26 غشت, 2017 - 01:53:00 «جحا» بتعطيش الجيم أو بدونه، أو كيف تنطقها في أي لهجة عربية في الشرق الأوسط، أو حتى خارج الشرق الأوسط «جوفا»، شخصية لها شعبيتها منذ بداية ظهورها قبل أكثر من 10 قرون. شخصية تم توظيفها في الفكاهة والتسلية بل والنقد الاجتماعي والنضال السياسي. نشرت «ذي إكونوميست» تقريرًا يتناول أبرز المحطات لانتشار شخصية جحا، وأبرز الأدوار التي وُظفت الشخصية فيها، وحسب رأي الكاتب جحا هو الرجل النمطي العربي. زاد اعتياد المشاهدين الغربيين على غزو أبطال الفلكلور العربي بلادهم، ربما تستحضر شخصيات مثل سندباد البحار وعلي بابا على الفور صور الكنز الخفي ومعارك السيف، لكن في الشرق الأوسط نفسه، يفضل الناس نسخة أكثر واقعية: جحا، ذلك الرجل المسن الحكيم الأحمق، وحماره الذي يعاني كثيرًا. ربما لا يحمل جحا السيف، لكنه لطالما كان جزءًا من الثقافة المحلية لعدة قرون، وأثبت عن جدارة فائدته لمطلقي النكات العربية والمتهكمين حتى يومنا هذا. بدايته وذَيع صيته ظهر جحا أول مرة في كتاب عربي في القرن التاسع، إلا أنه على الأرجح مأخوذ من تراث شفهي قديم، وسرعان ما انتشر إلى أقصى نهايات الشرق في المتوسط، وتبع العرب حتى صقلية حيث اشتهر ب«جيوفا». وفي تركيا، اندمجت أسطورة جحا الأحمق العربية مع أسطورة الصوفي الروحاني الحكيم المدعو «نصر الدين جحا الصوفي»، فضلًا عن أن صدَّرَه العثمانيون إلى دول البلقان. بل إن البعض يدعي أن جحا ألهم «دي سرفانتس» في نسج رواية «دون كيخوته». وعلى الرغم من تكيف جحا مع ثقافات مختلفة، لم تتخل العرب عنه أبدًا. فمن السهل أن نفهم لماذا، حيث نسيج شخصيته وحكاياته يجمع بين الحكمة والفكاهة مع قليل من السخافة اللطيفة. في أحد القصص، يرى رجل جحا يعبر نهرًا هائجًا، ويصيح الرجل سائلًا جحا «كيف أعبر النهر؟»، فيجيب جحا من مكانه «أنت عبرت بالفعل!» وفي أخرى يذهب جحا إلى أحد المقاهي ويخبر المالك أن القمر أكثر فائدة من الشمس، وعندما سئل «لماذا» قال جحا «لأن الضوء في الليل أكثر أهمية منه في النهار». في بعض الحكايات يرافق جحا حماره المخلص، ومن هنا تنبع الكثير من التسلية خاصة عندما يضيع حماره. تبدأ إحدى القصص بجحا يبحث عن حماره في أرجاء المدينة، ويبحث في كل مكان، شاكرًا الله، إلا أن الناس ارتبكوا «لماذا تشكر الله يا رجل؟» فيرد عليهم «بالطبع هذا أمر لا يستدعي الشكر»، ثم يبتسم قائلًا «فإذا كنت أمتطي الحمار، لكنت مفقودًا معه الآن!». جحا المناضل السياسي إلا أن حكايات جحا ونوادره ليست كلها بريئة هكذا، مثل مهرجي أوروبا في العصور الوسطى، الذين اشتهروا بملابس المهرجين الحمراء وكانت وظيفتهم في بلاط الحكام تسلية النبلاء وفي الشارع تسلية العامة، أثبت أسلوبه، الذي يمثل كل الرجال، أنه وسيلة مثالية للنقد الاجتماعي، في أحد أساطيره، دنا ملك فخور من جحا قائلا «كل الحكام العظام في الماضي كانت لهم ألقاب شرفية بها اسم الله» واستكمل «كان هناك هبة الله ورضي الله، هل يمكنك التفكير في اسم لي؟» فتوقف حجا لبرهة، ليرد سريعًا «معاذ الله». استهدفت مثل تلك الهجمات في حكايات جحا أحيانًا حكامًا بعينهم، فقد استهدفت مجموعة من قصص جحا في القرن الرابع عشر «تيمورلنك» الشهير ب«تيمور» الملك القاسي منزوع الرحمة. وقد استمر