة.
وتُقدّم الاضطرابات الأخيرة داخل الكنيسة الكاثوليكية مثالاً صَارخا آخر على قوة وسَائل الإعلام الاجتماعية للتغلب على سُلطة أنشئت عن طريق سلسلات هَرمية بيروقراطية. فعلى مدى عقود، أثَارت حماية الكَهنة المُستغلين للأطفال جنسيا (البيدوفيليا)، من قِبل رُؤسائهم، غضب الضحايا وأسرهم، بل أيضا من الكاثوليك في جَميع أنْحاء العالم. وعلى الرّغم من ظهور هذه الفضَائح أحْيانا في وسَائل الإعْلام، إلا أنها قُدّمت دائما على أنها حَوادث مَعزولة. التَسلسل الهرمي الديني استطاع طَمْسها وحماية الجُناة. في التسعينيات على سبيل المثال، ندد الكاردينال القوي لبوستون "بيرنارد لاو" (هو نفسه متهم بحماية الكهنةا لمستغلين للأطفال بارسالهم إلى رعايا أقل احتراسا من الظاهرة) (ندد) في الصحافة بمطالب الضحايا ودعا إلى منع الجماعات العلمانية من تنظيم أنفسهم خارج سيطرة الكنيسة. بعد مرور عشر سنوات، وبفضل شبكة الإنترنت وأدواتها، جمع الضحايا شهاداتهم، ووضعوها على الشبكة، و عمموا المعلومات ونظموا أنفسهم وطنيا ودوليا. واضطر "الكادينال لاو" للاستقالة.
اليوم، لمْ يعُد العلمانيون معزولون وسلبيون في مواجهة الثروة الهائلة والنفوذ الزائد للتسلسل الهرمي الديني الممتدة منذ عدة قرون. ومثلما مكّن اكتشاف "غوتنبرغ" 'للخاصيات المعدنية المنقولة' من تسريع حركة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر عن طريق جعل الوصول إلى الكتاب المقدس ممكنا للعلمانيين، فالانترنت في القرن 21 قد أدى رُبما إلى اسْتقالة، فريدة من نوعها، للبابا المحافظ بنديكتوس السّادس عشر. وفي السّتينيات، كاد لاهوت التحرير، الذي يدعو إلى "الخيار المفضل للفقراء"، أن يَضع الكنيسة الكاثوليكية على طَريق ثورة اجْتماعية. لكنّ تعَاقب الباباوات المُحافظين أجْهض هذا الاحتمال. اليوم، وبفضْل مَسيحية متصلة عالميا، خرجت عَبقرية المسيحية الاجتماعية من قنديل مُضيء. وفاجأ "فرانسوا (خلف البابا "بنديكت السادس عشر" وأول بابا غير أوروبي) العَالم عنْدما توّلى مَنصبه بتنظيم الاجْتماع العالمي للحركات الشعبية في أكتوبر 2014. وبهذه المناسبة، دعا إلى الفاتيكان المنظمات التي تمثل المهمشين والمستثنيين من جميع الأصول العرقية والدينية، وانتقد الفساد في مالية الفاتيكان، وندد بالأسَاقفة الذين حَمَوا الكَهنة البيدوفيل، وأيد مسْؤولية الإنسَان لظاهرة الاحتباس الحَراري ثم ندد علنا بالرأسْمالية المفترسة كمسؤولة عن الكارثة المناخية! ومن كان يتصور أن "قداستُه" سَيختار المحرضة المعادية للرأسمالية "نعومي كلاين"[3] التي تصف نفسها بأنها "نسوية و يهودية علمانية "، للمشاركة في رئاسة مؤتمر حول المناخ الذي نظم في الفاتيكان؟
يتبع...
ترجمة : عبد الصمد أيت عيشة، هشام منصوري، قدس لفناتسة
[1] شيركي كلاي: ها هنا يأتي الجميع: قوة التنظيم بدون منظمات(2008).
[2] ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن القوة الكبيرة للجماهير المنتظمة ذاتيا تتجلى تاريخيا للمرة الأولى خلال ثورة 1905 في روسيا القيصرية حيث انتشرت الإضرابات والتجمعات الجماهيرية (السوفييتات) كالنار في الهشيم عبر الإمبراطورية القيصرية بفضل شبكات عفوية وغير رسمية التي تصل العمال "غير منظمين" فيما بينهم. وبعد قرن، أخذ التضامن نفسا جديدا عبر الشبكات الافتراضية مثل الفيسبوك وتويتر، هم أنفسهم ضهروا عندما تم تدمير معظم شبكات الأحياء والصلات الاجتماعية (مهمة جدا للالتضامن الإنساني) أو تم تجزئتها من طرف الهجرة من المدن الى هوامشها، من وسائل الإعلام والنزعة الاستهلاكية.
[3] مؤلفة "كل شيء يمكن أن يتغير: الرأسمالية وتغير المناخ"، آكت سود، 2015.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.