11 يوليوز, 2016 - 10:53:00 في هذا التحقيق، يتحرى موقع "لكم" عن تشابك علاقات "لوبي الإسمنت" الذي تمثله شركات الإسمنت في المغرب خاصة تلك المرتبطة بالهولدينغ الملكي، وتداخل علاقاتها مع نافذين داخل السلطة في المغرب. فخلال فضيحة النفايات الإيطالية،غاب عن النقاش الدور الذي بات يلعبه هذا اللوبي في توجيه السياسات الإستراتيجية الكبرى للدولة في مجال التنمية الاقتصادية خدمة لأرباحه الخاصة. وهو ما يدفعه إلى البحث دائما عن الرفع من انتاجه، وفي هذا السياق تأتي صفقة استيراد "الوقود الرخيصة"، بهدف تحقيق أرباح أكبر. كما يكشف التحقيق عن تداخل علاقات بعض شركات الإسمنت المغربية، وشركات غربية أدينت بسبب جرائمها البيئية وأخرى تورطت مع المافيا الايطالية. غموض تام في صفقة الاستيراد لا أحد يعلم من وقّع صفقة استيراد ال 2500 طن من النفايات من إيطاليا ولا مع من في الجانب الإيطالي. لكن المؤكد هو أن الصفقة تمت لصالح "الجمعية المهنية لشركات الإسمنت" (APC) التي تُمثل مصالح شركات الاسمنت والتي قال بلاغ وزارة البيئة إنها تربطها معها اتفاقية شراكة وُقِّعت عام 2003 في عهد الوزير الاشتراكي محمد اليازغي. ورغم مرور أكثر من 13 سنة على توقيع تلك الاتفاقية لا أثر لنصها وفصولهاعلى المَوقِعين الرقميينللجمعية أو للوزارة. المعلومات الوحيدة المتوفرة على موقع الجمعية لا تشير إلى عمليات استيراد النفايات وإنما إلى التعاون من أجل محاربة التلوث والتحسيس البيئي وتبادل الاحصائيات ومواكبة المقاولات وتقوية قدراتها من أجل احترام معايير حماية البيئة. يسُود نفس التعتيم بخصوص القانون الأساسي والمكتب المسير للجمعية التي تجمع عضوية كل من "لافارج المغرب"، و"إسمنت المغرب" (Cimar) و"هولسيم" و"إسمنت الأطلس" و"إسمنت تمارة". أمام الضغط الشعبي والهجوم المتزايد على الوزيرة حكيمةالحيطي، الوزيرة المنتدبة في البيئة، دخل امحند العنصر، الأمين العام لحزب "الحركة الشعبية" وهو الحزب الذي تنتمي له الحيطي وتمثله داخل الحكومة، على الخط محاولاً إبعاد الزوبعة عن حزبه خاصة مع اقتراب الانتخابات. ففي تصريح له لموقع "كود" أكد العنصر أن الصفقة تمت بين شركات الاسمنت المغربية والجهات الايطالية المعنية وأنه لا علاقة لوزيرته في البيئة بالموضوع حيث أضاف أن دورها يقتصر على المراقبة. فهل يكون هذا التصريح دليلٌ على وجود "قنبلة" لا أحد يريد أن تنفجر بين يديه وهل يعني ذلك ضمنياً أن سلطة الشركات أقوى من سلطة وزارة البيئة ومن الدولة نفسها. تحريات "لكم" كشفت عن وجود اتفاقية أولى في سنة 2003 وقعها محمد اليازغي وزير السكنى والتعمير والبيئة تنص على تعاون الوزارة والجمعية من أجل محاربة التلوث وتثمين النفايات الصلبة. أما اتفاقية الشراكة الأخيرة فقد تم توقيعها بتاريخ 15 أبريل 2015 بمراكش على هامش الدورة السابعة ل "المنتدى الافريقي للكاربون" بين الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة و"الجمعية المهنية لشركات الإسمنت" وقعتها كل من الوزيرة حكيمة الحيطي ورئيس الجمعية محمد الشعيبي وأنس الصفريوي رئيس "إسمنت الأطلس"، وابراهيم العراقي مدير "إسمنت تمارة". وقال بلاغ أصدره الطرفين أن هذه الاتفاقية تتعلق ب "إعادة استعمال النفايات ذات الطاقة الحرارية المرتفعة على مستوى معامل الاسمنت كبديل للطاقات الأحفورية" دون أن يتحدث عن الاستيراد بل بالعكس تحدث عن "التخفيض من حجم النفايات في المطارح" عن طريق "جمع أكبر كمية ممكنة من النفايات المنزلية نحو معامل الاسمنت." فهل تورط الطرفان في قضية نفايات قد تكون خطيرة على صحة المواطنين؟ أم خدع مهنيو الإسمنت وزارة البيئة باستعمال مبرر الحفاظ على البيئة لإشراكها وإعطاء الشرعية لعملية الاستيراد؟ أم فقط تحايل الطرفان على الرأي العام من خلال صياغة بلاغ بلغة مطاطية تقبل كل تأويل ولا تقول أي شئ عن جوهر الاتفاقية نفسها؟ من يسيطر على سوق الإسمنت في المغرب؟ طيلة فترة هذه الضجة غاب عنها طرفها الأساسي ألا وهو شركات الإسمنت، حيت تركزت الانتقادات على الوزيرة الحيطي، والتي تتحمل مسؤولية الترخيص النهائي على مثل هذه الصفقات، لكن الحيطي تبقى مجرد الجزء الظاهر من جبل الثلج، أما جذعه المخفي فهو شركات الإسمنت وممثلتهم "الجمعية المهنية لشركات الإسمنت"، فهي صاحبة الصفقة وهي المستفيدة منها. وعندما نستعرض هذه الشركات وأذرعها ومن يقف وراءها ومن يستفيد منها سندرك مدى قوة هذا "اللوبي" الذي باتت تشكله هذه الشركات وارتباطاته مع جهات نافذة داخل الدولة يمثل مصالحها. أكبر شركات هذا "اللوبي" هما شركتي "لافارج المغرب" و"إسمنت المغرب" اللتان تسيطران على حصة الأسد بحوالي ثلثي السوق وتليهما "هولسيم المغرب" بخمسه فيما يقتسم "إسمنت الأطلس" و"إسمنت تمارة" ما تبقى بنسبة مضاعفة للأول. وفي الشهور الأخيرة اشترت "لافارج المغرب" التي كانت تمثل 35 في المائة من السوق المغربية فرع شركة "هولسيم المغرب"، التي تمثل 19 في المائة من نفس السوق، لتصبح المجموعة الجديدة "لافارج هولسيم المغرب" تمثل 54 في المائة من سوق الإسمنت المغربية. حصة أبرز الفاعلين الاسمنتيين في المغرب من السوق. المصدر: ليكونوميست "لافارج" الهولدينغ الملكي : "ملك من إسمنت" رغم حالة شبه الركود التي يعيشها السوق بلغت أرباح "لافارج المغرب" 1.4 مليار درهمعام2015، أي بزيادة قدرها 6.5% مقارنة ب 2014، وبرقم معاملات تجاوز 5 ملايير درهم. نتائجٌ يعود لها الفضل أساساً إلى الطلبات التجارية (commandes) وكذا الصفقات التي "تفوز" بها المجموعة. فعلى سبيل المثال حصلت "لافارج" على صفقة ميناء طنجة المتوسطي حيث باعت للدولة 600 ألف طن من الاسمنت ما بين سنة 2003 و2009. وإذا كانت صفقة بناء قنطرة محمد السادس، الأكبر افريقيا بطول950 متراً، قد أُسنِدت للصينيين فإنه لم يكن مفاجئاً أن تُفوت صفقة الإسمنت ل "لافارج المغرب" التي باعت للدولة 29 ألف طن من الإسمنتعلى مدار 5 سنوات حسب التقرير السنوي للشركة. مارسيل كوبيز، المدير العام ل"لافارج المغرب" يعرض صور زيارته لقنطرة محمد السادس "هولسيم": 300 حالة وفاة وإدانات بالسجن أما شركة "هولسيم المغرب" التابعة لمجموعة "هولسيم" السويسرية النشيطة في إيطاليا فسمعتها السيئة في إيطاليا تلطخت بسبب جرائمها البيئية المتتالية، والتي وصلت جرائمها البيئية حتى البرلمان الايطالي عندما أكد وزير البيئة في جواب على سؤال كتابي، بتاريخ 24 يناير 2007، على تجاوزها المعدل المسموح به وطنياً من نسب مواد خطيرة كالزئبق والرصاص والزرنيخ والكادميوم مستدلاً بدراسة علمية أجريت في ثلاثة مواقع تنشط بها الشركة. وأمام محاصرة السلطات الرسمية الإيطالية لها، قامت الشركة في سنة 2010 بالتلاعب بالأرقام لخداع السلطات عندما ادعت أنها خفضت من الكمية الإجمالية للنفايات المحروقة من 106 آلاف سنوياً إلى 81 ألف في حين أن الحقيقة،وأنها خفضت من نسبة الانبعاثات الأكثر نظافة من أجل الرفع من نسبة الانبعاثات الخطيرة كنوع CDR وذلك بالتواطؤ مع موظفين اتهمتهم جمعيات بيئية إيطالية ودوليةبالتحصّل على رشاوي عبارة هدايا وأسفار سياحية مدفوعة. أكثر من هذا تورط توماس شميدايني (Thomas Schmidheiny)، المدير السابق ل "هولسيم"، والمساهم الرئيسي الحالي في الشركة، في العديد من الفضائح كان أبرزها محاكمته من طرف القضاء الإيطالي، الذي شبهه ب "هتلر"، بتهمة الاهمال والقتل العمد ل 258 شخصاً من العمال والسكان نتيجة آثار مادة (الأسبستوس) (Amiante) التي تنبعث من معامله والتي تتسبب في التهاب الرئة والسرطانات. وقد تمت إدانته بالفعل ب 16 سنة سجناً في المرحلة الابتدائية، ثم ب 18 سنة في المرحلة الاستثنائية قبل أن يتم إلغاء هذا الحكم بشكل مثير من طرف محكمة النقض، والحكم عليه فقط بأداء غرامة بتسعين مليون أورو. تبرئةٌ فسّرها الكثيرون بعلاقات الرجل المتشعبة وثروته الكبيرة (فهو يحتل المركز رقم 527 عالمياً من بين أثرياء العالم حسب تصنيف مجلة "فوربس"). عائلات الضحايا في محكمة "تورين" ينتظرون إصدار الحكم الابتدائي على شميدايني يوم 13 فبراير 2012 "لافارج المغرب" الهولدينغ الملكي: الشهية تأتي مع الأكل بتاريخ 17 مارس 2016، أي أشهراً قليلة فقط قبل اندلاع أزمة استيراد النفايات التي فجرت الفضيحة، وقّعت "الشركة الوطنية للاستثمار" (SNI) صفقة ابتلاع لافارج المغرب (التابعة له) ل "هولسيم المغرب" التابعة لمجموعة "هولسيم" السويسرية ليصبح رقم معاملاتهما مجتمعتين 8 ملايير درهم. وإذا كانت الشركتان تطمئنان المنافسين، بعد موافقة مجلس المنافسة ورئيس الحكومة على هذا الإندماج، على أن حصّتهما من السوق لن تتجاوز ال 55% فإن منتجي الإسمنت المحليين يخشون من الآثار السلبية لذلك على نشاطهم إذ يتوقعونأن يحتكر العملاق الجديد أكثر من 65,5% من السّوق. ومن بين ما نصّت عليه اتفاقية إنشاء "لافارج هولسيم المغرب افريقيا" التوسع نحو دول افريقية كبوركينا فاصو والغابون ومالي والسنغال والجمهورية الديمقراطية للكونغو وجمهورية الكونغو. "إسمنت المغرب" والمافيا الإيطالية أما شركة "إسمنت المغرب" فهي تابعة لمجموعة "إيطالسيمنتي" (Italcementi) الايطالية التي سبق لقضاة إدارة مكافحة المافيا التحقيق مع مديرها "كارلو بيسانتي" (Carlo Pesenti) للاشتباه فيه بالتواطؤ مع المافيا وتبييض الأموال والاحتيال وعدم احترام جودة المنتجات. يرأس مجلس إدارة "إسمنت المغرب" محمد الشعيبي وهو ليس شخصاً آخر سوى رئيس "الجمعية المهنية لإسمنت المغرب"، التي تقف خلف عملية الاستيراد، وهو في نفس الوقت عضو مجلس إدارة "مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة" وعضو لجنة الدعم الدائمة ل "مؤسسة محمد الخامس للتضامن"، والمدير العام ل "كأس الحسن الثاني للغولف". "إسمنت الأطلس": علاقات دموية من ذهب أما مجموعة "إسمنت الأطلس" (Cimat)، التي أسسها سنة 2007 الثري أنس الصفريوي، المدير العام لمجموعة "الضحى" العقارية، فتملك مصنعين للأسمنت بمنطقتي سيدي أحمد وبني ملال بقدرة انتاجية تبلغ 3.2 مليون طن من الاسمنت سنويا، (أي ما يعادل 18% من القدرة الانتاجية الوطنية) منها 600 حتى 800 ألف طن موجهة للتصدير. وفي سنة 2011 أنشأ الصفريوي "إسمنت إفريقيا" (Cimaf)النشيطة اليوم في خمسة دول افريقية هي ساحل العاج وغينيا والكاميرون وبوركينافاسو والغابون. أثار التصاعد المستمر والسريع للصفريوي غضب العديد من رجال الأعمال المنافسين الذين يتهمونه في الصالونات المغلقة بالاستناد إلى الملك واستعمال اسمه لربح الصفقات. وكانت منابر اعلامية مقربة من القصر (كما هو حال موقع Le360 القريب من منير الماجيدي، السكرتير الخاص للملك) قد تحدثت عن استدعاء الصفريوي من طرف وزير الداخلية محمد حصاد الذي نبهه، والعهدة دائما على نفس الموقع، للكف عن "إقحام اسم الملك" في أعماله بهدف التأثير على القرارات أو تسريع الإجراءات" المرتبطة بأعماله. وقد تأكدت صِحّة هذا الخبر من خلال استبعاد الصفريوي، مرتين على الأقل، من أنشطة رسمية يرعاها أو يرأسها الملك، فقد تم استبعاده من قائمة الضيوف المدعوين لحفل زفاف الأمير رشيد (شقيق محمد السادس). وقبل ذلك كان الصفريوي بمثابة رجل الأعمال المرحب به دائما من قبل القصر، وذلك من خلال قيام الملك محمد السادس بتدشين مشاريعه مثلما حصل مع مشروع "السعدية"، الذي تحول إلى كارثة بيئة وخسارة مالية كبيرة للشركة ومن يقف وراءها. كما اصطحب الملك محمد السادس الصفريوي في جولاته داخل القارة السمراء، وأشرف بنفسه على تدشين أكثر من معمل للأسمنت تابع لمجموعة الصفريوي في دول افريقية، كما حصل في كل من مالي وغينيا والغابون ما بين 19 فبراير و8 مارس 2014، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول الحماية والرعاية التي كان يحظى بها رجل الأعمال هذا الذي يرتبط بعلاقات متداخلة ومتشابكة فيها ما هو مصلحي وما هو عائلي مع شخصيات نافذة داخل المغرب. الملك محمد السادس يزور أحد معامل الصفريوي للأسمنت بأبيدجان رفقة الرئيس الايفواري فبراير 2014 شهية الصفريوي للمال لم تنته به عند حدود افريقيا بل حاول دخول السوق الأوروبية مع فرقٍ كبير في "سرعة الاكتساح". فمنذ 2012 وحتى 2016 وهو يحاول الاستثمار في Fos-sur-Mer ناحية مارسيليا الفرنسية دون أن يفلح في ذلك إذ تصدى عمدة الجماعة لهذا المشروع رغم اجتيازه كافة المراحل بسبب ما أسماه الجانب الاجتماعي للملف. خلال ندوة عمومية عقدت يوم 2 ماي الماضي، في إطار التحقيق حول الموضوع وإجراء دراسة جدوى (étude d'impact) حول مخاطر المشروع، قال العمدة الفرنسيإنه يتخوف أن يؤدي استقرار الشركة في منطقته إلى فقدان فرص شغل بسبب نيتها استيراد الاسمنت من معاملها بالمغرب في مرحلة أولى مضيفاً أن "مهمتي هي حماية فرص الشغل." "وقود بديلة" أم "وقود رخيصة"؟ طيلة عهد الملك محمد السادس ازدهرت سياسة ما يسمى ب "الأوراش الكبرى"، وهي أوراش تقوم على "الأعمال الكبرى" التي تستهلك الكثير من مادة الإسمنت، مثل الطرقات السريعة، والقناطر، والموانئ، والمجمعات السكنية الكبرى، وكلها تستهلك ملايين الأطنان من مادة الإسمنت التي تسيطر على سوقها الشركات المذكورة أعلاه والتي تتداخل مصالحها فيما بينها حتى يكاد يغيب عنصر المنافسة فيما بينها، ويغلب عنصر الاحتكار الذي يطبع اليوم هذه السوق. وداخل سوق الإسمنت وكما بينا أعلاه فإن شركة "لافارج هولسيم المغرب" باتت اليوم هي الشركة الكبيرة التي تكاد تحتكر السوق، مدعومة من الشركة الأم "الشركة الوطنية للاستثمارات"، التي تمثل "الهولدينغ" الملكي. ومع ارتفاع الطلب على مادة "الإسمنت" داخل السوق المغربية، وأهم مستهلكي هذه المادة وزبون سوقها الأول هي الأوراش الكبرى للدولة، والتي غالبا ما ترسو صفقاتها على الشركة المهيمنة على سوق الإسمنت داخل المغرب وهي شركة "لافارج"، زادت شراهة هذه الشركات لإنتاج المزيد من الإسمنت، وهو ما يدفعها إلى استعمال المزيد من الوقود لرفع إنتاجها وأيضا لتخفيض كلفته من أجل تحقيق أرباح أكبر. وهذا ما يفسر اليوم لجوء هذه الشركات إلى استيراد ما يسمونه ب "الوقود البديلة"، وهي في الحقيقة "وقود رخيصة"، عبارة عن نفايات مستوردة غير مبالين بما قد يتركه حرقها من انعكاسات سلبية على البيئة وعلى صحة المواطن. وما يشجع هذه الشركات على مثل هذه المغامرة هو شعور أصحابها بوجود حماية تعفيهم من كل مساءلة أو تحمل أية مسؤولية على تبعات أفعالهم. وقد كشفت تفاعلات "الفضيحة" التي انفجرت مؤخرا مع صفقة استيراد نفايات من إيطاليا إلى أي حد تسطيع شركات الاسمنت توجيه الإعلام العمومي، كما حصل مع برنامج "ميدي 1 تيفي"، وتوظيف مسؤولين حكوميين للدفاع عن وجهة نظرها كما يحصل مع الوزيرة الحيطي، وقبلها وزير الداخلية محمد حصاد الذي دافع عن الصفقة أمام مجلس المستشارين، الوزير عزيز الرباح، الذي يقود وزارة "التجهيز والنقل" وهي الوزارة الوصية على ما يسمى ب "الأوراش الكبرى"، خاصة في مجال التجهيز، ولعل هذا ما يفسر "خروجه الغريب وغير المنتظر للدفاع عن "صفقة النفايات" على صفحته على الفيسبوك. وعندما نقرأ ما يروج من أن الرباح أصبحت له "حظوة" داخل المربع الذهبي لصناع القرار داخل المغرب، تجعله يحلم بأن يكون مرشحا لخلافة رئيسه في الحكومة والحزب على رأس الحكومة المقبلة، في حالة ما إذا تصدر حزبه نتائج الانتخابات المقبلة، نفهم لماذا خرج مدافعا عن شركات الإسمنت، وذلك حتى قبل أن يتخذ حزبه موقفا منها، بما أن الحزب طلب في سؤال شفوي آني بالكشفعنحقيقةمخاطراستخدامهذهالنفاياتعلىالبيئةوعلى صحةالمواطنين، ومازال ينتظر الجواب عن سؤاله. سياسة الأوراش الكبرى أو "استراتيجية الإسمنت" لقد حولت "سياسة" "الأوراش الكبيرة" في المغرب، مادة "الإسمنت" إلى "ذهب أسمر"، لكنه ذهب حقيقي يذر على أصحابه أرباحا طائلة وسهلة، وبالمقابل لا ينتج قيمة مضافة حقيقية داخل سوق الشغل المغربية، وبالتالي فلا أثر ل "ازدهار" هذه السوق على تنمية المواطن.هذهالسياسية سبق أن انتقدها الكثير من الخبراء ووصفوها بالعشوائية نظراً لغياب نتائج ملموسة لها على الواقع ولأنها لا تخدم سوى أصحابها. فحسب تقرير "هل يتوفر المغرب على إستراتيجية للتنمية الاقتصادية؟" الذي أعدته دائرة التحليل الاقتصادي ل "مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد"، لا يمكن تحقيق تنمية عن طريق الاستثمار في البنيات التحتية دون توفر مجموعة من الشروط أهمها إشراك الساكنة المستفيدة وتوفر التنافسية وتوفر الحاجة لتلك الاستثمارات. التقرير، الذي استند إلى مجموعة من الدراسات الدولية، خلص إلى أنه لا توجد مؤشرات كافية تدل على أن المغرب يتوفر على استراتيجية للتنمية الاقتصادية. ووصف التقرير الإستراتيجية القائمة بأنها "استراتيجية الإسمنت"، أي أنها تقوم في أغلبها على قطاع الأشغال الكبرى التي تستهلك الكثير من الإسمنت دون أن توفر قيمة مضافة حقيقية في سوق الشغل، بما أن فرص الشغل التي تخلقها مشاريع هذه السياسة مؤقتة تنتهي مع انتهاء عملية البناء. صمت الهولدينغ الملكي: الفم المطبق لا يدخله الذباب أمام تفاعلات "الفضيحة" التي أثارتها صفقة استيراد النفايات الإيطالية، مازالت شركة "لافارج المغرب"، صاحبة الصفقة الحقيقة، تلتزم الصمت، ودفعت برئيس "الجمعية المهنية لشركات الإسمنت"، وبمجموعة من "الخبراء"، وهم في الحقيقة مجرد موظفين لدى شركات هذه الجمعية، للدفاع عن صفقة "لافارج".والتزام هذه الشركة الصمت، هو محاولة لإبعاد صورتها عن النقاش العام، حتى لا يتم الربط المباشر بينها وبين "الهولدينغ الملكي"، على اعتبار أنها أحد أهم فروعه المربحة، مع ما يرمز إليه هذا "الهولدينغ" داخل النسق السياسي العام في المغرب. وإضافة إلى صمت "الهولدينغ الملكي"، يبرز أيضا صمت الملك، الذي لم يتدخل حتى الآن رغم ما باتت تتخذه "الفضيحة" من أبعاد تسئ إلى صورة المغرب الخارجية في وقت تستعد فيه البلاد لاستقبال مؤتمر عالمي للمناخ في نوفمبر المقبل. ولعل الخبر الذي أردته "أخبار اليوم" في عددها الصادر يوم الإثنين 11 يوليوز، والذي تحدث عن قرار مشترك بين وزير الداخلية ورئيس الحكومة يقضي بتعليق الصفقة حتى التحقق من سلامة المواد المستوردة، يدخل في إطار سياسة "الإحتواء" التي غالبا ما تنهجها السلطات العليا في المغرب لتهدئة الشارع في انتظار أن تمر العاصفة. يزيد من تقوية هذه الفرضيات التكتم الشديد الذي أًحيطت به عملية الاستيراد والتي لا يبدو أنها الأولى من نوعها، وكذا التخبط الذي وقع فيه المدافعون عنها بالإضافة إلى عدم تدخل الملك حتى الآن لحسم هذه القضية ربما عملاً بحكمة كونفوشيوس التي تقول "الصّمت هو الصديق الوحيد الذي لن يخونك"، أو بالمثل الإسباني المأثور الذي يقول" الفم المطبق لا يدخله الذباب".