المنع المخزني الذي تعرضت له مسيرة 20 يوليوز 2017 بالريف يثير الأسئلة الكثيرة،ويثير الشكوك حول حاضر الحكم بالمغرب ،والى أين يتجه في مستقبله.... هناك في السياسة والحكمة ايضا أسلوبان ومنهجيتان لعلاج الاحتجاج الشعبي في المغرب وغيره من البلدان : الأولى هي "الإقناع" والثانية هي "المنع"،وهما منهجيتان متناقضتان، سنتناولهما في هذا المقال كمايلي: فإذا استطاعت السلطة المخزنية أن تقنع المنظمين للمسيرة بعدم تنظيم المسيرة، فهي سوف تكون ناجحة، وتثبت قوتها العقلية، وغلبتها المنطقية، وتستحق التقدير، ولا حاجة بعد الإقناع لسلوك المنع،لكن الواقع اثبت أن السلطة وأحزابها وحكماءها ومستشاريها وخبرائها لم يستطيعوا تطبيق الإقناع ، يوم 20 يوليوز،ولم يكن لديهم حل آخر سوى المنع، وهو فشل خطير، بالنسبة للنخب المخزنية التي تعتبر نفسها ذات كفاءة وذكاء سياسي، ويصعب جدا أن يحكم عليها التاريخ بأنها غير قادرة على qqqqqqqqqqإقناع الريفيين ومن يساندهم من المغاربة،ويشارك معهم في الحراك سنة 2016-2017، ويؤسفنا أن نعيش تحت حكم سلطة غير قادرة على إقناعنا ،ونحن شعب يريد الإحتجاج السلمي ويعشقه، ويريد سلطة حاكمة مقنعة pouvoir convaincant وتؤمن بالسلم والحريّة ،ولاتكلف قوات حفظ النظام لقمعنا،هم مواطنات ومواطنون شاركناهم حرارة الشمس الشديدة التي عشناهافي الريف ،وكان نصيبهم من العذاب ،وهم واقفون ليل نهار في ساحة الشهداء وهم نساء ورجال لايوجد في تلك الساحة الكبيرة حتى مراحض عمومية .....ولا مظلات للوقاية من حرارة الشمس..... والإقناع الآن هو مبارزة وامتحان سياسي مطروح لكل من يقدر عليه قبل غرق البلد بكل مافيه،ولن نفرح ونصفق ونحترم،ونرقص سوى لمن يعمل بالإقتناع الإقناع هو الإختيار السياسي الذي لايكلف ثمنا باهضا،مثل الثمن الذي يتطلبه المنع ، فالإقناع يمكن التعبير عنه بصيغة أخرى بالحل السياسي، والحوار، والتفاوض، والتحكيمarbitrage ،وتواضع الحكام أمام الشعب الذي يحكمونه. ليجلسوا معه على طاولات الحوار والإحترام المتبادل...وهنا نتذكر كمثال الاتفاق الذي جرى بين ممثلي الحكومة التونسية والمتظاهرين في منطقة تيطاوين حول استعمال ثروة البترول واستخدام معطلي المنطقة في مرافق البترول، أين نصيب شباب الريف من ثروة فوسفات المغرب ؟(55000طن في سفينة محجوزة في جنوب افريقيا) أما المنع فهو يكلف الثمن ماديا ومعنويا،فمثلا عدد القوات النظامية التي اشتغلت ونقلت الى الريف منذ اكتوبر 2016والتي تقول بعض الأخبار الغير المؤكدة رسميا أن عددها يتجاوز 30000 ،وهو موضوع يتطلب محاسبة عامة حول ميزانيتهاميزانيتها،يقوم بها كل من يحافظ على مصالح الشعب، واعني مثلا تحليل شعار الحراك الذي يقول "لا،لا، للعسكرة"لنتساءل كم هي الأموال التي صرفت لإنجاح خطة المقاربة الأمنية ؟التي هي خطة سياسية تعتمد على استعمال القوة العمومية والقضاء ووسائل الإعلام والسجون والتنقلات....والتكنولوجيا المستوردة خلال حوالي 9شهور من استمرار الحراك، فمثلا ماهو ثمن القنبلة المسيلة للدموع bombe lacrymogènes الواحدة من التي استعملت بالحسيمة يوم 20 يوليوز2017 وهي كما قيل من صنع فرنسي،وما هو القانون المغربي الذي يسمح باستعمالها ضد المدنيين؟ المنع في حد ذاته يعبر عن إرادة السلطة التي تمارسه ، ويمكن عرض قرارات المنع على المحاكم الإدارية من طرف من تضرر من المنع ،لكن المهم بالنسبة لمنع مسيرة الحسيمة يوم20 هو كيفية تطبيقه،سواء من حيث المجال الترابي الذي طبق فيه، أو القوات النظامية التي استخدمت فيه، أو الأشخاص المتضررين منه، ونبدأ بالمجال الترابي،فالمنع السلطوي شمل مناطق الريف كلها ، ولم يصدر اي قرار للمنع، عن عمال الأقاليم الريفية الأخرى ،كالناضور، وطنجة وتطوان وتازة ومع ذلك فقد مارست السلطات تدابير تفتيش المسافرين الى الحسيمة في كل طرقات الريف، واعترضت بعض المسافرين من التوجه والسفر الى الحسيمة من الأقاليم الأخرى،وهو ما يعتبر خرقا لحرية التنقل والجولان في الطرقات العمومية،كما أن استعمال الغاز المسيل للدموع انتشر في الطرقات ولحق مستعملي الأزقة من المارة الذين لم يكونوا مشاركين في المسيرات،كما أنه دخل الى نوافذ البيوت والفنادق، ولوث الفضاء العام ،ولم يكن ضروريا في استعماله ضد المتظاهرين سلميا ولو أنهم لايقبلون المنع ويعبرون عن ذلك بوسائل سلمية علانية ، ولا يترتب عن عدم قبول المنع حتميا استعمال الغازات ،والضرب ضدهم وكان يمكن إحالتهم على القضاء دون إلحاق أضرار جسدية بهم... حتى ولو اتهموا بخرق قانون التظاهر كما تدعي الحكومة..... كما أن قرار المنع كان سياسيا، تبناه وزراء الحكومة المنتمين لستة أحزاب أصدروا بلاغات علانية تدعوالى المنع الذي يهدفون به الى فرض سياستهم،وهم أقلية،تخضع لسياسة وزراء غير منتمين للأحزاب، يشكلون الأغلبية الحقيقية في مناصب الحكم،ولم يكن القرار اداريا محضا اتخذه عامل اقليمالحسيمة ، وهو تدخل حزبي في القرارات الإدارية التي ينبغي أن لاتصدر عن اجتماع أحزاب خارج مجالس الوزراء،ومجالس الحكومة... صادفت مسيرة 20 يوليوز2017 مناسبتين كان يجب احترامهما، وهما : 1- احياء ذكرى معركة أنوال التي انتصر فيهاالريفيون ضد الاحتلال العسكري لتحالف فرنسا وإسبانيا ومن معهم من خونة المخزن المغربي في يوليوز1921 ومن التقاليد المغربية المورو ثة أن يحترم الناس "العواشير"العشرة أيام سابقة لكل عيد، لا تنفذ فيها الأحكام القضائية،وتتوقف فيها الخصومات،وتبدأ المصالحات، وتتوقف فيها حتى دراسة التلاميذ في المدارس الدينية لينصرفوا للراحة والألعاب والأسفار.... 2-عودة المهاجرين الريفيين الى بلدهم الأصلي،وهم حاملين للشوق الى الفرح مع عائلاتهم،واحياء ذكريات حياتهم قبل الهجرة،وهم كثيرون،ففوجؤا بوجود تطويق شامل يبدوفيه اقليمالحسيمة وكأنه قشلة كبيرة Grande caserne لاتلتفت فيها الى مكان الا وترى فيه حراسا وسياراتهم وهم يملأ ن معك المقاهي والفنادق والأزقة والمساجد والبوادي والقرى،ولا تسمع سوى أخبار الاعتقالات والمحاكمات والضحايا.... وقضيت فيها يومين يخيل الي في ذهني أنني في زيارة مهنية كمحام لسجن كبير. لابد من انتقاد المنع،وسياسة العسكرة التي تعتبر مقدمة لشرور قادمة في البلاد،فالذين يعتبرون أن تطويق الشعب بالحرس المسلح للتمكين من حكمهم وأمنهم لم يستفيدوا من تجربة إسقاط حكم حسني مبارك الذي كان يتوفر على حوالي نصف مليون عسكري، وبنعلي،والكدافي، المشهورين بالحرس المسلح أثبتت التجارب أنه يتحول الى حراسة نفسه،ويصبح حكما arbitre et pouvoir وحاكماعندما تتاح له الفرصة،(تذكر الإحصائيات أن صدام حسين كان يتوفر على7ملايين عسكري) ان الذين قدموا الى الحسيمة يوم 20 يوليوز 2017على نفقاتهم لمشاركتهم في الحراك وليس لقمعهم وتهديدهم،هم المعبرون تلقائيا عن الأخوة وطموحات الوحدة الديموقراطية الفعلية، وليس فقط الوحدة"الوطنية"الممزوجة بالنفاق والتهديد وأحيانا الاحتقار وهدر الكرامة والثروات،ونهب الشواطئ، كان التطويق أقبح من الزلزال الذي شهدته الحسيمة سابقا،لأن الزلزال من الطبيعة، يتساوى فيه الحاكم والمحكوم،والتطويق هو من صنع الحكام.... إحياء الأخوة والقربى مع الريفيين في هذا الوقت الحرج هو طريق حل المشاكل وعلى كل من يؤمن بالتضحية والشجاعة أن لايبخل بالإحسان وصنع الجميل مع الريفيين قبل فوات الأوان،وإلا فإن زراعة الحقد لن تنتج سوى مزيد من الشر،والكل يعلم أن كثرة السجناء والمضروبين،يقوي ذاكرة الإنتقام،وعلى ذوي الضمائر الحية،والسياسية أن لايتغافلوا عن الإحسان والخير مع الريفيين، لتقوية ذاكرة الخير حتى نغلب الشر.