هذا التراث والحكايات حتى العصر الحديث، حيث أرسل العرب حجا ليخوض معارك الاستقلال عن القوى الاستعمارية، استخدمت مسرحية «مسحوق الذكاء» عام 1959، جحا لمهاجمة الحكم الاستعماري الفرنسي في الجزائر. أعاد «على أحمد باكثير» – قومي مصري – صياغة حكاية «مسمار جحا» عام 1951 للتهكم من هوس بريطانيا بقناة السويس، تمامًا مثل ما فعله حجا في الحكاية حيث احتفظ بملكية مسمار داخل بيت كان قد باعه لأحد الرجال؛ كي يكون ذريعة دائمة لزيارة منزله القديم، فإن البريطانيين كما قال باكثير استخدموا قناة السويس ليبرروا احتلالهم لمصر بشكل عام. فهم الغربيين أيضًا قوة جحا السياسية، ففي خمسينيات القرن الماضي، خمن من الذي استخدمته أمريكا بطلًا دعايتها ضد الشيوعية في العراق: جحا بالطبع. يرى الكاتب أن جحا – الذي يمثل كل رجل – أثبت جدارته في النضال ضد الطغاة المحليين، هاجم «زكريا تامر» – أحد كتاب القصص القصيرة العرب العظام – الدكتاتورية السورية من خلال مأخذه الخاص لحجا، مستبدلًا النمامين بمخبرين الشرطة. كما كتب «أحمد طيب لاليج» مسرحية بعنوان «جحا وشجرة التفاح» للتهكم من الفساد المتفشي في السياسة المغربية، ففي مسرحيته يخدع جحا أصحابه للتصويت له، ليتجاهلهم بمجرد صعوده إلى فروع شجرة التفاح الخصبة. وقبل الربيع العربي مباشرة استخدم هشام الجخ جحا ليعكس إحباط العديد من المصريين الفقراء، «صوتك ضعيف! رأيك ضعيف» فقص جزءًا مما كتبه في برنامج تليفزيوني شهير، «طافح يا بلدى غدايا ولوعتي غدايا»، جدير بالذكر أن الثورة المصرية اندلعت بعد ذلك ببضعة أشهر. لم ينس الناس جذور جحا الفكاهية على الرغم من ذلك، في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت الدراما الكوميدية لجحا ما تزال محتفظة بشعبيتها في أعمال عمر شريف، كما هو الحال مع المسلسلات الجزائرية «الهابطة» الساحرة. وفي نفس الوقت تم تقديمه للجيل الجديد؛ فعوضًا عن تسكعه في القرى في القرون الوسطى، صورته أحد الرسوم المتحركة المصرية وحماره يتعلمان سبل السلامة على شبكة الإنترنت. والآن صار تطبيق جحا متاحًا على متجر آبل، وهو يحتوي على صوره ونكاته ونوادره. ويقول الكاتب إن الشباب أنفسهم يكرسون استدامة الأسطورة، «آسيا الفاسي» – على سبيل المثال – فنانة إسكتلندية ليبية، خلطت جحا برسومات المانغا اليابانية – القصص المصورة اليابانية -، لكن احتفظت مغامراته المختلطة تلك بنفس القدر من الامتاع. ويختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن شخصية جحا تعد أرضية مشتركة بين الناس في الشرق الأوسط وسط تَخبُطه الحديث. العام الماضي، التقى رواة القصص من جميع أنحاء الخليج في الإمارات العربية المتحدة للاحتفال بشخصية جحا. فضلًا عن توفير الإنترنت مساحة أخرى للتقدير المجتمعي؛ إذ أظهرت صفحة مشهورة على موقع ريديت أن هناك عشرات المتطوعين الذين يقرؤون قصص جحا الكلاسيكية بلهجاتهم العربية الأصلية. ربما تختلف المفردات المستخدمة في كل نسخة بشدة، حتى أن اسم جحا نفسه صار مختلفًا، مثل اللهجة المصرية صار «جحا» دون تعطيش الجيم. ومع ذلك ما تزال مآثره تكسب المزيد من المعجبين عبر العالم العربي، ولم تتراجع جاذبية الشخصية لعدة قرون، وربما لن تتراجع أبدًا. - المصدر: منقول عن موقع "ساسة بوست"