* 13 نوفمبر, 2016 - 11:16:00 وفقا للفقرة الأولى من الفصل الأول من دستور فاتح يوليو 2011: "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية". ولذلك فالبلاد يرأسها ملك لها لدستور ينص في فصله الثاني أن السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها، تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم كما تنص الفقرة الثانية من الفصل الأول على فصل السلط وتوازنها وتعاونها . والملك له صلاحيات خاصة: فهو رئيس الدولة، والحَكم الأسمى بين المؤسسات والساهر على احترام الدستور (الفصل 42)، وله وحده الإشراف على المجال الديني كأمير المؤمنين (الفصل 41). وهو أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة (الفصل 53). أما رئيس الحكومة، الذي يختاره الملك من الحزب السياسي الذي تصدّر الانتخابات التشريعية فإنه يتكلف بتشكيل حكومة تقوم بتدبير المحاور الرئيسية للحياة اليومية للمغاربة، ويمارس التنسيق بين مكونات هذه الحكومة، بمعنى أن قطاع الصحة له وزيره، والتربية الوطنية لها وزير، وكذلك الداخلية والعدل والشؤون الخارجية. وكل عضو في الحكومة ملزم بالاهتمام بقطاعه بكفاءة ونجاعة ومن المفترض أن يخضع للمحاسبة (الفصل 93 و94 من الدستور). وهذا يعني القدرة على الإدارة واتخاذ كل المبادرات الضرورية. منذ بعض الوقت، نلاحظ أن جل المبادرات، بما فيها العادية جدا، تصدر بناء على التعليمات الملكية. هل هذا الوضع يعني أن أعضاء الحكومة غير قادرين على القيام بالمهمة التي تم تعيينهم من أجلها؟ لنأخذ مثلاً مأساة الحسيمة، ألم يكن باستطاعة وزير الداخلية الانتقال بسرعة إلى مكان الحادث بغية الاطلاع على الوقائع وزيارة أسرة المتوفى دون الحاجة إلى تلقي تعليمات؟ ووزير العدل، ألم يكن في مقدرته وحده الأمر بتحقيق قضائي؟ ينبغي أن تكون هذه الإجراءات جزءا من العمل الروتيني للوزيرين. لذلك فإن التعليمات الملكية، عندما يتعلق الأمر بالعمل اليومي الوزاري، لا ينتج عنها إلا تبخيس عمل الحكومة والدفع بشخص الملك إلى واجهة الأحداث، بينما له مسؤوليات دستورية جسيمة؟ أليس من الأفضل التخلص من الوزراء الفاشلين واستبدالهم ضمانا لحسن سير المؤسسات؟ إن تكرار التعليمات الملكية يطرح هذا السؤال: أليست هناك رغبة في ترسيخ هذه التعليمات كأداة من أدوات الحكم؟ في هذه الحالة، سوف تضمحل وتذوب مع الوقت كل مبادرة من طرف الحكومة. من جهة أخرى نحن اليوم أمام مصدر جديد للتأثير على النظام السياسي المغربي، وهو تدفق المعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي منذ أن أصبح الربط بالأنترنيت في متناول الجميع وبتكلفة بسيطةً. في الواقع، من خلالها، أصبح ما يحدث في أقصى ناحية من المملكة يجد صداه في جميع أنحاء البلاد بل في العالم كله. هذه السرعة في حركة الفضاء المدني هي المقابل الساخر للبطء في الجهاز الإداري. وعندما يتعلق الأمر بالمس بحقوق الإنسان، سرعان ما تبدأ تعبئة مستخدمي الشبكة العنكبوتية كما رأينا في مأساة الحسيمة فتأخذ بُعدا وطنيا ودوليا. لقد عرفنا نموذجين من التعبئة التي أجبرت السلطة على الرجوع للوراء: المرة الأولى بعد خبر العفو الملكي عن الإسباني "كالفان" مغتصب الأطفال والمرة الثانية بعد انتحار أمينة الفيلا لي التي ثم زوجها بمغتصبها، في المرة الأولى قرر إلغاء قرار العفو وفي الثانية تم إلغاء المادة من القانون الجنائي التي تسمح للمغتصب بالإفلات من عقوبة السجن إن هو تزوج بالضحية. إن تأثير الشبكات الاجتماعية يسمى النضال الرقمي cyberactivisme وهي في طريقها لتصبح إحدى آليات الحكم لأنها تنبش في قرارات السلطات وتدفعها لمراجعة نفسها عند الضرورة، ومن ثم فصانع القرار الذي كان في الماضي القريب يحتكر المعلومات التي هي مصدر السلطة أصبح اليوم مضطرا تقاسم المعلومات ثم تصحيح أفعاله، ونتيجة لذلك فقراراته تذوب في خضم النضال الرقمي. في الختام، من الممكن طرح فكرة أن التعليمات الملكية وآليات النضال الرقمي، رغم اختلاف طبيعتهما، أصبحتا تأخذان مكانهما ضمن ميكانزمات الحكم في المغرب. * قانونية وباحثة درست بجامعة غرونوبل ألب في فرنسا وحاصلة على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، صدر لها مؤخرا كتاب عن دار النشر الفرنسية لارماتان بباريس تحت عنوان "المعيش الحدودي بين الجزائر والمغرب منذ 1994 : الحياة اليومية لساكنة منفصلة".