13 أكتوبر, 2017 - 10:16:00 نظمت مسيرة شعبية بالدارالبيضاء، في مركز المدينة الغولة Ogresse، انطلقت من ساحة النصر، وانتهت أمام المحكمة الابتدائية بساحة الأممالمتحدة ، وأول الأسئلة حول هذه المسيرة هو من الذي انتصر في هذه الساحة؟ هل النصر في الماضي فقط؟ أ م هو نصر مؤقت، أو إنه نصر جديد تحقق يوم المسيرة؟ النصر في المغرب يتجدد منذ فبراير2011، وبالمناسبة، يبدو أن الانتصار تحقق في هذه المسيرة، لكل الذين شاركوا فيها، والذي لم يهاجموها بالعنف، وتجلى الانتصار الأول وهو كونها لم تمنع من طرف السلطات المخزنية، ولم تستعمل فيها "قوات العياشة" ويطرح السؤال الثاني لماذا لم تمنع؟ ولم يسلط عليها العياشة؟ رغم أنها نظمت للتضامن مع الريف، والمطالبة بإطلاق سراح معتقلي حراك الريف.. ووقع فيها أداء قسم الريف المشهور"أقسم بالله العظيم أن لا أخون.." وما أكثر الخونة. عدم المنع في حد ذاته يعتبر إيجابيا جدا، ويستحق التنويه بالذين لم يمنعوا المسيرة، ومع ذلك فإن عدم المنع يستحق الانتباه، ويستحق التحليل السياسي، بدون سذاجة حول ماق د يكون وراء تخمينات السلطة حول عدم المنع، هل يرجع إلى نوعية المنظمات التي دعت في البداية إلى المسيرة؟ وهي منظمات تتمتع برخص الوجود، وبحضانة بعض الأحزاب الموالية للمخزن، والمقصود هو كونها مرخصة، كأحزاب، ونقابات، وشخصيات وليس من بينها منظمات السلفيين والإسلاميين، وليس من بينها الأحزاب التي تسمى كبيرة ، والمخزن كبير، عند ربه، ولذلك فهي في نظر سلطات المنع، ونظر من يفهم السياسة، منظمات صغيرة، ليس لها جمهور كثير.. وينبغي إنقاذها من الموت الذي يفرضه الحراك الريفي ، حتى على الأقوياء. ولا شك أن نوايا عدم المنع كانت مبنية على حوار وتنسيق مسبق يتعلق بتوافق المنظمين والسلطات حول تفاصيل تنظيم المسيرة، وشعاراتها، وهو أسلوب سياسي يجب الوعي به وإخضاعه للدراسة ومن الوعي أن المسيرة لم تكن ملكا للمنظمين وحدهم، بل ملكا للمشاركين الذين مارسوا حضورا تلقائيا ، نضاليا لم يكن في الحسابات الضيقة للسلطة والمنظمين لها، والمهم هو تفسير السلوكات السياسية تجاه ممارسة المنع، والترخيص، لدى المخزن المغربي، ومسيرة الدارالبيضاء في 8اكتوبر 2017 تعتبر واقعيا نوعا من التخلي الجزئي عن المقاربة الأمنية، التي سلكتها السلطة منذ بداية اعتقال نشطاء حراك الريف، ونتمنى أن يكون هذا التخلي الجزئي بداية طيبة، إيجابية نحو الانفراج. لكن، التمني لا يبنى على السذاجة، بل ينبغي عدم نسيان المكر السياسي المألوف في التعامل السلطوي مع ممارسة الحريات العامة، باعتبار أن المسيرة جاءت بعد أيام قليلة من بداية محاكمة الريفيين المعتقلين بسجن عكاشة، ورفض السراح المؤقت لهم من طرف محكمة الجنايات، واستمرار إضرابهم عن الطعام في أفق انعقاد جلسة 17 أكتوبر 2017 ، وفتح المتابعة بجرائم ثقيلة ضد بعض أعضاء هيأة المحامين المدافعين بحرارة عن المعتقلين، (خالد أومعزة، وَعَبَد الصادق البوشتاوي، وتقديم شكاية ضد الرويسي..) وتشديد الإجراءات الأمنية يوم الجلسة الأولى على محكمة الاستئناف التي تجري فيها المحاكمة، التي تسمى مجموعة احمجيق ، كما جرت المسيرة بعد ظهور بعض الشخصيات اليسارية التي تتردد على الريف، وتطلب ممن يهمه الأمر أن تكون