06 سبتمبر, 2016 - 08:46:00 يواصل موقع "لكم" نشر قراءة تحليليلة على حلقات للكتاب الجديد للمفكر عبد الله العروي "استبانة"، الصادر حديثا في الدارالبيضاء وبيروت. القراءة من إعداد الدكتور عبد الرحيم خالص، وهو باحث في القانون العام ومُهتم بالفكر المغربي المعاصر. وفيما يلي الحلقة الخامسة: خامسا: بين مغرب الحماية وحماية المغرب المعاصر! بين مغرب عهد الحماية ومغرب اليوم، قليلا ما يشير الباحثون إلى الفترة ما قبل سنة 1912، وبالضبط إلى سنة 1905 التي عرفت تقديم فرنسا لاقتراحات بالإصلاح (ص 73). هذه المقترحات، كانت من طرف البعض مقبولة لكن مرفوضة من طرف الأغلبية. وتمثل سنة 1908 وأحداثها، بمثابة "حركة" تزعمها السلطان عبد الحفيظ، لحشد النفوس التي كانت تبتغي تجاوز وضعية الانحطاط والتأخر والبؤس الذي تركته إصلاحات محمد الرابع والحسن الأول نظرا ل "هزالة إنجازاتها"، إلى إعلان وقيادة "ثورة مضادة" (ص 72-73). فإلى أي حد كانت هذه الأحداث المتتالية من "الثورات والثورات المضادة"، سواء بجانب ضعف السلطة المركزية أو تنامي انتفاضات الأطراف أو الامتناع عن أداء الضرائب، سببا في "فرض" الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912؟ وإلى أي حد ساهمت "النخبة المخزنية" في تكريس هذه الحماية وبدء الاستعمار؟ أو بتعبير آخر، وعلى لسان العروي: هل خانت النخبة المخزنية الوطن؟ عموما، يؤكد العروي، رغم ما يوجه من اتهامات لأسماء محدد وأخرى مجهولة، سواء قبل أو بعد الحماية، فإنه "سيكشف عاجلا أو آجلا" ص 74)، ومن يتدرعون بمشكل السيبة التي تتزعمها بعض القبائل ضد المخزن، نقول له بأن "المخزن والسيبة وجهان لعملة واحدة" (ص 75)، ذلك أن استتباب الأمن وإصلاح الشؤون الداخلية من طرف المخزن، يفرض عليه نوعا من استعمال القوة والجور، وهو ما ترفضه القبائل فتعارضه من خلال "السيبة" التي تقودها ضد المخزن. في هذه الظروف، هناك من يقول بأن المخزن، حاول الاحتماء بالأجنبي. فإلى أي حد صحيح هذا الزعم؟ يقول العروي بأنه "ما لا جدال فيه هو أن من يحتمي بالأجنبي، مهما تكن الدوافع والظروف، عليه أن يقبل مسبقا نتيجة اختياره أي مقاطعة إخوانه له. من غير المعقول أن يكسب من الجانبين، ممن يهجر وممن يهاجر إليه" (ص 75). وفي هذا السياق، انتشرت فكرة "لا صلاح لمن لم تصلحه السنة" (ص 76)، فترجمها البعض إلى ضرورة الاستعانة بتدخل الأجنبي ما دامت هناك "قلة الوسائل" و"عدم جدواها" مع وجود "حاجز آخر أدبي وأخلاقي أكثر منه مادي"، وهذا كان خطاب "الفقهاء المصلحون" (ص 76). فهل هذا يعني الاستسلام للواقع، من خلال الرضا بتدخل الأجنبي باعتباره حامل مشروع إصلاح حداثي لفائدة المخرب؟ إننا لا نظن ذلك بكل سهولة. فهذا القول يتطلب عدة محاذير موضوعية كثيرة، يجب استحضارها قبل قبول أو رفض هذا الإقرار: "أدرك الجميع، أعني الطبقة الحاكمة، ضرورة الإصلاح". (...) "فعاد من اللازم فرض الإصلاح بالقهر"؛ "عندها اقتنع العقلاء أن المغرب لن يعرف النظام إلا على يد الأجنبي" (ص 76). كيف ذلك؟ ولماذا الاستسلام للأجنبي لفرض الإصلاح واستتباب النظام؟ ولماذا فرنسا بالضبط؟ لقد ظل المغاربة حسب العروي يرفضون وصاية إسبانيا التي تعلم بنفسها عدم قدرتها على ذلك في الأصل. ولذلك، فضلت دخول المغرب تحت رعاية فرنسية. أما الدولة الإنجليزية فكادت في لحظة زمنية، وبالضبط سنة 1890، أن تدخل المغرب عن طريق فرض حماية "لينة مخففة (!)" حسب العروي (ص 77). وهاته في نظره، ونحن في هذا القول لا نتفق مبدئيا معه، يقول: "لا أحد ينكر أنها كانت جد ممكنة لو توافرت للمغرب نخبة واعية مثقفة جريئة (...)" (ص 78)؛ وإذ لا نتفق معه، من منطلق الرفض النهائي لأي استضلال أو احتماء، ولا سيما طوعا، لأية سلطة خارجية كيفما كانت. كان على "الوطنيين" المغربة وعلى النخبة المخزنية، الاتحاد في سبيل خطوة موحدة، تحافظ للمغرب على وحدة الترابية وللمغاربة على كرامتهم الاجتماعية. نقول هذا، ونحن مستنكرون في الأصل، قبول الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912 رغم الظروف أو الشروط التي أدت إلى ذلك؛ وذلك، إلى درجة أن من سايروا هذه الخطة ومنحوا موافقتهم المباشرة أو غير المباشرة لدخول الحماية الفرنسية حيز الواقع المغربي، ليسوا إلا خونة. نقاش: تعقيب على "استبانة" العروي.. حول ماهية المغرب: شعبا وثقافة وجغرافية ثم تاريخا ويتأكد قولنا هذا، من خلال ما تحفظه دورات التاريخ من أفكار ودلائل لا يكذبها أي عقل يفكر تفكيرا منطقيا. كلما كان هناك جور واستبداد، كلما سبقه الإحساس بالضعف والخطر؛ وكلما كان هناك إحساس بالضعف، كان هناك تخاذل في أداء الواجب؛ وكلما وجد التنكر للواجب كانت هناك مطالبة بالاستنجاد؛ وكلما حدث هذا وذاك، كلما تأكد وجود الخونة في ممارسة سلطة الحكم. فمن كان الخونة مِن ممارسي السلطة أنداك، سواء في المركز أو في المحيط؟ النخبة السياسية؟ الفقهاء؟ السلاطين؟ دائرة المركز؟ دائرة المحيط؟ القواد؟ السلفيون؟ الزوايا؟ ...الخ. وعليه، كيف يمكن بناء وطن حر على أنقاض إرادات مهترئة، مستسلمة، خائنة؟ وأي وطنية يمكن الحديث عنها في هذا السياق؟ وهل هناك بالفعل وطنيون وقفوا ضد استقدام وطنية أخرى تحت مسميات مختلفة؟ إن ما يزكي تساؤلاتنا في هذا الإطار، هو فشل الحماية بكل المقاييس، ولاسيما فشلها في بناء وطنية مغربية والتي ظلت تحارب نشوئها طوال سنوات الحماية. وخلاصة القول على لسان العروي، وبغض النظر عما تم تحقيقه من "تقدم" من طرف فرنسا، هنا وهناك، إلا أن إدارة الحماية "أخطأت (...) ما استهدفت (...) وأصابت ما كانت تتحاشاه" (ص 80)، "كانت تستحق أن تنعت بالإصلاحية لو سبق إصلاح المحيط المادي إصلاح أدبي يقوم به أبناء البلد. لكن هذا التوافق العضوي ليس بالمألوف في مجرى التاريخ" (ص 81). إن ما طرحناه من تساؤلات حول النخبة الوطنية والمخزن، لا نقصد به تبخيس أدوارهم التاريخية؛ فمن يمكر التاريخ فالتاريخ أكبر الماكرين، وسوف تظهر الحقائق اليوم أو غدا. ولذلك، يمكن القول إن الوطنية لا تلبث أن تلبس لباس الإصلاح الظاهر فقط، بل لقد كان البعض يتجاوز الإصلاح إلى المقاومة. وفي ذلك، هناك من يُساوي بين الوطنية والمقاومة ويعتبرها وجها بارزا للدفاع عن حرمة البلاد والعباد مهما كانت النتيجة. فإلى أي حد يمكن التناسب بين الوطنية والمقاومة؟ وما هدف كل واحدة منهما؟ وهل في ظل الحماية كانت لباسا واحدا أم لباسان أم عدة لبوسات؟ وما تأثير الوطنية والمقاومة في حماية مغرب اليوم؟