خلال العقد الأخير، انتشر جنس القصة القصيرة جدا،بشكل غير مسبوق، فتكالبت عليه الأقلام الباحثة عن المجد الحقيقي أو المتوهم، فاختلط الحابل بالنابل، وأصبحنا-نتيجة لذلك- أمام أقلام أغراها الاستسهال لتكتب أي شيء بسرعة مشهودة وتنسبه بحق أو بغير حق إلى القصة القصيرة جدا، هذا الجنس الأدبي، الذي تكاثر كتابه ونصوصه بشكل مربك، يعز على الحصر، مما حدا ببعض المتتبعين إلى اعتباره ،بنوع من السخرية القاسية،حمار المبدعين، كما عد قديما بحر الرجز حمار الشعراء. لمناقشة هذا الموضوع طرحناه على عدد من المبدعين بالصيغة التالية: هل حقا أصبح هذا الجنس حمار المبدعين؟ أم أن الأمر يتعلق فقط برفض تقليدي لجنس جديد كما حدث ويحدث بالنسبة لقصيدة النثر وقبلها لقصيدة التفعيلة؟ وقبل أن تدلي بدلوها في الموضوع أمطرتنا القاصة السعدية باحدة بكثير من الأسئلة في نفس السياق، التي تزيد الموضوع حدة وإثارة من قبيل : هل القصة القصيرة جدا هي جنس أدبي أو نوع يندرج تحت جنس ما ، أم أنها نبتة عشوائية نبتت في غير تربتها ، لتموت ذات يوم مغتربة. هل هي موضة سرعان ما سيخسف وهجها ؟ هل صارت حمار المبدعين كما قال الأديب مصطفى لغتيري ؟ لتخلص بعد لحظات من التأمل -متجنبة الإجابة المباشرة على السؤال- إلى أن لهذا الفن الوليد في الحقيقة جذور عربية تتمثل في السور القرآنية القصيرة، والأحاديث النبوية، وأخبار البخلاء واللصوص والمغفلين والحمقى، وأحاديث السمار، علاوة على النكت والأحاجي والألغاز، دون نسيان نوادر جحا... ومن ثم، يمكن اعتبار هذاالفن الجديد امتدادا تراثيا للنادرة والخبر والنكتة والقصة والحكاية، ويعد في العصر الحديث امتدادا للقصة القصيرة التي خرجت من معطف الكاتب الروسي كَوكَول. ؟ وقد حاول القاص اليمني عبدالله أحمد حسين التعاطي مع الموضوع بشكل أكثر دقة قائلا بأن القصة القصيرة جدا فن راق لا يتأتى للكثيرين بسبب أنه يعتمد على التكثيف الشديد والاختزال الواعي, الذي يحتم على صاحبه أن يحسب حساب كل كلمة فيه بحيث لا يسمح بكلمة زائدة, أو غير مناسبة تسبب خللا, إنه فن إصابة الهدف من الزاوية المناسبة وبأسرع وسيلة, وويضيف الكاتب شارحا وجهة نظره حول جذور هذا الفن كرد غير مباشر على ما ذهبت إليه القاصة السعدية باحدة وهي تحاول تأصيل هذا الجنس، وكأن شرعيته لا تكتسب إلا إذا كانت له جذور في تراثنا العربي، فقال الأستاذ عبد الله: صحيح أن لهذا الفن جذور عربية أو بالأحرى هناك ملامح منه في التراث العربي وقد اتسمت بكثير من سماته إن لم نقل بها كلها, ومع ذلك فإن هذا لا يعد مسوغا لنا بأن ننسبه إلى تراثنا فتلك الملامح لم تكن مقصوده لإدراجها ضمنه حيث يعد كل منها فنا أو نوعا أدبيا قائم بذاته. ولعل إغراء تأصيل جنس القصة القصيرة جدا، ألقى بغوايته على القاص السوري خضر الماغوط ففضل أن يجادل فيه بدل الاهتمام بكون هذا الجنس حمار المبدعين أو برذونهم فقال بأنه يدري لماذا يصر الجميع على أن القصة القصيرة جداً وليدة وجديدة على الأدب بل هي قديمة ، فقط قد تكون التسمية جديدة ، أما الشكل فهو قديم ، فما القصص وعلى سبيل المثال ، التي كانت تروى عن الشخصية التاريخية جحا إلا نوع من القصص القصيرة جداً الساخرة ، ويضيف قائلا بأن جذور ق.ق.ج الحقيقية تكمن أساسا في الحكاية العربية القديمة وما يشابهها كالطرائف والأساطير والنكات والأخبار والنوادر وتتمثل سماتها في الإدهاش والإرباك والإشتباك والمفارقة والتلغيز والتنكيت والترميز وهي بالأساس ضربة سريعة خاطفة كضربة الملاكم وليست عجزا أو عكازا يتكئ عليه القاص . ولكن الستار و الحجاب الذي يتستر به الكاتب العاجز عن إيجاد الفكرة الجميلة ، هو تستره وراء التلميح و الترميز المبالغ فيه ، فيكتب الكاتب العاجز و الضعيف عدة جمل غير مترابطة ، و يكنب الخاتمة بكلمتين ، ليس لهما علاقة بأي موضوع ، و يسميها هو و غيره من القراء و النقاد قصة، و هذا هو المرض لهذا النوع من الأدب . وكنوع من الدفاع المبطن عن جنس القصة القصيرة جدا، ودفع اتهام السهولة عنها قالت القاصة رجاء السعداني بأن نصوص هذا الجنس تتشكل من كلمات قليلة أو لنقل تحمل المضمون بطريقة مختصرة لكن أبعادها يفهمها فقط القارئ المتذوق للحرف.لأن لكل حرف فيها بألف قصة تروى. أما القاص خالد مزياني فكان حاسما في طرحه، وقد انتصر مباشرة للادعاء أعلاه قائلا بأن القصة القصيرة جدا، أصبحت بالفعل حمارا يمتطيه الجاهلون بأصول هذا الفن، معتقدين أن كتابة جملة مفيدة هي بالقطع قصة قصيرة جدا، وبالتالي الوقوف أمام المرآة مبتسمين ومعلنين تفوقهم خاصة مع انتشار المجاملات والنفاق الثقافي مع احترامي للمبتدئين من المبدعين ولا أعني شخصا بذاته لكنهم كثر، ثم ما يلبث الأستاذ مزياني أن يخفف من حدة كلامه وقسوة حكمه بقوله بأنه يعترف في هذا الشأن بأن هناك نصوصا ينحني أمام مبدعيها إعجابا، ونصوصا أخرى للأسف على النقيض من ذلك، لا تستحق أن تلحق بهذا الجنس الجميل، وكأنه يقول لنا من خلال ذلك بأن المشكل في القاص وليس في القصة، كرد بليغ على من يدعون إلى إعدام هذا الجنس بسبب استسهال البعض له ،وكأن الأمر متوقف عليه ولا تعاني منه باقي الأجناس الأدبية كالشعر مثلا. *كاتب مغربي