وسيطة بين المخزن وممثلي حراك الريف(مثل نور الدين عيوش وكمال الحبيب، ومن يحاولون إقحام من يسمونهم بالشخصيات الوطنية، مثل ايت ايدار، واليوسفي..) وبعض من يبحثون عن نزع صفة "الدكاكين السياسية والنقابية"عن تنظيماتهم، وخاصة الذين يتقاسمون بعض الشعارات مع الريفيين، ويحاولون نسف الحراك من داخله، وتحويله الى قسمة بين الأحزاب والتيارات لكي لا يكون مستقلا، ويصبح قابلا للسمسرة السياسية.. لاشك أن ترخيص المسيرة مدروس، وربما كانت تستهدف تحقيق أهداف محددة، أهمها تلميع صورة بعض الدكاكين السياسية والجمعوية والنقابية الصغيرة التي تحتاجها سياسة المخزن في ميدان التمويه باحترام الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وهو ما أدركه بعض الذين لم يحضروا بالمسيرة ، ورفضوا المشاركة فيها عن حسن نية، لكن تنظيم المسيرة برهن على أن التنظيم اختلف في الواقع بين ما تريده السلطة، ومنظماتها، وشخصياتها، وما يريده الشعب الذي حضر، ومارس السياسة المعاكسة، ولاحظ غياب من يسمون برموز الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني الملغوم، فعائلات المعتقلين، ونشطاء الريف ومؤيدوهم من الشباب نساء ورجالا وخاصة الأمازيغ ، وجدوا الفرصة ليحولوا المسيرة الى نقل نموذج مسيرات الريف منذ 28أكتوبر2016 الى مركز مدينة الدارالبيضاء، وهذا النموذج بكل مميزاته في الشعارات، والرايات، واللافتات، والقسم serment، وحتى الرجال والنساء الذين يشاركون في مظاهرات الريف، حضر من لم يعتقل منهم، وأصبحت المسيرة بداية لتجديد الحراك الشعبي داخل العاصمة الاقتصادية ويمكن أن يرجع الحياة الى حراك الريف في تطوان وطنجة ومراكش وغيرها التي سلط عليها القمع و"العياشة"... ومن الخلفيات السياسية التي قد تكون راهنت عليها سلطات الترخيص هي قياس مقاربتها الأمنية ، أين وصلت بالشعب؟ بإبعاد المحاكمات الجنائية الكبرى لنشطاء الحراك عن الريف، وتحويلها الى الدارالبيضاء، حيث يظنون أن الريفيين سيكونون منبوذين ، ومهمشين لن يحظوا بتضامن الشعب المغربي معهم، وهي مقاربة أثبتت المسيرة على أنها لم تنجح، بل أعطت نتائج عكسية، منها تسهيل عملية التضامن في مركز"المغرب النافع"، وتكثيف هيأة الدفاع التي ارتفع عددها في مجموعة احمجيق بكثير عن العدد الذي كان يحضر محاكمات الحسيمة والناضور، وتسهيل مهمة وسائل الإعلام التي تتواجد بالرباط والدارالبيضاء لكي تتقارب مع مكان المسيرة، وموقع المحاكمات.. مما أدى إلى فتح نقاش واسع حول استعمال وسائل الإعلام ودورها في تغطية المحاكمة.. لاشك أن تحليل هذا الموضوع يجب أن يكون موضوعيا، ولا يساير الدعاية المغرضة لبعض من يسمون"المحللين المخزنيين" التي تحاول أن تقلل من أهميتها، والمقصود بالموضوعية هنا هو تشجيع أطراف المجتمع الذين يرفضون المقاربة القمعية والمنع، سواء داخل أجهزة الحكم، أو داخل المجتمع في كل أرجائه، بالداخل والخارج، واعتبار أن دروس الحراك مفروضة على كل من يسعى الى إيجاد مخرج ديموقراطي لمطالب حراك الريف، وللمجتمع المغربي ككل، ونقل الحراك الى المدن الكبرى هو رهان، وامتحان عسير لمن يسير ديموقراطية المخزن، والتي تخربها المقاربة القمعية، التي يستفيد منها بعض المدافعين عن امتيازاتهم ومصالحهم الخاصة.