عبدالحكيم الرويضي 21 يوليوز, 2017 - 05:32:00 في حوار أجرته صحيفة "لوموند" الفرنسية مع الباحثة في علم الاجتماع الاقتصادي كنزة أفصاحي بجامعة بوردو الفرنسية، وخالد مونة الأنثروبولوجي بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، خلص الباحثان إلى أن أزمة الريف قد طال عمرها بسبب غياب الديمقراطية المحلية، وتواطؤ المنتخبين مع الدولة. وقد أصبح التفاوض من أجل إيجاد حل للأزمة صعبا للغاية بسبب غياب الوسطاء. وأشار الباحثان إلى أن تاريخ المنطقة لعب دورا بخصوص الحركة الاحتجاجية، حيث أن الريف في المخيلة الشعبية يمثل منطقة خارجة عن القانون. فضلا عن أن تاريخ المغرب لم يتحدث بشكل كاف حول حرب الريف، وسكت التاريخ عن الثورات التي اندلعت ما بين 1958 و1959 وخلال سنة 1984. علاوة على أن تاريخ الريف ينتقل شفويا حيث يتم استثماره لإعطاء قوة شرعية لهذه الحركة الاحتجاجية. وقد تم استثمار هذا التاريخ لتسليط الضوء على التهميش الذي تعاني منه المنطقة. إلا أن هذه الدينامية قد تم استخدامها ضد الحراك حيث وجهت اتهامات إلى الريفيين بالانفصال. ولفت الباحثان إلى أن التاريخ يعيد نفسه، حيث قام متزعمو الحراك بجولة في الأحياء والقرى وطلبوا من الناس أن يحلفوا اليمين على المصحف بعدم خيانة الريف. وهو ذات "الميثاق المقدس" الذي أبرمه عبد الكريم الخطابي في عام 1920 مع القبائل التي شكلت فيما بعد تحالفا من أجل مواجهة الاستعمار الإسباني. ويستند "حراك الريف" على قاعدة جماهيرية معظمها من الشباب، ويرجح الباحثان ذلك لغياب رؤية واضحة لمستقبل هؤلاء الشباب الذين يطمحون للحصول على تعليم وتكوين جيد يؤهلهم لسوق الشغل. وتفتقر المنطقة إلى ملحقة جامعة مما يدفع الشباب إلى متابعة دراستهم في مناطق أخرى. ويشعر شباب الريف بالظلم واللاعدالة جراء هذا التهميش. كما تشارك أعداد مهمة من النساء في هذا الحراك. وأكد الباحثان أن وضعية المرأة في الريف لا يعلم بها سوى القليل من الناس، ويعود ذلك إلى سببين وهما طبيعة المجتمع المحافظ، فضلا عن أن المرأة هناك تعمل في أنشطة غير مهيكلة. ففي المناطق القروية بالريف، المرأة ليست مسؤولة فقط عن الأعمال المنزلية وجمع الحطب وجلب المياه ورعاية الماشية... بل تساهم بشكل أساسي في زراعة القنب الهندي بالقرى. وفي المدن تعمل النساء في وظائف متدنية مقابل أجور هزيلة، وفي كثير من الأحيان تكون هذه الوظائف غريبة، مثل أنشطة التهريب من سبتة ومليلية التي تمتاز بظروفها القاسية. وأوضح كل من خالد مونة وكنزة أفحاصي، أن الحسيمة تنتمى إلى واحدة من أغنى الجهات في المملكة، لكن سكانها يعيشون على الوظائف غير المهيكلة، وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، كما أن الصيد التقليدي لا يمكن أن ينافس سفن الصيد الكبيرة. وجوابا على سؤال صحفية "لوموند"، حول عدم تمكن السلطات من إيقاف الحراك، قال الخبيران، إنه منذ اندلاع الاحتجاجات فور موت بائع السمك محسن فكري، لقي هذا الحادث المأساوي تعاطفا كبيرا، وسمحت السلطات بتنظيم مظاهرات دون قمعها. وعندما تطور "حراك الريف"، هاجمت الحكومة المحتجين واتهمتهم بتلقي تمويلات خارجية فضلا عن تهمة الانفصال. ولم تتدخل الدولة بسرعة لقمع الاحتجاجات، حيث اعتقدت أنها سوف تنطفئ مع مرور الوقت، ولكن العكس هو الذي حصل، بحسب الباحثين اللذان أكدا أن استمرار "حراك الريف" لوقت طويل، غير من تمثل الاحتجاجات في المغرب التي لا تستمر في العادة. وفي المقابل، قدمت الدولة وعودا اجتماعية واقتصادية، ولكن ظل الغموض سائدا من الناحية السياسية، حيث ذهبت إلى قمع المظاهرات في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى كانت تلجأ للحوار. وحول ما إذا كانت السلطات تتجه لتسوية الأزمة بعدما أعلنت سحب جزء من قواتها من المنطقة، أكد الباحثان أنه يصعب التنبؤ بالمستقبل، "ولكن يمكن أن نفترض أن هذا الانسحاب سيخفف من التوتر على المدى القصير. كما أن التحقيقات التي أمر بها الملك حول سير المشاريع التنموية بالمنطقة هي أيضا علامة على التهدئة". وشدد الباحثان على أن مطالب المحتجين في الريف لم تعد اقتصادية واجتماعية، بل أصبحت القضية مرتبطة بملف حقوق الإنسان بعد اعتقال عدد كبير من النشطاء الشباب، ويعد الإفراج عن الشباب المعتقل أمرا بالغ الأهمية، لأنهم هم مستقبل الريف، ولا يمكن إطلاق تنمية في المنطقة في حين أن شبابها يقبعون في السجون. وأكد الباحثان على ضرورة الحوار بين الدولة والمواطنين لأنه هو السبيل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة.