لا احد كان يتصور ان يهاجم جمهور من الغوغاء فيلما في قاعة سينمائية بتونس. سينما تونس هي التي علمتنا انها الأكثر جرأة و تكسيرا للمقدسات و الاصنام.و مع افلام مخرجين و مخرجات تونسيات شاهنا الجسد العاري الانثوي لاول مرة و شاهدنا نساء في الحمام في فيلم "عصفور السطح" لفريد بوغدير.محمد الهرادي أعاد لي اكتشاف تونس أخرى عبر "جولة في حانات البحر الابيض المتوسط" لصاحبها علي الدوعاجي. تونس كانت استثناء في السينما العربية في ما يتعلق بالجرأة و الحرية و جمالية زواج الفن بالحرية. سيقول بعض الفقهاء الذين فاضت عليهم التقوى و التقية أنها دعوة لتشجيع الفساد و تحريض على الأنحراف الخلقي.لا يهم.فقط لا تعلقوا المشانق . أقول هذا الكلام و انا اتابع الضجة الفارغة التي قام بها رهط من حراس بوابة الدين في تونس حين عرض فيلم نادية الفاني "لا ربي لا سيدي" و هو ما اعتبرته الغوغاء مسا بالحقوق الالهية في الفن . المصالحة بين الدين و الفن مستحيلة رغم ان كبار الفنانيين العالميين قد رسموا على جدران كنائس أوروبا. ثورة مضادة تقع بالتدريج في تونس الحرة التي رغم كل الديكتاتورية و الاستبداد الذي عاشته كانت البلد الاقرب الى العلمانية و حرية المعتقد و حقوق النساء.بورقيبة ترك ارثا يشبه أرث كمال اتاتورك لكن الورثة ضيعوا الارث.بن علي ركب على الدين لضرب الدين بينما احسن اسلوب لقطع الطريق على الدين هو تربية الأجيال على الحرية و تقديس الحرية و تدريس قيم الحرية كما وردت في التراث الكوني الانساني العالمي لدى فلاسفة الأنوار. من تشبع بمفهوم الحرية لا خوف عليه من الدين و لا هم يحزنون. نحن شعوب تخاف من الحرية. بشار الاسد" بلعمان الاسود" القابع في حقل من الجثث كما وصفه لي بالفرنسية صديق على صفحتي في الفايس بوك خاطبه ادونيس يطلب منه فقط أن يفهم معنى الحرية.أدونيس كان على يقين ان بشار لا يعرف معنى الحرية أو لا يريد أن يعرفها أطلاقا.لذلك جاءت رسالته درسا في معاني الحرية بما هي حرية في الفكر و الذوق و المعتقد و المصالحة مع الذات و مع الاخر و قبول الاختلاف . نخشى على تونس أن تضيع وسط صياح الغوغاء و الدهماء الذين يركبون الدين و يخشون جسد المراة و القبل و المداعبات باستثناء ما يقع منها في قلب الظلام و غواية زوجة فرعون ليوسف.نخشى على ثورة تونس من الذين يخرجون سيوفهم لرؤية نهد أمرأة. نحن شعوب تعبر بشكل رديء عن موقفها.حقا نرى تشابكا بالايدي في برلمانات متقدمة .لكن الكلمة الاخيرة تبقى لاصول الحوار و الديمقراطية. رفض فيلم يمكن ان يتم عبر مقالات و اراء نقدية تناقش الموضوع و عبر حوارات مع المخرجة و الممثلين و ليس عبر هجوم الغوغاء كما كانت تخرج في ساحات باريس السوقة من الخمارات في مطلع الفجر لتتفرج عن قطع الرؤوس في المقصلات و هي في حالة سكر و هرج و فرح و فوضى .باريس عاشت زمن الغوغاء في قرون سبقت الثورة الفرنسية يرويها الادباء في قالب روائي رائع لكننا نحن هنا ما زلنا نعيش زمن الغوعاء في اللحظة الراهنة.. لا حظوا الحملة على الدستور كيف تتم؟ فرق كثيرة من أصحاب نعم للدستور كما فرق اخرى من انصار" لا" و من المقاطعين يقومون بحملات فيها كثير من العنف و التهييج الغوغائي اكثر من النقاش الديمقراطي. كم عدد الذين قراوا الدستور قبل الحكم عليه و قبل رفضه أو مقاطعته أو قبوله ؟كم عدد الذين أطلعوا على دساتير الحسن الثاني التي كانت مثل كتب سماوية غير قابلة للنقاش ؟كم عدد الذين اطلعوا على دستور أمريكا و كندا و فرنسا و بريطانيا ؟لماذا تكاثر علينا الفقهاء الدستورانيون الذين يسرقون أفكار بعضهم بعضا و يكررون "خلاصاتهم" بلا يقين و لا تحقيق و لا مراجعة كما يحصل في السرقات الادبية. لماذا تمنح صفة مخزني لصاحب نعم و تمنح شهادة ثوري تقدمي شعبي للرافضين و المقاطعين مع أن الشعب المغربي في غالبيته مقاطع تلقائيا بالفطرة للصناديق دون حاجة الى احد لأنه أما ضجر الحياة السياسية أو فضل الذهاب مع الاولاد للبحر على الذهاب للأستفتاء. و طبعا ليس بالضرورة كل من لم يذهب الى الصندوق يوم الأقتراع يحسب من فريق دستور القومة و الطليعة و النهج و غيرهم. اصحاب" لا" يقولون عن اصحاب نعم أنهم بلطجية و طبالة و غياطة و هوليغانز و اصحاب "نعم" يقولون عن اصحاب "لا" و المقاطعين الرافضين أنهم خوانجية طالبان أو ستالينيون فاتهم الزمن أو حطب نار الفتنة و الحرب. و بين الفريقين قبعت منزوية في صمت الحقيقة تتفرج خجولة من ما يقع. لنتعلم ادب الإختلاف حول الدستور و غير الدستور و بعدها مرحبا في خيمة الديمقراطية لأن فيها متسع للجميع.